icon
التغطية الحية

احتمال النجاة "ضئيل جداً".. ما قصة تكديس أكياس الدم في مشفى التوليد بدمشق؟

2024.03.14 | 11:05 دمشق

طفل مريض بالسرطان يجلس على سريره في مشفى الأطفال بدمشق - 7 آذار 2022 (AP)
طفل مريض بالسرطان يجلس على سريره في مشفى الأطفال بدمشق - 7 من آذار 2022 (AP)
دمشق - حنين عمران
+A
حجم الخط
-A

لا يمتلك معظم السوريين من الفقراء أو المعدمين، القدرة المادية التي تسمح لهم بـ "الرفاهية العلاجية" في مستشفيات خاصة ومراكز علاجية متخصصة؛ الأمر الذي يدفعهم إلى اللجوء للمستشفيات العامة سواء  تلك التابعة لوزارة الصحة في حكومة النظام كمشفى المجتهد أو التابعة لوزارة التعليم العالي كمشفى الأسد الجامعي.

لا تبدو فكرة "العلاج المجاني" في المستشفيات الحكومية ورديةً كما يظن البعض، وليست شكلاً من أشكال التأمين الصحي بقدر ما هي "مخاطرة" تنطوي على احتمالات الموت بخطأ طبي أو تحويل المريض "لفأر تجارب" في مقابل الاحتمالات القليلة للنجاة والسلامة.

استطاع موقع تلفزيون سوريا تقصي بعض الحالات المرضية في مشفى التوليد راصداً الطلبات التعجيزية للأطباء فيه، والوضع المأساوي للمرضى من الأطفال في مشفى الأطفال بدمشق؛ بالحصول على شهادات موثقة من مصدر طبي داخل المشفى.

مالغاية من تكديس أكياس الدم؟

يطلب الأطباء المقيمون (طلاب السنوات الأخيرة من الاختصاص) في مشفى التوليد بدمشق، بتوجيه من إدارة المشفى من المرضى الذين يجرون عمليات داخل المشفى، وبشكل ثابت ومتكرر ثلاثة أكياس من الدم يتم إحضارها من بنك الدم في منطقة المزة.

السيدة (رزان.ح) تحدثت لموقع تلفزيون سوريا عن معاناتها خلال عملية الولادة التي أجرتها في مشفى التوليد الحكومي نظراً لارتفاع تكاليف الولادة والتي وصلت في المستشفيات الخاصة مثل مشفى الرشيد الكائن في منطقة باب مصلى إلى ما يقارب الـ 4 ملايين ليرة سورية، وهو رقم لا يستطيع معظم الناس تأمينه.

تقول رزان: "خلال عملية الولادة وأنا ما أزال في غرفة العمليات، طلب الطبيب من زوجي إحضار ثلاثة أكياس من الدم من بنك الدم في المزة، ليتبين لاحقاً أنني لست بحاجة إلا لكيس واحد، وأن أكياس الدم موجودة أصلاً في بنك الدم داخل مشفى التوليد ولا داعي لإحضارها من بنك آخر!".

بنك الدم يرفض منح الأكياس دون بديل

أوضحت رزان أن بنك الدم في المزة رفض إعطاء زوجها (م.ن) أكياس الدم المطلوبة، دون وجود متبرع بالدم عن كل كيس مأخوذ.

وهنا بدأت معاناته لكونه كان خائفاً على حياة زوجته؛ الأمر الذي فاقم التوتر وأدى به إلى افتعال مشكلات مع موظفي بنك الدم، قبل تأمين "واسطة" للحصول على الأكياس المطلوبة.

واستطاع زوجها تأمين واسطة من داخل المخبر في بنك الدم بمساعدة صديقه الطبيب في مشفى المواساة، للحصول على كيسين من الدم فقط دون إحضار متبرعين نظراً لضيق الوقت والحالة المستعجلة لزوجته.

ويأتي الرفض من جهة بنك الدم وفق شهادة المخبري آنف الذكر (اشترط عدم ذكر اسمه)، خوفاً من نقص كميات الدم الخاصة ببعض الزمر الدموية؛ الأمر الذي يحتّم وجود متبرعين لتعويض المأخوذ بحسب قوله.

وعلى الرغم من حملات التبرع الدائمة التي تقيمها المنظمات التابعة لحزب البعث مثل اتحاد شبيبة الثورة، أو اتحاد الطلبة في دمشق، وحتى الحملات التي تقيمها مؤسسات تابعة للنظام وأخرى خاصة وتفرضها على الموظفين والمتطوعين، إلا أن ذلك لم يثنهم عن طلب المزيد من دماء السوريين من خلال اشتراط "إحضار متبرع" مقابل كل كيس دم مأخوذ.

   (متبرعو اتحاد شبيبة الثورة)

كما تمّ إلزام الطلاب الجامعيين بالتبرع بالدم كشرط أساسي للحصول على وثيقة التخرج أو حتى للتسجيل في الجامعة أو عند تقديم طلب للحصول على بعض الوثائق الجامعية مثل كشف العلامات والتسلسل الدراسي وغير ذلك.

الجدير بالذكر أن بنك الدم يتقاضى مبلغ 40 ألف ليرة سورية وهي "رسوم إجراء الفحص" عن كل كيس دم يأخذه المريض.

يُعلّق زوج رزان ساخراً على الموقف الصعب الذي مرّت به زوجته أثناء ولادتها: "يمتصون دم الشعب حقيقةً ومجازاً!".

تهويل وضع المرضى

بعد تأمين كيسين من الدم لرزان، تبيّن أنها لا تحتاج إلى أكثر من كيس واحد، وهو أمر متكرر مع النساء الوالدات في المشفى الحكومي؛ إذ يتم طلب ثلاثة أكياس بشكل ثابت من كل امرأة رغم عدم حاجة الكثير منهن إلى أكثر من كيس واحد.

وبتقصي حقيقة الأمر، أوضح مصدر طبي من داخل مشفى التوليد لموقع تلفزيون سوريا، وهو طبيب مُقيم باختصاص نسائية (طلب عدم ذكر اسمه)، أنَّ طلب عدد إضافي من الأكياس يأتي بسبب خوف إدارة مشفى التوليد من نقص كميات الدم في بنك الدم التابع للمشفى نفسه والكائن في الطابق الأرضي منه، وبحجة أن بعض فئات الدم مثل A+ "عليها طلب" –بحسب قولهم- أكثر من غيرها.

(بنك الدم "مصرف الدم" التابع لمشفى التوليد)

يقول المصدر: "الفائض من أكياس الدم التي يحضرها مرافقو المرضى تعود لبنك دم مشفى التوليد، علماً بوجود كميات كافية في هذا البنك، ورغم ذلك يتم في كل مرة تحويل مرافق المريض خارجياً إلى بنك الدم في المزة لإحضار أكياس قد لا تحتاجها المريضة أصلاً، ونظراً لخوف المرافقين على حياة مريضتهم وبسبب توصيات الأطباء وتهويل حالتها المرضية، يحضرون الأكياس مباشرةً وإن اضطرهم الأمر إلى دفع رشوة أو تأمين واسطة أو إحضار متبرعين من الشارع!".

الجدير بالذكر، أن طلب أكياس الدم يتم في أثناء إجراء العملية  "لا قبلها ولا بعدها" وفق قول الطبيب آنف الذكر، وذلك كوسيلة ضغط على مرافقي المريضة أو الوالدة، ولإجبارهم على إحضار أكياس الدم بدافع الخوف على حياتها!.

وبعد كشف شبكة للإتجار بالأعضاء البشرية في دمشق وبتورط أطباء وممرضين، يتداول بعض المعنيين بالمجال الطبي أخباراً وتساؤلات حول إذا ما كانت أكياس الدم أيضاً، قد أصبحت من سلع السوق السوداء "تجارة الدم" إلى جانب الإتجار بالأعضاء البشرية في مناطق سيطرة النظام وضمن مستشفياته "المجانية".

مشفى الأطفال: بؤرة للقذارة والإهمال

يشتكي المراجعون لمشفى الأطفال من سوء الاهتمام بالطفل المريض ومعاملة الطاقم الطبي الجافة للطفل وذويه على حدٍّ سواء، إلى جانب انعدام نظافة الممرضات وتكدّس الأطفال في الغرف دون وجود أسرّة لبعضهم.

أما العنوان العريض للمشفى فهو "القذارة"؛ إذ أوضح طبيب مقيم من داخل قسم الأشعة في المشفى (مشترطاً عدم ذكر اسمه) أنه يتم تنظيف الممرات بمياه الحمامات المتسخة، إلى جانب طوفان المصارف الصحية بين الحين والآخر ما يعني انتشار الروائح الكريهة وانتقال الأمراض.

ويعاني المشفى من نقص المستلزمات الطبية اللازمة للعلاج مثل الإبر وقفازات الفحص والكمامات والقطن والكحول وعبوات التحاليل؛ التي يُطلب من الأهالي في كل مرة شراؤها من الخارج.

يقول الطبيب: "يأتي الأهل عادةً لعلاج أبنائهم بأقل التكاليف نظراً لسوء أحوالهم المادية، فيبدأ الأطباء المقيمون بطلب مستلزمات الفحص لا مستلزمات العلاج فقط؛ نظراً لكون إدارة المشفى عاجزة عن تأمين حتى أدوات الفحص للأطباء".

كما أوضح أن المشفى يعاني من قِدَم الأسرّة والفرشات المخصصة للمرضى وعدم تنظيفها أو غسلها بصورة دورية أو حتى تغيير الشراشف بعد تخريج المريض؛ الأمر الذي أدى إلى انتشار "بق الفراش" والإصابات الجلدية بين الأطفال والأطباء المقيمين -على حدّ سواء- نتيجة الإهمال وانعدام النظافة والتعقيم.

استطاع موقع تلفزيون سوريا الحصول على شهادة إحدى الأمهات التي أرادت إجراء "طبقي محوري" لابنها في مشفى الأطفال، بعد سقوطه وتعرض رأسه للنزف، تقول (أم سامر): "أسعفنا الطفل مساءً لكننا تفاجأنا بعدم استقباله في مشفى الأطفال، وقد اضطررنا إلى إجراء الطبقي المحوري في اليوم التالي في مشفى القلب لأن جهاز الطبقي المحوري في مشفى الأطفال مُعطَّل بحسب قولهم".

وبسؤال الطبيب المقيم –آنف الذكر- في مشفى الأطفال، أوضح لنا عدم وجود قسم إسعاف جراحي في مشفى الأطفال، إنما يتم تحويل جميع الحالات الإسعافية للأطفال إلى مشفى المواساة، الذي يعاني بصورة دائمة من عدم وجود "سرير فحص" فارغ نتيجة ازدحام المرضى؛ ما يعني أن الطفل قد لا يجد من يقوم بفحصه وإسعافه في المواساة أيضاً.

وعن خطورة إبقاء الطفل لليوم التالي دون إجراء طبقي محوري؛ أوضح الطبيب أن ذلك قد يؤدي في بعض الحالات إلى موت الطفل نتيجة وجود نزيف دماغي غير مُشخص بسبب عدم إتمام الفحوصات اللازمة له، إلا "ما رحم ربي" بحسب تعبيره.

أما عن الطبقي المحوري في مشفى المواساة، فهو لا يعمل إلا بوجود واسطة "ثقيلة" من داخل المشفى أو بالانتظار لأشهر "على الدور"، لذا يتم تحويل المرضى عادةً إلى مشفى جراحة القلب الجامعي في المزة، والذي بطبيعة الحال يحتاج إلى انتظار أيضاً.

بينما لا يزال الطبقي المحوري في مشفى الأطفال مُعطلاً منذ أكثر من أربع سنوات وتتحجج إدارة المشفى بانتظار الشركة الألمانية المصنِّعة لإصلاحه!.

يقول الطبيب آنف الذكر واصفاً الحال في مشفى الأطفال: "يتراوح عدد الأطفال في الغرفة الواحدة بين 5- 6 أطفال في كثير من الأقسام، فضلاً عن كون الغرف سيئة التهوية ومعدومة التعقيم والنظافة بشكل كامل، وقد يؤدي إهمال إجراء الفحوصات اللازمة لبعض الأطفال إلى تفاقم حالاتهم المرضية، إلى جانب تعرضهم لاختلاطات وعدوى ناتجة عن القذارة؛ كإصابتهم بحالات الإسهال والأمراض الجلدية والإنتانات البولية... فيدخل الطفل بمرض واحد إلى المشفى الأشبه بالمسلخ البشري، ويخرج منه بعدة أمراض!".

الجدير بالذكر أن عدداً كبيراً من الأهالي اضطروا إلى الاستدانة من أجل نقل أطفالهم من مشفى الأطفال إلى أحد المستشفيات الخاصة بعد أن تحولت الحالة المرضية القابلة للعلاج إلى مأساة حقيقية للطفل وذويه.

كما أن مؤسسات النظام المعنية بالطفولة لا تتوانى في إلقاء اللوم على الحرب ونتائجها لتبرير عجزها وفساد مسؤوليها، بدءاً من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وليس انتهاءً بجمعية حقوق الطفل ودور رعاية الأيتام ومستشفيات الأطفال الحكومية.

وفي تصريحات سابقة لرئيس شعبة الإسعاف في مشفى الأطفال بدمشق (جابر محمود)، أوضح أن هناك ازدياداً في حالات سوء التغذية بين الأطفال بنسبة 20% ما يعرض بعضهم للموت في أكثر من نصف الحالات إذا لم تعالج الحالة في مراحلها الأولى.