icon
التغطية الحية

اعتقال أعضاء في منظمة باللاذقية يفتح أبواباً مغلقة على الجمعيات الخيرية

2023.12.31 | 05:57 دمشق

اعتقال أعضاء في منظمة باللاذقية يفتح أبواباً مغلقة على الجمعيات الخيرية
اعتقال أعضاء في منظمة باللاذقية يفتح أبواباً مغلقة على الجمعيات الخيرية
تلفزيون سوريا - خاص
+A
حجم الخط
-A

يعيش قسم كبير من السوريين على المساعدات الإنسانية التي تقدمها المنظمات الدولية والمحلية والحكومية، ورغم توقف الإمدادات الخارجية لمنظمات المجتمع المدني بما يخص الإغاثة، إلا أن عدداً كبيراً من الأسر يعتمد بشكلٍ كبير على المساعدات التي ما زالت مستمرة ولو بشكل قليل من قبل منظمات تعمل لليوم في مجال الإغاثة.

ويعتمد قرابة 14 مليون سوري على السلة الغذائية المقدمة من برنامج الأغذية العالمي، وفقاً لتقرير صادر عن البرنامج خلال العام الماضي 2022، إلى جانب وجود 90 في المئة من السوريين تحت خط الفقر، يعاني 60 في المئة منهم من انعدام الأمن الغذائي.

"فساد وسرقة للسلل الغذائية"

اعتاد السوريون على أحاديث وإشاعات والتقارير التي تتحدث عن سرقات المنظمات وحكومة النظام السوري، للمساعدات وللسلل الغذائية وما إلى ذلك، ولكن ما أعاد هذه السرقات للأذهان هو اعتقال بعض أفراد منظمة (أسرة الإخاء السورية) منذ قرابة 3 أشهر.

والمنظمة المذكورة هي منظمة تعنى بذوي الاحتياجات الخاصة، ولكن منذ اندلاع فتيل الحرب في سوريا ونزوح عدد كبير من السوريين إلى اللاذقية، بدأت هذه الجمعية تغير نشاطها من جمعية تهتم بذوي الاحتياجات الخاصة وتقدم لهم الرعاية والخدمات لجمعية تقدم سللاً غذائية وورشات دعم نفسي ودورات تمكين للنساء حتى أصبحت تقدم أخيراً خدمات طبية.

"مازن" (طلب عدم ذكر اسمه كاملا)، شاب عمل لفترة جيدة مع "أسرة الإخاء السورية" ونشط فيها؛ يستغرب التفرع الذي وصلته إليه هذه الجمعية، ويجد أن هنالك عدم وضوح في مجال عملهم، خاصة كميات السلل الغذائية التي استطاعت هذه الجمعية تقديمها للمتضررين والمهجرين، ونشطت بشكل كبير عقب زلزال شباط المدمر، ولكن الفضيحة الكبرى حسب مازن كانت أن السلل الكثيرة التي وزعتها هذه الجمعية يقف وراءها سرقات أكبر بكثير، حيث تحصل هذه الجمعية وبمعرفة حكومة النظام السوري على عدد محدد من السلل الغذائية وينبغي عليها توزيعها لعدد محدد من الأسر السورية وفق لوائح اسمية وثبوتيات قيود عائلية، ولكن تبين أن هنالك قوائم تقدمها هذه الجمعية تفيد بأن المستفيدين حصلوا على عدة مساعدات، في حين أنهم لم يحصلوا إلا على مساعدة واحدة، ما يعني عدم وصول المساعدات لمستحقيها.

ويوضح مازن لموقع تلفزيون سوريا، "أن تقدم أسماء وهمية هو أمر صعب، ولكن السهل أن تقدم أسماء حقيقية وتوزع لهم معونة لمرة واحدة، ولكن تقدم ثبوتيات على أنك قدمت لهم المعونة عدة مرات، ويبدو أن من وشى بأعضاء الجمعية هو شخص من الجمعية نفسها".

ويؤكد مازن أن هنالك أساليب وطرقا كثيرة للسرقة ولكن هذه الطريقة هي التي كشفت ووضعت أصحابها حالياً في السجن.

"موزاييك".. تحالف رجال الدين والأمن

لن يذكر اسم جمعية إغاثية في اللاذقية من دون أن يذكر اسم موزاييك قبل أي اسم؛ حتى قبل الهلال الأحمر السوري، وموزاييك هي جمعية اجتماعية، حصلت على ترخيص من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل وبموجب الترخيص تنظم وتدعم مشاريع تنموية وتعليمية وتقدم معونات إغاثية شهرية على مرأى ومسمع من حكومة النظام وبدعم منها أيضاً.

بدأت هذه الجمعية بتجمع صغير لعدة أشخاص مع بداية صيف عام 2011 مترافقة مع بداية موجات النزوح إلى الساحل السوري، وكان عملها حينئذ مقتصراً على توزيع بعض السلل الغذائية عن طريق الهلال الأحمر السوري، ورغم خطورة العمل في مجال الإغاثة وقتها إلا أن مؤسسة هذه الجمعية (أميمة حميدوش) استطاعت أن تحظى بمساعدة رجل دين ليدعمها ويحميها وقتها مقابل تقديمها سللاً غذائية لأسر شهداء النظام والرجل كان (موفق غزال).

لاحقا كبرت هذه الجمعية، واستطاعت "حميدوش" الترخيص بشكل نظامي بمساعدة موفق غزال وعدد من رجالات الأمن والتجار في اللاذقية، وبذلك حظيت بغطاء قانوني يحميها من أي مساءلة أمنية، وفي الوقت نفسه استطاعت أن تضمن حصولها على تمويل متعدد من دون اضطرارها إلى الكشف عن مصادرها.

حالياً تعمل "حميدوش" بقوة كبيرة وتعد أهم جمعية في سوريا فقد أنشأت مكاتب لـ"موزاييك" في عدة مدن سورية واستطاعت خلال فترة الزلزال نفسها أن تجمع تبرعات ضخمة وألا تتعرض لأي محاسبة عن كيفية صرف التبرعات بل حتى إنها استثمرتها في مشاريع الجمعية، فحسب "ربيع" متطوع سابق في موزاييك؛ (طلب عدم ذكر اسمه كاملا)، فقد حصلت هذه الجمعية على مقر خلال فترة الزلزال كتبرع من أحد الأشخاص، ولكن الجمعية استغلت المقر واستخدمته كمكان لتنفيذ أحد مشاريعها التعليمية، وبذلك وفرت على نفسها دفع تكاليف المقر وفي نفس الوقت وضعت في ميزانيتها تكاليف مقر أي تكاليف على الورق فقط.

ويقول "ربيع" إنها ليست الطريقة الوحيدة التي يتم فيها هدر الأموال، فأجور نقل الموظفين وتعويض اتصالاتهم وما إلى ذلك أحياناً لا تعوضه الجمعية.

مشروع طبي مع "هوازن مخلوف"

في آخر ثلاثة أشهر من العام الحالي، بدأت "موزاييك" مشروعا طبيا بالتعاقد مع عدة أطباء في اللاذقية، والمشروع يتضمن تقديم خدمات طبية مجانية للمرضى كمعاينات وعمليات طبية، ومن بين الأطباء المتعاقدين مع هذه الجمعية كان "هوازن مخلوف" مدير صحة اللاذقية الحالي، حيث تم الاتفاق بينه وبين الجمعية على القيام بعمليات في مشفى التوليد والأطفال سواء عمليات نسائية يقوم بها مدير المشفى أو عمليات تنظيرية وجراحة عامة يقوم بها مخلوف وتتكفل الجمعية بأجرة وتكاليف العمل الجراحي كاملاً.

ويقول "إدريس" لموقع تلفزيون سوريا (طبيب عمل سابقاً في مجال الجمعيات الإغاثية وخاصة فيما يتعلق بالشق الطبي)، "بالتأكيد هناك فواتير مزورة لأن مشافي الدولة لا تعطي فواتير بمبالغ كبيرة خاصة وأن الأقسام المأجورة في مشافي الدولة أسعارها زهيدة، ولن يقبل مخلوف وغيره العمل مجانا".

ويتابع "يوجد اتفاق ضمني بين جمعية موزاييك ومخلوف وشركائه بخصوص العمليات التي تجرى على حساب موزاييك، والجهة التي ستمول هذا المشروع تطلب فواتير نظامية كتوثيق لصرف التمويل كما كل الجهات المانحة".

ولكن بحسب إدريس يبدو أن هنالك تنسيقاً بين (مخلوف مدير الصحة وحميدوش مديرة جمعية موزاييك) وخاصة أن شقيقة الأخيرة كانت تشغل منصب نائبة مخلوف لفترة جيدة من الزمن، وكل التجاوزات والتراخيص التي احتاجتها (موزاييك) لإنشاء مراكزها الصحية كانت بدعم وموافقة من مخلوف نفسه، وبدعم قوي من "موفق غزال" الشخصية الدينية ذات السلطة القوية في اللاذقية.

وحالياً ورغم كل السلطة والانتشار الذي تملكه جمعية موزاييك وكل الأقاويل عن كونها واجهة لجهات متعددة وأنها مدعومة من أسماء الأسد إلا أن كثيرين يتجنبون العمل معها لسوء تعاملها مع الموظفين وانتهاجها نهجاً "سيئاً ودكتاتورياً وغير منظم".

الجمعيات الإغاثية في اللاذقية تحت سلطة "المافيات"

"أنت في اللاذقية إذا أنت تعيش بين المافيات.. وللأسف هذه الحقيقة المرة" هذه الكلمات التي تقولها نسرين بحرقة قلب، لتصف ما تعانيه وغيرها ممن يعملون في مجال العمل الإغاثي والمجتمع المدني في اللاذقية.

ونسرين عاملة قديمة في منظمات المجتمع المدني ولها باع طويل وخبرة جيدة في مجالات العمل التنموي، ورغم كل الصعوبات التي واجهتها منذ بداية الحرب إلا أنها وجدت أن العام الحالي كان الأسوأ عليها في مجال عملها.

حاولت نسرين قدر الإمكان الابتعاد عن أي مضايقات في مجال عملها، والتزام الحياد قدر الإمكان خلال مساعدتها لكل فئات الشعب وخاصة خلال الفترة التي تلت زلزال شباط المدمر. لكن للأسف الجمعيات الإغاثية والتي تتبع في توجهاتها حكومة النظام السوري ضغطت بكل ثقلها كي تكون المساعدات متحيزة وموجهة حسب رغباتها وحسب مصالحها، تقول لموقع تلفزيون سوريا.

وتتابع "مقدم الخدمة الاجتماعية ينبغي أن يكون حيادياً وغير منحازٍ لأي صف أو جهة سياسية، إلا في اللاذقية تحديداً أنت مجبر للحفاظ على سلامتك الشخصية أن تنحاز كما تريد لك حكومة النظام".

أسماء الأسد والسيطرة على العمل الإنساني

يذكر أن تقريراً للشبكة السورية لحقوق الإنسان بعنوان "الهلال الأحمر السوري والأمانة السورية للتنمية أدوات النظام السوري في نهب المساعدات الإنسانية"، ذكرت فيه أن بشار الأسد تبنى منذ استلامه الحكم عام 2000 العديد من المنظمات غير الحكومية الناشئة، وعزز عمل المنظمات غير الحكومية التي تتلقى دعماً دولياً مستداماً مثل "الهلال الأحمر السوري"، لكنه بالتوازي فرض سيطرة حكومية على هذه المنظمات، من خلال التحكم بتعيين الإداريين فيها وإبقائها تحت سيطرة الحكومة، فقد لاحظ أنها مصدر دخل مادي مهم للنظام السوري، فحاول الاستفادة منها، عوضاً عن قمعها كما فعل والده.

وأضاف التقرير الذي نشر الخميس الماضي، أن زوجة رئيس النظام أسماء الأسد أسست عدة مبادرات ومشاريع مجتمعية، دمجتها لاحقاً تحت لواء منظمة "الأمانة السورية للتنمية".

وذكرت الشبكة أن النظام السوري استخدم منظمتي الهلال الأحمر السوري والأمانة السورية للتنمية بهدف السيطرة على العمل الإغاثي، فقد أصبحتا بمنزلة "قوة ناعمة" تساعد النظام على تحقيق أهدافه، وبوابة للاستيلاء على أموال المانحين واحتكار الدعم الدولي، إذ فرضهما النظام على وكالات الأمم المتحدة والدول المانحة ليكونا البوابة التي تتدفق من خلالها أموال المشاريع الإغاثية والتنموية.