البديل السوري وعورة المجتمع الدولي

2022.07.06 | 07:05 دمشق

عمر الشغري
+A
حجم الخط
-A

يتحدث مسؤولون وعاملون في منظمة الأمم المتحدة ممن كانوا مختصين بالملف السوري خلال السنوات العشر الماضية، في جلسات خاصة، عن كواليس الاجتماعات الخاصة بسوريا، (تصادف أن سمعت من بعضهم شخصيا وسمعت أيضا نقلا عنهم من أصدقاء)، ويقولون إن وفود المعارضة السورية إلى الأمم المتحدة كانت أشبه بالفضيحة التي يتم تناقل أخبارها في أروقة ومكاتب المنظمة الدولية الأكبر، فمن طلبات أعضاء الوفود بتغطية تماثيل عارية في ردهات فنادق ينزلون بها، إلى طلبات بحجوزات (vip) في التنقل والإقامة، إلى أحاديث عن الخلافات الشخصية بين أعضاء الوفود والتي كانت تشق طريقها إلى العلن، وتظهر على شكل تسريبات لصور أو تسجيلات صوت وصورة شخصية من الغرف الخاصة بالأعضاء، نوعا من أنواع الحرب الدائرة بين أركان المعارضة السورية، إلى الخطاب الرسمي المتكرر والممتلئ بالتشكي والتظلم دون تحديد أي مطلب رسمي سوى المطلب الدي رفعه شباب الثورة مند البداية (إسقاط النظام)، بينما كان يفترض بوفود المعارضة أن يكون حضورها مدعما بخريطة طريق متفق عليها بين فصائل المعارضة وهيئاتها المختلفة.

يقولون أيضا "إن إحساسا كان يصل إلى المجتمع الدولي بعدم كفاءة المعارضة السورية وعجزها عن طرح بديل سياسي مناسب للنظام السوري، ذلك أن حضورها الدبلوماسي لم يكن يرقى إلى مستوى الكارثة السورية، بينما كان حضور النظام السوري دبلوماسيا رفيع المستوى وبخطاب محدد وواضح لا مساحة كبيرة فيه للتشكي والتظلم".

المجتمع الدولي لم يكن يوما صادقا بما يخص الثورة السورية ولا واضحا بما كان يريده من سوريا، ولا شفافا بخصوص علاقته مع النظام، وهو الأمر الذي لطالما أربك هيئات المعارضة

ورغم أن كلاما كهذا فيه بعض الظلم الواقع على هيئات المعارضة من حيث إنه لم يسبق للسوريين الخوض في عمل سياسي عام وعلني وعلى المستوى الدولي، إذ عمل النظام السوري على تجريف المجتمع بالكامل خلال عقود طويلة ومنع السوريين من حقهم في العمل السياسي المنظم، وبقي ذلك محصورا في دائرة صغيرة محددة وبخطاب براغماتي يخدم براغماتية وديماغوجية النظام خارجيا وداخليا، بينما منع أمنيا كل ما يمكن أن يشكل نواة لمعارضة تمارس حقها الدستوري في المراقبة والمحاسبة والاعتراض والعمل السياسي، ما جعل هناك فجوة كبيرة أمام السوريين عند انطلاق الثورة حاول تنظيم الإخوان المسلمين (التنظيم السوري الوحيد القائم على مؤسسة) الاستفادة منها لصالح أجندتهم العابرة للوطنية السورية والتي لا تأخذ في حسبانها خصوصية المجتمع وما تراكم فيه خلال أكثر من خمسين عاما من ثقافة لا تتناسب البتة مع مشروع الإخوان المسلمين.

كما أن المجتمع الدولي لم يكن يوما صادقا بما يخص الثورة السورية ولا واضحا بما كان يريده من سوريا، ولا شفافا بخصوص علاقته مع النظام، وهو الأمر الذي لطالما أربك هيئات المعارضة غير المعتادة، أصلا، على التعامل مع حدث بحجم الكارثة السورية في المحافل الدولية.

رغم ما سبق فإنه  لا يمكن إنكار أن هناك بعض الحقائق في كلام المطلعين على كواليس الوفود السورية المعارضة في هيئة الأمم المتحدة وفروعها تثبتها الحال الذي وصلت إليه الثورة السورية وهزيمتها في المقام الأول، وعجز المعارضة بكل هيئاتها عن فتح ثغرة ولو صغيرة في عنق الزجاجة السورية خصوصا في ملفات ملحة كملف المعتقلين والمغيبين وملف اللاجئين والمهجرين، أو حتى في ملفات بالغة التعقيد والتأثير كملف الشمال السوري والعلاقة مع الأكراد، مسلمة أمرها لدول خارجية كما سلم النظام أمر سوريا لدول أخرى، بحيث أصبحت هده الدول هي المتحدثة بما يختص بالشأن السوري وهي المفاوضة والفارضة والآمرة والناهية والمستفيدة من الكارثة السورية الكبرى.

كما أنه كان واضحا خلال العقد الماضي سيطرة كهول وشيوخ المعارضة على المشهد السياسي والمؤسساتي، ومنعهم كوادر شبابية كانت هي على رأس المظاهرات الأولى والثانية من الانخراط في هدا المشهد (أحد عتاة المعارضة صرح يوما بأن شباب الثورة مازالوا غير مؤهلين للعمل السياسي) ما حرم ثورة السوريين من دماء جديدة وحداثية كان يمكن أن تملك خطابا مختلفا أكثر تأثيرا من خطاب المعارضة التقليدية، وأكثر قدرة على لفت الانتباه الخارجي والداخلي السوري إليه. لكن النخب التقليدية المعارضة أصرت على إقصاء الجيل الشاب في واحدة من خطوات كثيرة جعلت المعارضة السياسية السورية نسخة مشوهة من نسخ النظام الذي تعارضه.

ينتمي الشاب عمر الشغري، وهو ناج سوري من معتقلات الأسد إلى بلدة البيضا في ريف بانياس على الساحل السوري، البلدة التي شهدت مجزرة مروعة في ٢٠١٣، وعمر من مواليد ١٩٩٥ أي إنه حين انطلقت الثورة كان مجرد مراهق في الخامسة عشر من عمره، اعتقل مرتين من قبل النظام وتعرض فيهما لصنوف لا توصف من التعذيب، وحين أطلق سراحه للمرة الثانية استطاع الهرب والنجاة بحياته والوصول إلى الولايات المتحدة الأميركية حيث واصل تعليمه ودخل المجال الحقوقي وأصبح واحدا من أهم الشباب السوري الناشط والمتحدث في المحافل الدولية. ومن الواضح أن عمر الشغري حظي باهتمام مؤسسات تثقيفية وتأهيلية ساعدته للوصول إلى ما هو عليه الآن من حضور وقدرة على التواصل في المحافل الدولية بثقة ليست خافية على أحد، بل ومبالغ فيها أحيانا لكنها تعكس حماسة الشباب ورغبته في التأثير والتغيير بعد مرور أكثر من عقد على الاستعصاء.

عمر الشغري ليس سياسيا، ما يعني أنه ليس مطالبا بتنميق خطابه أمام المجتمع الدولي، هو يمثل شريحة كبيرة من الشباب السوري الذي وجد نفسه مطعونا بأحلامه وآماله وفاقدا أية بادرة للتغيير في بلاده الذاهبة بسرعة مهولة نحو مجهول أسود وربما نحو الفناء، وجد نفسه في عالم متوحش وشرس، يتشدق بالحديث عن حقوق الإنسان في استعراضات هوليودية لا تمت للواقع بصلة، وجد نفسه عاريا في غابة تعج بوحوش المصالح وتحالفات السياسة والاقتصاد التي يمكنها أن تلتهم شعوبا بأكملها.

لا يطلب من أحد بمكان عمر الشغري تقديم الحقيقة التي بات يعرفها العالم بأسره، بل مطلوب منه التأثير وإعادة توجيه دفة الرأي العام نحو الكارثة السورية المنسية

الرسائل الأربع عشرة التي حملها لمجلس الأمن قبل أيام، هي رسائل أبنائنا وبناتنا حقا، ورغم أنها تشبه ما قاله ذلك الطفل السوري: "حين سأقابل الله سوف أخبره بكل شيء" من حيث إن الكلام السابق مجرد فكرة رمزية تنسب إلى طفل سوري ما، كذلك هي رسائل الشغري، هي مجرد رسائل رمزية تحمل أسماء مرسلين سوريين قد يكون أحدهم ابنتي أو ابن جارتي أو صديقي. لا يطلب من أحد بمكان عمر الشغري تقديم الحقيقة التي بات يعرفها العالم بأسره، بل مطلوب منه التأثير وإعادة توجيه دفة الرأي العام نحو الكارثة السورية المنسية، ورغم أنه قدم في نهاية الخطاب ثلاثة مطالب محددة إلى مجلس الأمن، إلا أن الأهم، في رأيي، هو قدرته على لفت الأنظار إلى صدقه وحماسته وانفعاله وتفاعله، إلى وجوده كشاب سوري في محفل كهذا بوصفه ممثلا عن جيل كامل من السوريين ونموذجا لما حصل له.

وحتما ليس المطلوب تحويل عمر الشغري إلى أيقونة ثورية (وجود الأيقونات دليل على ذهنية التقديس المدمرة) والتهليل له، لكن أيضا لا يجوز التقليل مما يفعله ولا الطعن بخطابه بذريعة أنه خطاب انفعالي غير دبلوماسي، نعم هو خطاب انفعالي يتناسب جدا مع سنه وحالته ووضعه، ويتناسب مع حالتنا جميعا، حالة السوريين جميعا، السوريون المخذولون من قبل مجتمع دولي منافق وفاسد يدعم نظاما مجرما كنظام الأسد ويدعم معارضة فاسدة وفاشلة كالمعارضة السورية الرسمية، ويتذرع بعدم وجود بدائل تنقذ سوريا. عمر الشغري ليس سوى واحد في طابور طويل من الشباب السوري الذي يطور نفسه ويراكم خبرات ويشير إلى عورة المجتمع الدولي صراحة وهو يقول: أنا البديل.