أطفال فلسطين: حقائق منقوصة وواقع أممي ينبغي إصلاحه

2021.07.04 | 06:17 دمشق

132654895.jpg
+A
حجم الخط
-A

أطلقت الأمم المتحدة في مؤتمر صحافي تقريرها السنوي حول انتهاكات حقوق الأطفال في مناطق النزاعات والذي جاء تحت عنوان "طفولة مسروقة ومستقبل ينبغي إصلاحه"، تضمن التقرير تفاصيل حول الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الأطفال الفلسطينيين، رغم ذلك لم يتم إدراج إسرائيل على القائمة السوداء التي تأتي كملحق في نهاية التقرير، والقائمة السوداء يطلق عليها أحياناً "قائمة العار"، تشمل الدول والجماعات والكيانات التي تقترف انتهاكات بحق الأطفال في مناطق النزاعات المسلحة، تغاضى التقرير أيضاً عن انتهاكات جسيمة بحق الأطفال من قبل دول قوية أخرى مثل روسيا في سوريا، والولايات المتحدة في أفغانستان، وتم حذفهما من القائمة.

هذه ليست المرة الأولى التي تبدي فيها هيئة الأمم المتحدة انحيازاً واضحاً لكيان الاحتلال عبر إحدى هيئاتها عندما يتعلق الأمر بتصنيفات له ضمن بنود الانتهاكات التي يقترفها بحق الفلسطينيين، فقد سبق وأن سحبت منظمة (الإسكوا) تقريرا دوليا يتهم إسرائيل بممارسة اضطهاد الشعب الفلسطيني والفصل العنصري، وعلى خلفية ذلك السحب استقالت الأمينة التنفيذية للمنظمة ريما خلف من منصبها احتجاجاً على انحياز المنظمة الواضح لكيان الاحتلال وعمل المنظمة على طمس الحقائق.

إلا أن الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة فيما يتعلق بالأطفال في النزاعات المسلحة فرجينيا غامبا، عند سؤالها عن سبب عدم إدراج كيان الاحتلال في لائحة العار رغم تنوع انتهاكاته بحق الأطفال، وقيامه بالاعتقال والتعذيب الجسدي والقتل والإصابات بعاهات دائمة وارتكاب انتهاكات جسيمة بحق المتظاهرين السلميين وإطلاق أيدي المستوطنين ليرتكبوا الفظائع ضد أطفال فلسطين من قنص وضرب وحرق كما حصل للطفل أحمد دوابشة وعائلته، أجابت بأن هذا يؤرقها وردت على السؤال بوضع الطرفين على قدم المساواة دون إشارة للطرف الجاني بقولها الأطفال الفلسطينيون والإسرائيليون يجب أن ينعموا بالسلام، وقالت بأن من يدخل القائمة السوداء ليس بناء على رغبة الأمين العام وإنما على المعلومات المؤكدة، وكأن المعلومات التي أدرجها التقرير نفسه حول الانتهاكات الإسرائيلية غير مرئية لها وللأمين العام!

تجاهل التقرير الانتهاكات الممنهجة لدولة الاحتلال بحق الأطفال الإسرائيليين حيث يقوم النظام التعليمي على شحنهم بالعداء والكراهية اتجاه الفلسطينيين والعرب

أشارت غامبا إلى أن هنالك انخفاض (حاد) في عدد الانتهاكات بين عام ٢٠١٨ وعام ٢٠١٩ إلى عام ٢٠٢٠ وبينت أنه على هذا الأساس اتخذ الأمين العام قراره حول عدم إدراج إسرائيل في اللائحة، متجاهلة بذلك الأعداد التي تضمنها التقرير قبل أن يشمل أعداد ضحايا حرب غزة الأخيرة في أيار/ مايو فالتقرير لا يغطي هذه الفترة، فحسب التقرير استشهد ١١ طفلا فلسطينيا، وتم اعتقال ٣٦١ منهم وتعرض ٨٣ للتعذيب الجسدي على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي، وتعرض ٩٦ طفلا فلسطينيا لانتهاكات خطيرة أيضاً كما أشار التقرير، ولم يفت التقرير الزج بحماس ضمن بياناته فقد أشار التقرير لتجنيد حماس لطفلين فلسطينيين.

تجاهل التقرير الانتهاكات الممنهجة لدولة الاحتلال بحق الأطفال الإسرائيليين حيث يقوم النظام التعليمي على شحنهم بالعداء والكراهية تجاه الفلسطينيين والعرب، كذلك تتضمن المناهج التعليمية الإسرائيلية مجموعة من التعاليم العنصرية التي تغذي العنف لدى الأطفال الإسرائيليين وتفوقهم العرقي والديني على العرب وباقي الأعراق والأجناس والأديان، كذلك تجاهل التقرير الفيديوهات المصورة والمنتشرة بكثافة حول الانتهاكات بحق الأطفال المستوطنين الإسرائيليين الذين يتم تسليمهم للأسلحة ويتم تدريبهم عليها، بجانب تقديم الحماية لهم من قبل الجيش الإسرائيلي عند قيامهم بالاعتداء على الفلاحين الفلسطينيين أو على الأراضي الفلسطينية، حيث يتم إشراكهم بتلك الانتهاكات من قطع لأشجار الزيتون وتخريب الممتلكات الفلسطينية وإلقاء الحجارة على بيوت الفلسطينيين المهددة بالمصادرة أو النهب لصالح الاستيطان أو حرق الأراضي الزراعية والمحاصيل الفلسطينية.

من جملة ما تجاهله التقرير أيضاً الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على المدارس أثناء وجود الأطفال فيها، كذلك إخضاعهم لنقاط التفتيش وإعاقة الأطفال الفلسطينيين من الوصول إلى مدارسهم، كذلك الضغط على الجهاز الصحي الفلسطيني، وإعاقة وصول تطعميات لوباء كورونا للأسرى الأطفال الفلسطينيين، والاقتحامات الليلية لقوات الاحتلال لمنازل الفلسطينيين، وحالات الهلع والرعب التي تسببها قوات الاحتلال للأطفال، وأيضاً الأطفال أبناء الأسرى والشهداء الفلسطينيين التي واجهت السلطة الفلسطينية ضغوطات لقطع مستحقات عائلاتهم المالية، ومصيرهم المجهول تحت جملة هذا التضييقات.

بالإضافة إلى واقع الأطفال الفلسطينيين في المخيمات التي تفتقر للخدمات والمرافق العامة التي قد تخدمهم أو تحسن نوعية حياتهم، بالإضافة لتقليص ميزانيات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الأونروا، وما رافقها من سياسات التقليص في خدماتها ونفقاتها ومساعداتها التي أدت لإخراج مئات العائلات الفلسطينية من دائرة توظيفها، وما يترتب على ذلك من نتائج على الأطفال في تلك العائلات، وتجاهل التقرير العاهات التي يسببها الاحتلال للأطفال في السجون وخارج السجون خاصة في غزة وما شهدته من اعتداءات على الأطفال المشتركين في مظاهرات العودة السلمية، حيث تعرضوا لرصاص الجنود القناصة الإسرائيليين، واستهدفت تلك الإصابات الأقدام والرأس بشكل ممنهج حيث تتسبب بعاهات وإعاقات دائمة لهم.

تشير التقارير الفلسطينية بأنه تم تسجيل خمسين ألف حالة اعتقال (اختطاف) في صفوف الأطفال الفلسطينيين دون سن ١٨ منذ العام ١٩٦٧ وحتى نهاية حزيران ٢٠٢٠، فمنذ مطلع عام ٢٠٢١ اعتقلت (اختطفت) قوات الاحتلال ٢٣٠ طفلا غالبيتهم من القدس، حيث يواجه أطفال مقدسيون أيضاً أحكاما بالحبس المنزلي، وتعد الاعتقالات (الاختطافات) في صفوف الأطفال الفلسطينيين المقدسيين هي الأكثر كثافة، كما تواصل سلطات الاحتلال اعتقال ١٤٠ طفلا من فترات سابقة تقل أعمارهم عن ١٨ عاما، بينهما طفلان رهن الاعتقال (الاختطاف) الإداري وهما الطفل أمل نخلة من رام الله، كذلك الطفل فيصل العروج من بيت لحم، ويتوزع الأطفال الفلسطينيون على المعتقلات الإسرائيلية (عوفر، مجدو، والدامون) سيئة السمعة والتي تمارس بحقهم عمليات التعذيب والتحقيق التي تمارسها على المعتقلين الكبار وهنا لا بد من الإشارة إلى أن هذه العمليات بحق الأطفال الفلسطينيين التي تدرج تحت مسمى اعتقال هي عمليات اختطاف لهم بسبب وجودهم تحت السن القانونية ١٨ حسب القوانين الدولية، وهذا ما تهمله التقارير في الجانب الفلسطيني أيضاً حين تدرجهم تحت وصف معتقلين.

للوهلة الأولى يظن المراقب أن التقرير بعدم إدراجه لدولة الاحتلال بلائحة العار له أثار في تعتيم الحقائق فيما يتعلق بالانتهاكات بحق الأطفال الفلسطينيين فقط، إلا أن هذا الانحياز والتغاضي عن انتهاكات دولة الاحتلال بحق الأطفال الفلسطينيين والإسرائيليين عبر الممارسات المذكورة لهو كارثة كبيرة بحد ذاتها، فتنشئة الأطفال الإسرائيليين على مبدأ العداء والكراهية والنصوص الدينية التي تحرضهم على قتل الفلسطينيين والعرب، بالإضافة لتوطينهم في دولة تقوم على أساس استعماري كولونيالي لهو انتهاك أممي بحق الأطفال من الطرفين.

إن هذه التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة والتي تقوم على أساس الانحياز هي نوع من النشاط الأممي الذي لا يحقق الأهداف المرجوة منها بتقليص حجم الانتهاكات بحق الأطفال في مناطق النزاع، خاصة بأن عملية طرح البيانات وتصنيف الجهات يعتمد على حالة من الانحياز الأعمى لدولة الاحتلال التي تنتهك حقوق الأطفال على الجهتين باستمرارها على نظام الفصل العنصري والديني والعرقي.

لم يذكر التقرير أن الأطفال في غزة الذين تتراوح أعمارهم بين العام و١٤ عاما عاشوا تحت سلسلة من الحروب الإسرائيلية على غزة، حيث باتت أصوات القذائف والطلعات العسكرية الإسرائيلية هي الأصوات التي نشؤوا عليها

تجاهل التقرير أيضاً الأطفال في الجانب الفلسطيني بعدة أوجه، أهمها عدم تركيزه على الأضرار الجسيمة التي تطول أطفال فلسطين بخاصة في غزة من جراء الصدمات النفسية التي تعرضوا لها بفعل الحروب الإسرائيلية الكثيفة على غزة، ولم يذكر التقرير أن الأطفال في غزة الذين تتراوح أعمارهم بين العام و١٤ عاما عاشوا تحت سلسلة من الحروب الإسرائيلية على غزة، حيث باتت أصوات القذائف والطلعات العسكرية الإسرائيلية هي الأصوات التي نشؤوا عليها، كذلك عاش هذا الجيل من الأطفال تحت الحصار الكامل لغزة منذ ١٥ عاما في قطاع أعلنته الأمم المتحدة نفسها غير قابل للحياة بحلول ٢٠٢٠.

إن هذا التقصير الأممي المتعمد في البحث عن مواطن الخلل وتشخيصها إيذاناً بإطلاق جهد خاص في مواجهته لا يمكن فهمه إلا بأن هذه المنظمة تكمل أدوار الاحتلال في التعتيم المتعمد على الجرائم حين تخضع لضغط اللوبيات الصهيونية في إعدادها وإخراجها لتقاريرها، حيث يوصى للسيدة غامبا بأن تخطو خطوة السيدة ريما خلف نفسها رداً على هذا الاستهتار بتقييم وعكس حقيقة الأوضاع، وذلك عوضاً عن قولها إنها لا تنام الليل وهي تبكي على الانتهاكات تلك، حيث سيكون لذلك الفعل صدى أوسع في مقاومة تغول دولة الاحتلال واللوبيات الصهيونية على النشاط الأممي للمنظمة، التي أظهرها الاحتلال بعدة مناسبات بأنها الذراع الأممي لتبييض وتطبيع انتهاكات الاحتلال وإعطاء الاحتلال الفرص اللامتناهية في تطبيع جرائمه أمميا كذلك الإفلات من العقاب والعدالة الدولية في كل مرة.

حريٌ بالسيدة غامبا تكثيف الحملات والجهود لمخاطبة الجهات الدولية للضغط الفوري على الاحتلال للإفراج الفوري عن الأطفال المعتقلين في سجون الاحتلال بسبب تفشي وباء كورونا وأصناف التعذيب الذي يخضعون له، وعودتهم إلى أسرهم، انتصاراً للقانون الدولي الإنساني، ووضع حد للانتهاكات الصهيونية المتواصلة بحق الأطفال الفلسطينيين ورفع الحصار عن غزة التي حولها الاحتلال لمعتقل كبير، وهذا أكثر نجاعة من الخروج على الإعلام لتبرير الفضيحة الأممية والقانونية بعدم إدراج دولة الاحتلال ضمن قائمة العار على لوائحها.