icon
التغطية الحية

الأطفال السوريون ضحية إقحام ملف اللاجئين في الصراع السياسي التركي

2023.08.10 | 19:50 دمشق

1
أطفال في المدارس التركية - مواقع التواصل
+A
حجم الخط
-A

في ظل الصراع السياسي بتركيا على الكرسي الرئاسي الفترة الماضية، وجد اللاجئون السوريون أنفسهم في مرمى نار الطرفين – الحزبين الحاكم والمعارض - على اعتبارهم "كرتاً رابحاً" يكسب اللعبة من يحسن استخدامه في الوقت والطريقة المناسبتين.

 فعلى الرغم من الاختلاف بالخطة وأسلوب الطرح تنافست جميع الأطراف المتصارعة على التعهد باتخاذ سياسات صارمة ضد اللاجئين السوريين وإطلاق الوعود بإعادتهم إلى بلادهم من حيث جاؤوا وفق هيكلة خاصة بكل طرف وبخطاب يجهر بحتمية التخلص منهم.

تسلل هذا الخطاب إلى ألسنة الأطفال الأتراك وانتقل منها إلى مسامع الأطفال السوريين وهدم قصورهم الوردية التي بنيت في وطنهم المتبنى – تركيا - واستيقظوا على واقع بأنهم لاجئون غير مرغوب بهم لا تشفع لهم سنوات عمرهم التي عاشوها منذ بدايتها في تركيا وتعجز عن الدفاع عنهم حناجرهم التي صدحت بالنشيد الوطني التركي في كل تحية علم وكل مناسبة رسمية، ما انعكس على علاقاتهم الاجتماعية وجعلهم يعيشون حالة ترقب لنتائج انتخابات ارتبط مصيرهم بها، وقد تتفاقم حالة القلق والترقب لآثار طويلة الأمد تنعكس سلباً على تكوين شخصياتهم في المستقبل.

السياسة تفرق الأصدقاء

"سيفوز كليتشدار أوغلو وسنرسلكم إلى بلادكم" كانت هي العبارة المشتركة التي توجهت إلى كل من زينب ذات الـ 15 عاماً وعمر ذي الـ 7 أعوام اللذين لا قاسم مشتركاً بينهما سوى أنهما لاجئان سوريان في إسطنبول وقعا ضحية الخطاب السياسي العنصري في مدرستيهما.

تقول زينب، الطالبة السورية في إحدى المدارس التركية الثانوية في حي أسنيورت، بحديثها لموقع تلفزيون سوريا إنها كانت مدركة لعدم تقبل المجتمع التركي للوجود السوري في تركيا الذي لا يخفى في الأخبار وعلى منصات التواصل الاجتماعي إلا أنها تفاجأت بتزايد حدته فترة الانتخابات فقد سمعت عبارة "سنرسلكم إلى سوريا فور انتهاء الانتخابات" حتى من زميلتها في المقعد.

كحال زينب جاءت الصفعة لعمر من طرف لم يكن في الحسبان وجاء التوعد بترحيله إلى بلاده من قبل صديقه المقرب، فتروي مريم والدة عمر لموقع تلفزيون سوريا ما حدث مع ابنها وتقول إن ابنها الذي ولد ونشأ في تركيا هو طفل مندمج لديه صديق مقرب، شاءت الأقدار أن يكون والداه معارضين للسلطة الحالية ويدعمان الخطاب السياسي المعارض الذي كانت أبرز وعوده إرسال السوريين إلى بلادهم بشكل صريح ومجرد.

تبنى الوالدان هذا الخطاب فتبناه ولدهما وأخذ يردده وهو في السابعة من عمره فتحول صديقه المقرب إلى عدوه الأول الذي يرغب في التخلص منه.

شكل هذا التحول صدمة لعمر وتفاقمت المشكلة عنده لتصل إلى حد دخوله في حالة توتر دائمة وقلق تُرجِمت إلى أسئلة متكررة متعلقة بالسياسة وترقب لنتائج الانتخابات بالإضافة إلى التهرب من الذهاب إلى المدرسة بحسب رواية والدته مريم.

أما زينب فقد قابلت توعد زميلاتها بإرسالها إلى سوريا بالصمت في كل مرة، على حد قولها، ودخلت في حالة قلق وتساؤل عن مصيرها ومصير تعليمها في حال إرسالها إلى سوريا.

لا تقف آثار خطاب الكراهية عند الأطفال على خيبة أمل أو قلق مؤقت أو تخوف من الترحيل فتقول الباحثة في الصدمات النفسية في مرحلة الطفولة والمعالجة النفسية في وزارة العدل التركية الدكتورة ستناي كافا لموقع تلفزيون سوريا إن الخطاب العنصري الذي يواجهه الأطفال السوريون قد يشكل خطراً على انتمائهم وقد يجعل بعضهم يلجؤون لإخفاء هوياتهم ليكونوا آمنين اجتماعياً وعاطفياً وذلك من منطلق أنه لا يمكن تقبلهم في المجتمع كما هم.

المدارس بيئة لتصدير خطاب الكراهية

يعد استخدام التعليم كأداة في مواجهة خطاب الكراهية والتصدي له من الالتزامات الرئيسية في استراتيجية الأمم المتحدة وخطة عملها بشأن خطاب الكراهية، مع ذلك اعتبر السوريون في تركيا البيئة التعليمية في المرتبة الثانية كأكثر الأماكن تصديراً لخطاب الكراهية، وذلك بحسب نتائج استطلاع رأي إلكتروني أجراه موقع تلفزيون سوريا في منتصف العام الماضي، أتيحت فيه المشاركة لكلا الجنسين من السوريين المقيمين في مدينتي إسطنبول وغازي عنتاب –أكبر مدينتين من حيث تعداد السوريين في تركيا-.

وشمل الاستطلاع 162 مشاركاً من السوريين في تركيا (أكثر من 90 في المئة منهم من النساء) وسمح للمشاركين في الاستطلاع بتحديد أكثر من إجابة عند السؤال عن أكثر الأماكن التي يكونون فيها هم أو أفراد أسرتهم عرضة لخطاب الكراهية.

ووفقاً لنتائج الاستطلاع حدد ما يقارب ربع المشاركين البيئة التعليمية كأكثر الأماكن مصدراً لخطاب الكراهية.

1

 

الخطاب العنصري في ركن اللعب

انتقلت عدوى الخطاب السياسي العنصري بين الأطفال إلى الأماكن العامة فتسلل حتى إلى المطاعم وأركان اللعب، فيروي عبد الكريم ذو السنوات العشر لموقع تلفزيون سوريا ما حدث معه في أحد مطاعم السلاسل العالمية الشهيرة ويقول إنه ذهب مع أسرته وأقاربه لتناول وجبته المفضلة وكعادته يلعب مع أقاربه الأطفال في ركن اللعب إلى حين تحضير الوجبات ليتفاجأ بعصبة من الأطفال الأتراك الذين يمنعونهم من الدخول لأنهم سوريون.

يقول عبد الكريم إنه اشتكى لأحد الموظفين الذي طلب بدوره من الأطفال الآخرين التصرف بشكل لائق وأدخل عبد الكريم وأقاربه إلى ركن اللعب ليقوم الأطفال الأتراك بإخبارهم بأن جميع السوريين سيطردون من البلاد فور انتهاء الانتخابات.

ولم يتوقف تعرض الأطفال السوريين لهذا الخطاب على التماس مع المجتمع التركي في مدرسة أو مطعم ففي فترة الانتخابات كان يكفي للأطفال السوريين الذين تعلم معظمهم اللغة التركية قبل لغتهم الأم أن يمروا من أحد الشوارع الحاملة للافتات الحملات الانتخابية المتوعدة بترحيل السوريين ويقرؤوا الشعارات المنادية بالتخلص منهم ليفهموا بأنهم شريحة غير مرغوب فيها.

 

لافتة انتخابية للمرشح كمال كليجدار أوغلو تحمل عبارة السوريون سيرحلون - تويتر
لافتة انتخابية للمرشح كمال كليتشدار أوغلو تحمل عبارة السوريون سيرحلون - تويتر

وفقاً للاستطلاع تصدرت الأماكن العامة بالقائمة كأكثر الأماكن التي يتعرض فيها السوريون لخطاب الكراهية بعد أن حددها أكثر من 86 في المئة من المشاركين كأكثر الأماكن تصديراً لخطاب الكراهية.

اللجوء السوري ملف تتقاذفه جميع الأطراف

لم يقتصر استخدام ملف اللاجئين السوريين في الانتخابات التركية على الأطراف المعارضة فحتى الحزب الحاكم لم ينأ بهذا الملف عن المنافسة الانتخابية وتطرق بشكل متكرر إلى وعود مبطنة وأخرى صريحة بالتعامل بشكل أكثر صرامة مع ملف اللاجئين عموماً والسوريين خصوصاً ما دفع منبر منظمات المجتمع المدني إلى إصدار بيان يطالب فيه جميع الأطراف السياسية بعدم إقحام قضية اللاجئين السوريين في الصراعات السياسية التركية على اعتبارها قضية إنسانية بالدرجة الأولى.

1
بيان منبر منظمات المجتمع المدني المطالب بتحييد ملف اللاجئين عن المنافسة السياسية التركية

وفي ظل التخوف من الاستمرار بزج قضية اللاجئين السوريين في الصراعات السياسية التركية خاصة مع اقتراب الانتخابات المحلية تواصل موقع تلفزيون سوريا مع محمد أكتع رئيس منبر منظمات المجتمع المدني لمناقشة مساعي المنبر للتصدي لهذه الحالة.

وقال أكتع إن السياسيين وصناع القرار يستخدمون الخطاب العنصري المعادي المسيء للسوريين بأريحية بسبب مطالب المجتمع التركي الذي تحكمه حالة من رفض الوجود السوري في تركيا تترجَم إلى خطابات سياسية وإجراءات بيروقراطية تعسفية بحق السوريين لذلك من الضروري مكافحة الخطاب العنصري في المجتمع أولاً.

ويوضح أكتع أن المنبر يعمل بمسارين أساسيين للحد من هذا الخطاب ففي المسار الأول يسعى منبر منظمات المجتمع المدني إلى فتح قنوات تواصل مع مختلف الأحزاب السياسية التركية لتسليط الضوء على مساوئ استخدام الخطاب العنصري

فيقول أكتع إنه نتيجة التواصل مع الأحزاب المعارضة وجد المنبر أن معظم الإداريين في تلك الأحزاب لديهم موقف إيجابي من الملف السوري ولكن يبررون استخدام الخطاب المسيء للسوريين لحشد الأصوات.

ويتابع: "من هنا نجد أن تخفيف حالة الرفض في المجتمع ستقود إلى تخفيف الخطاب المسيء من قبل الجهات السياسية وهذا ما يستهدفه برنامج هارموني الذي أطلقه منبر منظمات المجتمع المدني".

ويتوجه هذا المشروع الإعلامي الناطق باللغة التركية إلى الشارع التركي ويخاطب الرأي العام التركي لتصحيح بعض المفاهيم الخاطئة المتعلقة بالسوريين ويسلط الضوء على أهمية وجود السوريين في تركيا وسلبية الخطاب العنصري المتزايد في تركيا وفقاً لما وضح أكتع.

الحملات الانتخابية متناقضة مع حقوق الإنسان

وفقاً للمادة 14 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يحق لكل فرد التماس ملجأ في بلدان أخرى والتمتُّع به خلاصًا من الاضطهاد، ومع غياب الأمان في بلادهم ودوام السبب الرئيسي للجوئهم تتنافى الوعود الانتخابية بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم مع المبادئ الإنسانية كما تتناقض مع مبدأ عدم التمييز الدي أشير إليه هو الآخر في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فتنص المادة الثانية من الإعلان على أنه "لا يجوز التمييزُ علي أساس الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي للبلد أو الإقليم الذي ينتمي إليه الشخص" ما يؤكد على حق الأطفال للسوريين العيش  في بيئة سليمة بكل مكوناتها السياسية والاجتماعية تكفل لهم بناء علاقات صحية لتتكون شخصياتهم بشكل سوي.

أُنتجت هذه المادة الصحفية بدعم من "JHR" صحفيون من أجل حقوق الإنسان.