icon
التغطية الحية

جيل من الأطفال السوريين يفقدون لغتهم الأم في تركيا

2023.06.05 | 05:41 دمشق

جيل من الأطفال السوريين يفقدون لغتهم الأم في تركيا
أطفال سوريون في مدرسة تركية ـ الأناضول
تلفزيون سوريا ـ بثينة الخليل
+A
حجم الخط
-A

الأطفال هم أول من يذوب من الشعب اللاجئ أو المهجر من وطنه في المجتمع المستقبل له، وأول وأخطر علامات الذوبان، نسيان الأطفال للغتهم الأم، أو عدم تعلمهم لها أصلاً. في حين تعتبر الأمم المتحدة "الإدماج المحلي" عملية معقدة وتدريجية ذات أبعاد قانونية واقتصادية واجتماعية وثقافية تفرض متطلبات كبيرة على الفرد والمجتمع المستضيف. وفي كثير من الحالات، يكون اكتساب جنسية بلد اللجوء ذروة هذه العملية. وبحسب تقديرات المفوضية، فإن 1.1 مليون لاجئ في جميع أنحاء العالم قد أصبحوا خلال العقد الماضي مواطنين في بلدان لجوئهم.

يواجه الأطفال السوريين الذين هجروا قسرا إلى تركيا، أو ولدوا فيها بعد العام 2011 مشكلة الجهل باللغة العربية، حيث كانت المشكلة صغيرة، لكنها ظلت تكبر مع استمرار المأساة السورية.

وكشف تقرير سابق صادر عن وزارة التربية التركية، أنه من أصل مليون و 124 ألف طفل سوري، يذهب 730 ألف طفل سوري إلى المدرسة، بينما 35 في المئة منهم محرومون من التعليم، أي ما يعادل 393 ألفاً و 547 طفلاً.

والعام الماضي قال وزير الداخلية السابق، سليمان صويلو إن 700 ألف طفل سوري ولد في تركيا منذ عام 2011. وتابع: "كما تعلمنا من شيوخنا، كل إنسان هو عالِم. وقد ولد في تركيا 700 ألف طفل من إخواننا السوريين. ولو أن رجب طيب أردوغان أدار ظهره لهم، فإن هؤلاء الـ700 ألف طفل، أي الـ700 ألف عالم، كانوا سيختفون".

ويبلغ عدد السوريين في تركيا نحو 3 ملايين و381 ألفًا و429 بحسب آخر الإحصائيات الرسمية التركية.

أطفال سوريون يتقنون العربية شفهياً

وصل المهجرون السوريون إلى بلد يتكلم لغة غريبة عليهم (التركية). أول ما فعلوه هو وضع أطفالهم في المدارس العامة التي تتكلم لغة البلاد، واضطر الأطفال لتعلم اللغة بسرعة كي يفهموا الدروس ويتعاملوا مع مدرسيهم وزملائهم، فتعلموا اللغة الجديدة بسرعة تفوق سرعة تعلم كبار أسرهم لها. وبدأ مستوى إتقان الأطفال السوريين للغة الجديدة يرتقي ويرتفع كل يوم، ومستوى إتقانهم للغتهم الأم (العربية)، يتراجع باستمرار، ويقتصر على الكلام الشفهي.

ثم ولد أطفال سوريون في المجتمع الجديد (تركيا)، لا يتكلمون لغتهم الأصلية إلا شفهياً، وفي البيت فقط. وباتت لغتهم الجديدة سليمة 100 في المئة، ولغتهم الأصلية ضعيفة، أو معدومة كلياً، وخاصة منهم المولودون من أمهات تركيات.

ولأن اللغة أكثر من مجرد وسيلة للتواصل، إنها الجزء الأهم من هوية الإنسان وانتمائه، فإن تراجع إتقان الأطفال السوريين في تركيا للغة العربية، أدى لسلسلة من المشكلات الاجتماعية، بين الأطفال وأسرهم، وبين الأطفال ووطنهم الأم وأبناء وطنهم الأم من المهجرين، وحتى بينهم وبين مجتمعهم الجديد.

جهود كبيرة تبذل للحفاظ على إتقان الأطفال السوريين في تركيا للغة العربية، لكنها جهود تواجه بالعديد من العقبات، أولها تدني المستوى المعيشي لأهالي الأطفال. فأبناء السوريين ليسوا مثل أبناء الدبلوماسيين (تفتح لهم مدارس خاصة بلغاتهم الأصلية، أو يخصص لهم مدرسون خصوصيون لتعليمهم لغتهم)، إنهم في غالبيتهم الساحقة عمال وفلاحون ينالون الحد الأدنى من الأجور، ولا قدرة لهم على إرسال أطفالهم لمدارس خاصة عربية، ولا إعطائهم دروساً خصوصية، أو دورات باللغة العربية.

كثير من الأمهات السوريات والمقيمات في تركيا يشعرن بالحسرة لأن أطفالهن يعجزون عن قراءة لغتهم الأم، ويشعرون بأنهم مهما حاولوا تعليمهم ستبقى هذه الثغرة نقطة ضعف سترافقهم على الدوام.

تقول اللاجئة السورية نجاح العبد لموقع تلفزيون سوريا: "لي طفلتان توأم كانتا بعمر 10 سنوات عندما وصلنا لتركيا.. تعلمتعا 4 سنوات في المدارس السورية قبل خروجنا، ولذلك حافظتا نوعا ما على لغتهما العربية بعد وصولنا إلى تركيا. ولكن طفلي الأصغر والذي لم يكمل عامه الثالث حين خرجنا من وطننا، بدأ وعيه هنا ولا يعرف أي شيء عن سوريا ولغتها إلا ما يسمعه من أحاديثنا. عمره الآن 12 عاماً، قضى منهم 9 سنوات في تركيا، هو في الصف الخامس، وهو من أفضل الطلاب متابعة وتفوقا واندماجا مع الأتراك وإتقانا للغة التركية. ويحز في نفسي أنه لم يتعلم اللغة العربية لا قراءة ولا كتابة. دوامه في المدرسة التركية طويل، ولذلك خفنا إن أضفنا لهذا الدوام دروساً أو دورات باللغة العربية، أن يعجز عن تعلم لغتين معاً".

عدم الاستقرار يؤثر على تعلم العربية

ومن أسباب عدم قدرة كثير من أطفال السوريين في تركيا على القراءة والكتابة بالغة العربية، عدم الاستقرار المزمن، الذي رافقهم طوال سنين، وجعل كثير منهم أميين، لا يقرؤون ولا يكتبون لا لغتهم الأم، ولا أي لغة.

فتنقل السوريين المستمر من مخيم إلى آخر، ومن مدينة لأخرى، والوضع القانوني المضطرب لكثير منهم، والتفكير الدائم بالهجرة لأوروبا، كل ذلك أدى إلى اضطراب تعليم مئات ألوف الأطفال السوريين، أو توقفه كلياً.

تقول اللاجئة  "أم علي" (طلبت عدم ذكر اسمها كاملا) : "عندما أتينا إلى تركيا كان عمر طفلتي 8 سنوات وكنا في مخيم  فيران شهير، عندما وعيت وضعتها في دورة أولى،انتقلنا بعدها إلى مخيم آخر في نصيبين، فوضعت لها معلمة علمتها 30 يوما، بعدها انتقلنا إلى مخيم ثالث ولم تتعلم فيه إلا القليل من الأحرف ولم تكمل تعليمها".

بالمقابل، يسيطر هاجس العودة إلى سوريا على السيدة أم وضاح، وتقول إنها  قلقة بشأن مستقبل أطفالها "كيف سيعودون إلى بلدهم سوريا ولا يعرفون حرفا عربيا واحدا".

وتضيف: "لدي طفل عمره 10 سنوات وآخر عمره 12 سنة أحدهم لا يعرف قراءة العربية، والآخر يتعلم بعض الأحرف من الهاتف المحمول، وحفاظا على لغتهم سجلتهم في دورة لتعلم القرآن الكريم لكنهم لم يتابعوها لأن الدوام ليلي ولم أستطيع أن أوفق بينهم".

وأكثر ما يوجع الأهل، نفور بعض الأطفال السوريين الموجودين في تركيا من اللغة العربية، التي باتت بالنسبة لهم لغة أجنبية، غريبة. تقول السيدة إيمان،  وهي أم لطفلين لا يعرفان اللغة العربية :"أولادي لا يتقبلون العربي ولا بأي شكل كان. لا يعرفون القراءة ولا الكتابة، علما بأنني وضعتهم في دورة لتعلم القرآن الكريم".

اللغة العربية "عبء دراسي" على الأطفال السوريين

ولعل من أسباب نفور أطفال سوريين من اللغة العربية، إضافة لكونها عبئاً دراسيا إضافياً، ظواهر التنمر والعنصرية وكراهية الأجانب والخطابات واللافتات السياسية المعادية للاجئين التي انتشرت مؤخرا. فالرد الطبيعي بالنسبة لكثير من الأطفال السوريين على هذه الظواهر المرعبة، هو الذوبان التام في المجتمع التركي، وإتقان اللغة التركية، والابتعاد عن كل ما يظهر اختلافهم عن زملائهم وجيرانهم الأتراك، وكل ما يؤكد أنهم غرباء ولاجئون، وفي مقدمته اللغة العربية.

وتعرضت جهود السوريين لتعليم أطفالهم اللغة العربية لضربة موجعة بإغلاق مراكز التعليم السورية المؤقتة عام 2017 واتباع سياسة دمج التلاميذ السوريين في المجتمع التركي.

تقول المدرّسة السورية زاهرة محمد، لموقع تلفزيون سوريا "مشكلة ضياع اللغة العربية بدأت مع طلاب الصفوف الأول والثاني والثالث، بعد إلغاء مراكز التعليم السورية المؤقتة، هنا بدأت تتفاقم المشكلة وهي إدماج الأطفال السوريين مع الأتراك ليفقدوا تدريجيا لغتهم العربية. وهكذا وإضافة للتنمر والتمييز، جاءت سياسات الإدماج وإغلاق المدارس السورية، لتكمل سلسلة من الأسباب التي تدفع الأطفال السوريين للابتعاد عن لغتهم الأم.  حتى بعض الأهالي الذين حاولو أن ينقذوا لغة أطفالهم بإلحاقهم بدورات القرآن الكريم، كانت خطوتهم غير مجدية، فالأطفال حفظوا القرآن دون فهم معانيه ومصطلحاته العربية".

ونظراً لضخامة عدد الأطفال السوريين المحتاجين لتعلم اللغة العربية، وتزايد العدد بصورة مستمرة، بالهجرة الجديدة وبالولادة، ونظراً لانتشار السوريين في عشرات الدول، التي تتحدث عشرات اللغات الأجنبية المختلفة، فإن مؤسسات المجتمع المدني السوري تبدو عاجزة عن إيجاد الحلول، وتبدو الأسرة السورية هي المعول عليها أساساً للقيام بهذه المهمة.

ما مسؤولية الأسرة السورية في تركيا؟

يقول الدكتور عبد الحق الهواس لموقع تلفزيون سوريا : "الأسرة هي المسؤولة، وبيدها الحل، أولاً من لديه فيها ولو حظ يسير من اللغة، يعلم من ليس لديه، ثانيا، حث الأولاد على التحدث بلغتهم الأم داخل البيت، ثالثاً أن تختار الأسرة مؤلفات وكتبا عربية خفيفة تناسب عمر أبنائها، من الشعر والأناشيد والقصص، ليمارس الأبناء القراءة باللغة العربية بشكل صحيح وينمو عندهم حب القراءة".

وإلى جانب الأسرة ينصح الهواس المنظمات والجمعيات الإنسانية بالبحث عن أساليب تعليم غير مكلفه مثل "الدورات عبر الإنترنت وبرامج التلفزيون ووسائل التواصل  الاجتماعي.  لقد صرنا اليوم أمام الجيل الثاني من مهجرينا، فإذا فقدناه فنحن أمام مصيبة كبرى". كما يقول.