الغيتوهات المغربية جارة مقر حلف الناتو

2022.12.11 | 05:55 دمشق

الغيتوهات المغربية جارة مقر حلف الناتو
+A
حجم الخط
-A

في السابع والعشرين من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر العام الحالي 2022، وفي أعقاب فوز المغرب على بلجيكا في مباراة لكرة القدم في قطر في مونديال العالم بدورته الحالية، كانت النتيجة أعمال شغب في معظم المدن البلجيكية التي يتوزع فيها المغاربة منذ هجرتهم الأولى التي تمتد لعقود من القرن الماضي.

 في حين تأتي إيطاليا في المرتبة الثالثة ، وبلجيكا في المرتبة الرابعة ، وهولندا في المرتبة الخامسة، ثم ألمانيا في المرتبة السادسة بتوزيع كثافة المهاجرين المغاربة، يُعد المغاربة هم أكبر جالية أجنبية مقيمة في بلجيكا، هذا ما كشفت عنه خريطة نشرها الوزير الأول السويدي السابق كال بيدلت حول أكبر الجاليات الأجنبية في مختلف الدول الأوروبية، ويظهر فيها العلم المغربي يغطي خريطة بلجيكا كدلالة على أن المغاربة هم أكبر جالية مقيمة في هذا البلد الأوروبي، بينما يحتل الجزائريون المرتبة الأولى من حيث عدد المهاجرين في فرنسا.

ويبلغ عدد المغاربة المقيمين في بلجيكا أكثر من 410 آلاف مهاجر، من بينهم 182 ألفا يقيمون في مدينة بروكسيل، فالعاصمة البلجيكية تستضيف نصف المهاجرين المغاربة، ويبقى متوسط مداخيل المغاربة في بلجيكا منخفضا ذلك أن 70 في المئة من مغاربة بلجيكا يتقاضون أجوراً شهرية تتراوح بين 1000 يورو إلى 2000 يورو.

حسب الإحصاءات فإن 45 في المئة منهم يتوفرون على مستوى تعليمي جامعي، وهو ما جعل المغاربة الجالية الأجنبية الأولى من حيث المستوى التعليمي

وعند النظر عن قرب في أوضاع المغاربة المقيمين في مدينتي بروكسيل وأنتويربن على وجه التحديد، وعند دخول الأحياء التي تضم الكثافة السكانية المغاربية، يمكن حصر عدة ملاحظات على طبيعة تلك الأحياء:

أولاً: تتوزع معظم الأنشطة المهنية التي يمارسها المغاربة بأعلى نسبها في قطاعي الخدمات والتجارة، في أحياء فقيرة، وحسب الإحصاءات فإن 45 في المئة منهم يتوفرون على مستوى تعليمي جامعي، وهو ما جعل المغاربة الجالية الأجنبية الأولى من حيث المستوى التعليمي مقارنة مع باقي الجاليات.

وتتركز القطاعات التي يشتغل فيها مغاربة بلجيكا في قطاع الخدمات، ذلك أن 25 في المئة منهم يشتغلون في قطاع السياحة، و20 في المئة منهم يشتغلون في التجارة، بينما تشتغل نسبة ضئيلة من المغاربة فقط في المؤسسات العمومية البلجيكية، ولعل لجوء فئة واسعة من المغاربة إلى القطاع الخدماتي بغرض العمل هو الذي جعلهم يتضررون بشكل كبير من الأزمة الاقتصادية التي عصفت بأوروبا منذ سنة 2009.

ثانياً: يتضح من طبيعة تجمع المغاربة في أحياء تلك المدن ضمن حلقات جغرافية ضيقة، ورجوعهم إليها في كل مرة يحاولون فيها الانتقال للأرياف أنهم يواجهون بإقصاء عنصري هم وعائلاتهم، بالذات بعد تفشي حمى الإسلاموفوبيا في أوروبا، وتغذيتها من قبل الأحزاب اليمينية المتطرفة، حيث تمارس ضد النساء المغربيات عنصريات محلية بسبب ارتدائهن للحجاب وهو جزء من التقليد الشعبي المغربي قبل أن يعكس هوية دينية، لذلك تراجع دور المرأة المغربية في سوق العمل بسبب القوانين العنصرية لأرباب الأعمال الخاصة وفي القطاعات العامة بالنسبة لتشغيل المحجبات.

هذا بالنسبة للنساء، أما فئة الشباب من أبناء جيل المهاجرين الأول وهي فئة في معظمها من المتعلمين، فتمارس ضدهم العنصرية المحلية نفسها، لذلك يتم إقصاؤهم من سوق العمل بسبب التوجهات العنصرية لأرباب العمل وانطباعاتهم المسبقة عن الآخر المغربي.

ثالثاً: الغالبية العظمى من المغاربة حتى من جيل المهاجرين الأول لم يحققوا الاندماج في المجتمع البلجيكي، وهذا مرده لحالات الرفض العنصري، لذلك كان وجودهم ضمن غيتوهات أول الخيارات في وجه بقية النازية الأوروبية، لذلك تكتظ تلك الأحياء، ولا تتمتع بمستوى الخدمات نفسها الذي تتمتع بها بقية الأحياء، أما بالنسبة للجيل الثالث من المهاجرين المغاربة الذين حصلوا على فرصهم التعليمية في الغالب فإدراكهم حقوقهم دون قدرتهم على الانخراط في أسواق العمل والسياسة خارج قطاعي الخدمات والتجارة سبب حالة من تراكم الغضب.

رابعاً: عند الأحداث الأمنية يتم التعامل مع المغاربة في الأحياء الفقيرة أنهم المشتبه بهِ الأول، وكان حي مولبيك الذي يشبه الغيتو هو مكان انطلاق مجموعة من الإرهابيين الذين هاجموا مطار بروكسل، أثناء تفجيرات بروكسل عام 2016، ورغم أن من المتهمين من أمثال محمد أبريني، وخالد البكراوي، وإبراهيم البكراوي، ونجم العشراوي، هم مواليد بلجيكا نشؤوا وتربوا وتعلموا في مدارسها إلا أنه تم وصم الغيتوهات المغربية كلها بالإرهاب، فإذا كان هنالك لاعب كرة محترف من أصول مغربية فهو صناعة بلجيكية خالصة، أما إن برز إرهابي تم استقطابه من هذه الغيتوهات من قبل الجهات الإرهابية فحينها يتم إرجاع إرهابه لأصوله المغربية، كما لو أن العنف والإرهاب حكر على عرق معين، وكما لو أن الدولة لا تنظر لتداعيات تأجيج خطاب الكراهية والعنصرية على نشأة هؤلاء وسهولة استقطابهم من تنظيم داعش في حينها. فردود الفعل العنصرية لا تحل مشكلات الغيتوهات المغربية ولا أزمات شبابها.

خامساً: عانى المغاربة بجانب مشكلات الاندماج في سوق العمل خارج قطاعي التجارة والخدمات، من رزمة مشكلات أمنية مع أجهزة الشرطة الفيدرالية، فما حصل في بروكسيل وأنتويربن أن الشرطة الفيدرالية وزعت قوات مكافحة الشغب في بروكسيل وأنتويربن حتى قبل عقد مباراة المغرب وبلجيكا، وعند فوز المغرب وخروج الاحتفالات المغاربية كانت المشاهد معبرة عن انتفاضة مغربية بين أوساط الشباب، الذين كانوا مشحونين بمشاعر الفخر بفريقهم الوطني، وقوبلوا بردة فعل عنصرية استباقية بتوزيع قوات مكافحة الشغب واستفزاز العنصريين لهم، فكانت الشرارة التي فجرّت أعمال الشغب بين الطرفين والعنف أيضاً.

سادساً: تتغذى الأحزاب اليمينية المتطرفة البلجيكية على المشاهد التي حصلت في بروكسيل وأنتويربن، وأهمها حزب فلامس بيلانج اليميني العنصري المتطرف وزعيمه توم فان خيراكا، والذي يروج الخطاب العنصري وخطاب الكراهية وله قاعدة شعبية واسعة، فكان التحريض الاستباقي على صفحته حين نشر على صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة به، إذا فازوا سيدمروا البلد وإذا خسروا سيدمروا البلد إشارة إلى المغاربة، وأتبع قوله خذوا الطعام الذي توفره لكم الدولة، وتذاكر الطائرات وعودوا إلى بلدكم، بعد ثلاثة أجيال لن تستطيعوا أن تكونوا جزءاً من هذا المجتمع.

وهذا الخطاب الذي أطلقه توم فان خيراكا يغذي العنصرية في أوساط الشباب  ويتداولونه في المدارس في المناسبات الدينية التي تخص العرب والمسلمين، وبسبب حمى الاستشراق الداخلي في المجتمعات الأوروبية والإسلاموفوبيا، وبسبب حالة الاستشراق الذاتي التي يعاني منها النخب الثقافية العربية الموجودة في أوروبا باحتقارهم المكون الثقافي العربي والإسلامي، وعدم العمل على تغيير الصورة النمطية عن العرب والمسلمين يظل هنالك حالة من العزلة المغربية في الغيتوهات التي تشبه الغيتوهات التي عاش بها اليهود  في القرن الماضي في أوروبا.

وفي أعقاب هذه الأحداث، التي لا يمكن النظر إليها بانقطاع عن سياقاتها الإعلامية والسياسية والاجتماعية، لأن هوس الإعلام الأوروبي بالهجوم على العرب والمسلمين بسبب قوننة قطر لمنع رموز المثلية الجنسية ضمن احتفالية المونديال العالمي، والذي سبب انتعاش الخطاب العنصري ضد العرب والمسلمين في أوروبا،  يمكن من خلاله قراءة ورصد الملاحظات التالية:

أولاً: يبدو أن الحكومات العلمانية الأوروبية لا تستطيع أن تخوض تحديات داخلية أو خارجية بأدوات جديدة قوية غير استغلال الأديان والأقليات، لذلك تم استبدال قوة الأديان السماوية بقوة التوجه المثلي كدين جديد، بما أن الرأسمال العالمي يتغذى على هذه الأدوات في حروبه الاقتصادية والسياسية، في عصر انفلات غرائز القوة والهيمنة والسيطرة لا يوجد هنالك توجه لا يتم توظيفه لخدمة تمكين قوى الرأسمالية.

التعليقات العنصرية ومواجهة المحتفلين بهذه الطريقة جعل ردة الفعل التي أرادها المتطرفون ليقولوا هؤلاء هم من لا يريدون الاندماج في مجتمعنا

ثانياً: الأجواء الإعلامية التي يهيمن عليها الطعن في المكون الثقافي العربي والإسلامي، كذلك إخراج قوات مكافحة الشغب استباقاً في بروكسيل في وجوه المحتفلين بفوز المغرب، هو دليل قرار متخبط ولا يعد المغاربة جزءاً من هذه البلاد، التعليقات العنصرية ومواجهة المحتفلين بهذه الطريقة جعل ردة الفعل التي أرادها المتطرفون ليقولوا هؤلاء هم من لا يريدون الاندماج في مجتمعنا، ماذا تنتظر الشرطة الفيدرالية من خطوة إخراج قوات مكافحة الشغب استباقاً؟

ثالثاً: تنفيذ الاعتقالات الإدارية بحق الشباب المغاربة الذين ردوا على التعليقات العنصرية ووجود شرطة الشغب استباقاً، بالإضافة لتعامل مؤسسات الدولة الإعلامية كذلك المؤسسة الأمنية، والشرطة الفيدرالية بتعقيبهم على ما حدث بتوصيفات عنصرية تبرز أنهم يتعاطون مع المغاربة كجزء نافر عن هذا المجتمع، وهو أمر يدعو للتفكر فيما تنجزه الأحزاب اليمينية المتطرفة من مأسسة خطاب الكراهية والعنصرية.

رابعاً: بفضل العنصريين والمتطرفين من النواب في البرلمان البلجيكي وفي كل مكان، فإن المغاربة يعيشون في غيتوهات في المدن البلجيكية، يعملون في قطاعات الخدمات والتجارة ويدفعون الضرائب للدولة، ولم يمارسوا السياسة بسبب العنصرية التي مورست ضدهم منذ هجرة الجيل المغاربي الأول لبلجيكا، ماذا قدمت الدولة من خطط لإدماجهم في المجتمع؟ يقول النواب المتطرفون بعد ثلاثة أجيال لم يندمج المغاربة، وأقول أنا بعد ثلاثة أجيال لم يتراجع هؤلاء العنصريون عن تطرفهم، وعن إصدار قرارات تمييزية ضد المغاربة كإخراج قوات مكافحة الشغب في وجه احتفالاتهم، ما يحدث في بروكسيل فجر الغضب المغاربي على أوضاع العنصرية ضدهم.

ختاماً فإنّ ما يحصل للمغاربة في بروكسيل وأنتويربن انتهاك صارخ وخطير لحقوق الإنسان، على بعد مترات من مقر حلف الناتو الذي حرث العالم تحت مسميات الديمقراطية وحقوق الإنسان.