أنفا بوتين والأسد الطويلان

2023.07.27 | 06:27 دمشق

آخر تحديث: 27.07.2023 | 06:27 دمشق

أنفا بوتين والأسد الطويلين
+A
حجم الخط
-A

يتذكر متابعو الأخبار كيف لجأت السلطات الأوكرانية في الأيام الأولى للعدوان الروسي ضد أراضيها إلى تضخيم أعداد القتلى الروس نحو أرقام غير منطقية، أثارت حفيظة وسائل الإعلام العالمية، التي كان مراسلوها على الأرض يخبرون الجمهور بالتقدم السريع للقوات المهاجمة في غير منطقة أوكرانية!

من المفهوم أن يمارس الإعلام الحربي للدولة التي تتعرض للاعتداء مثل هذه الممارسات في ظل الواقع المضطرب لمجريات المعارك، ومن المتوقع أيضاً ألا نصدق أخباره وتقاريره حتى وإن كنا نتعاطف مع بلاده، وفي لحظة ما يصبح من الواجب نفي المبالغات الفاقعة، ومطالبة الصحافة الالتزام بالقواعد المهنية، والتي تأتي المصداقية على رأسها.

ولكن، لماذا لا نشعر بضرورة أن نطبق القواعد ذاتها في المقابل على الإعلام الحربي الروسي؟

هنا يجب أن نحيّد مشاعرنا، ونحن نفكر بالأسباب التي تجعلنا نلغي من مسارات تفكيرنا الجانب الآخر، ففي المسائل المهنية لا مجال للتعاطف أو التحامل، لكن ماذا نفعل إن كانت الصورة السائدة عن الصحفيين الروس الذين يؤدون واجبهم في المؤسسات الرسمية تميل إلى وصمهم جميعاً بالكذب والتفنن بصناعة البروباغاندا؟

شهدنا في سوريا ومنذ بداية الثورة السورية أفانين للصحافة الروسية التي جاءت لتنقل أخبار ما يجري في البداية، لكنها صارت ظهيراً إضافياً لإعلام النظام والممانعة، وفي مرحلة لاحقة بدأت مع التدخل العسكري الروسي رسمياً تطابقت الأدوات الإعلامية للجهتين حتى صارتا كتلة واحدة لا يفرق بينهما أي شيء.

هل سيقوم أحد ما من الجمهور بجمع الأعداد التي تذكرها وكالة سانا في مزاوداتها ليعرف محصلة حجم الخسائر البشرية التي تتحدث عنها لدى الأوكرانيين؟!

وكالة سانا التابعة للنظام على سبيل المثال، باتت تنسخ أخبار وكالة سبوتنيك، وكأنها أخبارها! لا بل إنها تزيد فيها وتطنب! وعلى سبيل المثال، يمكن للقارئ أن يرى الصور المرفقة والتي تم جمعها خلال الفترة الماضية من سياق العواجل التي تبثها الوكالة للجمهور السوري، والتي تبلغه بأن الجيش الأوكراني يتكبد مئات القتلى يومياً!

هل سيقوم أحد ما من الجمهور بجمع الأعداد التي تذكرها وكالة سانا في مزاوداتها ليعرف محصلة حجم الخسائر البشرية التي تتحدث عنها لدى الأوكرانيين؟!

يمكن فعل ذلك من باب الطرافة لا أقل ولا أكثر، لكن ماذا سنفعل إذا كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يقوم بالعمليات الحسابية كالجمع والطرح ليخرج بعد ذلك إلى الجمهور الروسي بأخبار ينقلها بنفسه، كما فعل قبل أيام في المؤتمر الصحفي المشترك بينه وبين عميله الرئيس البيلاروسي لوكاشينكو في سان بطرسبوغ حيث ادعى بأن الأوكرانيين فقدوا في هجومهم المضاد 26 ألف قتيل؟!

تبعاً لهذا، يمكن استدعاء صورة كوميدية للرئيس الروسي بأنف طويل، استطال مع تراكم أخباره الكاذبة حتى بات من الصعب جداً استعادة هيئته الأولى.

عميل بوتين السوري أي بشار الأسد لديه أنف طويل أيضاً تعرّف عليه السوريون قبل ثورتهم ضده، وصار مع تتالي الكوارث وصولاً إلى يومنا هذا أشد غلظة وقباحة، يكتب عنه الصحفيون السوريون والعرب دائماً.

ولعل ما يشترك به الرئيسان في الحقيقة أكبر من امتلاكهما أنف الكذب، إذ يمكن دون تردد إضافة سماكة الجلد، وقلة الحياء، حيث لا يمكن لخصلة الكذب أن تتوفر لدى أحد ما دون أن ترافقها هذه المزايا!

جاءت قصة الأنف الطويل من شخصية "بينوكيو" في القصة التي كتبها الإيطالي كارلو كولدي عام 1883، تحت نفس الاسم، وترجمت إلى أغلب اللغات الحية تقريباً، لجاذبيتها، ولتأثيرها الكبير على القراء صغاراً كانوا أم بالغين، سيما وأن الشخصية الرئيسة فيها أي اللعبة الخشبية ذات أنف غريب، فهو يطول كلما قام صاحبه بالكذب المتعمد!

أنموذج بوتين/ الأسد لا يتوقف عند هاتين الشخصيتين، بل هو قابل للتعميم عند جحفل الممانعين العرب والإيرانيين ومن يشبههم على المستوى العالمي

وقد كتب الكثير عن هذه الحكاية وجرى نقلها مراراً إلى الدراما والسينما والمسرح، لكن حضورها الأهم جاء من خلال اعتماد النقاد على ثيمتها للتعبير عن الكذب الذي يمارسه أحد، أو جهة، أو دولة!

ومن خلال التعمق في الواقع يرصد البشر شخصيات كثيرة تسد بأنوفها الطويلة الطريق أمامها، ليكتشف هؤلاء أن حبل الكذب ليس قصيراً كما يقول المثل العربي، بل إن أنف الكذب طويل طويل!

أنموذج بوتين/ الأسد لا يتوقف عند هاتين الشخصيتين، بل هو قابل للتعميم عند جحفل الممانعين العرب والإيرانيين ومن يشبههم على المستوى العالمي، لكن السخرية منهما يجب ألا تنسينا أنهما مجرمان، يقومان بالترويج لانتصاراتهما الحربية وكأنها مجرد لعبة إلكترونية يربحان فيها النقاط والنجوم الذهبية.

لقد تسبب هذا النموذج بموت مئات الآلاف من البشر في المناطق التي حكمها أو وصلت سلطته إليها، ولهذا يكون من الواجب رؤية الشخصية الطفلية المحببة في مثل هذه الحالة بطريقة مختلفة، حتى وإن كانت تجعلنا نضحك أولاً قبل أن نتذكر مآسيها ونبكي.