icon
التغطية الحية

أزمة المياه تزيد من معاناة الأهالي في سوريا التي دمرتها الحرب

2022.09.01 | 21:47 دمشق

طفلة سورية تمشي حافية القدمين في مخيم للنازحين بإدلب - التاريخ: 4 آب 2022
طفلة سورية تمشي حافية القدمين في مخيم للنازحين بإدلب - التاريخ: 4 آب 2022
غلوبال تايمز - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

بعد استنزاف الحرب للناس طوال عقد كامل، أصبح الأهالي من الفقراء في شمال شرقي سوريا في مواجهة مأساة جديدة، بل إنها أزمة حقيقية تتصل بالمياه.

إذ أصبح من المكلف جداً أن تقوم تلك التجمعات البشرية بتأمين المياه النقية من أجل الكبار في السن والصغار، بعدما أصبحت شحيحة، وهذا ما جعل معظم الناس هناك أمام خيارين: إما شرب مياه ملوثة والتعرض لخطر الإصابة بالأمراض، أو البقاء من دونها قدر الإمكان مع خطر الإصابة بسوء التغذية بحسب ما أورد الخبراء.

لقد أجبرت منظومة المياه المتداعية التي دُمرت خلال النزاع الناس منذ أمد بعيد على الاعتماد على المياه التي تقوم الصهاريج بنقلها وتوزيعها والتي تعمل شركات خاصة أو وكالات إغاثية على توفيرها، إلا أن ارتفاع أسعار السلع الذي حدث بسبب النزاع بين روسيا وأوكرانيا قد فاقم من حدة ذلك الوضع، إذ لم يعد بوسع معظم الأهالي في مدن تلك المنطقة وقراها تحمل كلفة شراء مياه نظيفة، في الوقت الذي حذرت فيه منظمات إنسانية من احتمال اضطرارها لقطع توريد المياه عمن يعيشون في مخيمات النازحين بعد ارتفاع التكاليف اللوجستية وتراجع الاقتصاد في سوريا.

وعن ذلك يحدثنا محمد محمود وهو مدير مشروع المياه والمناخ لدى معهد الشرق الأوسط، فيقول: "إنه لخيار صعب بالنسبة للأهالي، إذ يتعين عليهم إما شرب هذه النوعية من المياه غير المعالجة، أو تلك التي لم تتم معالجتها وفقاً للمعايير الكافية المطلوبة، أو الكف عن شرب الماء.. مما قد يعرضهم للموت".

في تقرير استقصائي نشرته في شهر حزيران مبادرة ريتش الإنسانية، تبين بأن 45% من نحو 4600 مشارك في هذا التقرير ممن يقيمون في شمال شرقي سوريا ذكروا بأن كلفة المياه التي توزعها الصهاريج أصبحت عبئاً عليهم، ما يعني اضطرارهم للتخلي عن أمور أساسية أخرى مع تقليل نسبة الاستحمام والتنظيف، إذ في مدينة الحسكة التي تمركزت الحرب فيها، ذكر 99% من الأهالي بأنهم ليس لديهم ما يكفيهم من الماء، وكانت من بينهم هدى، وهي معلمة لغة إنجليزية، عمرها 33 عاماً، لكنها تعتبر نفسها محظوظة نسبياً، لأنها تحصل على معظم كمية المياه التي تحتاج إليها من البئر التي تقع قبالة بيتها، ولكن خلال أشهر الصيف، جف الماء في تلك البئر، ولذلك أصبحت أسرتها تعتمد على المياه التي تأتي بها الصهاريج لتسد حاجتها من الماء، وعنها تقول هدى: "أغلبية تلك المياه قذرة، إلا أنها الحل الوحيد المتوفر أمامنا حالياً، ثم إننا نتعرض لمخاطر جمة ونحن نحاول الحصول على الماء من الصهاريج، ولكن علينا أن نأكل وأن نطهو طعامنا".

تسببت ندرة مصادر المياه النظيفة، وتواصل العنف، والجو الصحراوي في المنطقة بنقص حاد في المياه تزامن مع انهيار الليرة السورية، ما أدى إلى ارتفاع في أسعار السلع والبضائع، وهذا بدوره أدى إلى تفاقم الأزمة.

حل مأساوي

تتعرض مياه نهر الفرات، الذي يعتبر المصدر الرئيسي للمياه في تلك المنطقة، للجفاف، فضلاً عن تدهور البنية التحتية الخاصة بالمياه، بعد تعرضها للإهمال منذ سنين طويلة، كما أنها استُنزفت خلال سنوات الحرب والجفاف.

تزود محطة علوك للمياه التي تقع بالقرب من الحدود السورية – التركية، نحو مليون نسمة في المنطقة بالمياه، لكنها باتت تعمل بنصف طاقتها خلال معظم الفترة الواقعة ما بين آب 2021 وآذار 2022 بحسب ما ذكرته مبادرة ريتش، إذ تقع تلك المحطة في منطقة النزاع القائم بين الفصائل المدعومة تركياً وقوات سوريا الديمقراطية المدعومة أميركياً (قسد)، وذلك بحسب ما ذكرته مصادر من تلك المنطقة، إذ يقول أحد الناشطين من الأهالي رفض الكشف عن اسمه خوفاً من تعرضه للانتقام: "عندما يتحاربون، تنقطع عنا المياه".

غير أننا لم نتمكن من الوصول إلى أي ناطق باسم الفصائل أو قسد للتعليق على الموضوع.

ولذلك عندما تجف الأنابيب، يلجأ الأهالي إلى المياه التي تحملها الصهاريج.

An aerial view of the refugee camp in Idlib, Syria on August 4, 2022 Photo: VCG

مخيم للنازحين بإدلب – التاريخ 4 آب 2022

قد تصرف أسرة متوسطة الحجم تعتمد على مياه الصهاريج كل شهر ما يعادل 150 دولاراً على تعقيم المياه وتنظيفها، ونحو 100 دولار على مياه الشرب بحسب ما أورده ذلك الناشط.

أما إذا اعتمدت تلك الأسرة على المياه المعلبة، فستصرف نحو 320 دولاراً بالشهر، وهذا ما دفع الناشط للقول: "الوضع مأساوي، إذ هنالك عطش حقيقي".

في الوقت الذي تقدم فيه الوكالات الإغاثية الماء بالمجان للنازحين ولبعض الأهالي، تجد نفسها هي الأخرى قد تضررت كثيراً بسبب ارتفاع أسعار الوقود والكهرباء والمواد الكيماوية التي تستخدم لمعالجة المياه، بحسب ما ذكره صندوق الطفولة الأممي اليونيسيف، إذ يقول كريس كورمينسي وهو مستشار المياه وتغير المناخ لدى اليونيسيف: "أصبحنا في سوريا ندفع ضعف ما كنا ندفعه، فقد ارتفعت الأسعار في عموم المنطقة، لذا بات على الأهالي أن يتخذوا قرارهم، إذ أصبح على الناس أن يقللوا من استخدامهم للمياه، ولهذا لم تعد نظافة المياه في أحسن أحوالها، وهذا قد يجعل المياه وسطاً يساعد على نقل الأمراض".

يخبرنا مصدر تابع لمنظمة إغاثية تعمل في مخيمات النازحين المنتشرة في شمال شرقي سوريا بأن ارتفاع أسعار الوقود قد يضطرهم لتخفيض كميات المياه التي يوفرونها للشخص الواحد وذلك لضمان حصول المزيد من الأشخاص في تلك التجمعات على المياه.

ولكن التمويل لم يعد كافياً، وكذلك الإمكانيات والرغبة بحل المشكلة عبر اللجوء إلى حلول مستدامة، بحسب ما ذكره أحد العاملين في المجال الإنساني، لكنه ليس بمخول بالتصريح عن أي معلومة للإعلام.

أشبه بدواء

تسببت أزمة المياه أيضاً بارتفاع في نسبة الإصابة بالأمراض مثل الإسهال وسوء التغذية والأمراض الجلدية التي انتشرت في تلك المنطقة بحسب ما أعلنته منظمة الصحة العالمية، إذ هنالك أكثر من ألفي حالة إصابة بالليشمانيا، وهو مرض طفيلي يتسبب بآفات جلدية، وذلك بعدما أعلن مسؤولو الصحة في الحسكة بأن هنالك زيادة ملحوظة في عدد الإصابات حتى تشرين الأول من عام 2021، مقارنة بعددها الذي بلغ 121 إصابة في تشرين الأول من عام 2020، بحسب ما أعلنته منظمة الصحة العالمية.

إلا أن السلطات في الحسكة لم تتوفر لترد على الأسئلة المتصلة بوضع المياه في تلك المدينة.

وفي تلك الأثناء، وتحديداً بمدينة الرقة التي تقع على ضفاف نهر الفرات، يعتمد غالبية الأهالي على ذلك النهر في الحصول على مياه الشرب والتنظيف على الرغم من معرفتهم الكاملة بأن تلك المياه لم تعد تناسب تلك الأغراض بحسب ما ذكره الباحث عمار الأحمد المقيم في تلك المدينة، والذي علق على ذلك بقوله: "لم تعد المياه النظيفة أولوية كما هي حال الإيجار والدواء والغذاء".

كما أن نظم التنقية التي تستخدم لتنقية المياه الملوثة قبل أن تصل إلى المستهلكين أصبحت باهظة الثمن كثيراً بالنسبة لمعظم أهالي تلك المدينة، إذ تتراوح أسعارها ما بين 30 إلى 200 دولار وتحتاج إلى نحو سبعة دولارات من أجل صيانتها في كل فصل من فصول السنة، وهذا أمر صعب بالنسبة لأغلبية من يقطنون في تلك المدينة التي دمرتها الحرب، برأي عبد الله الذي يمتلك متجراً للسباكة في هذه المدينة، لكنه رفض الكشف عن اسم عائلته، ومع ذلك قال: "إن الناس يوفرون القدر الضئيل من المال ويجوعون حتى يدخروا ما يكفي لشراء جهاز تنقية للمياه"، وذلك لأن الماء الذي ينساب من صنابير تلك المدينة يأتي بلون أحمر بحسب ما ذكره الأحمد، ولهذا تضاعف سعر جهاز تنقية المياه خلال السنة الماضية، كما أصبحت الأسر تستهلك المياه المعلبة وكأنها دواء، حيث لا يشرب الفرد منها إلا عندما يمرض أو بناء على توصية من الطبيب، وهذا ما دفع ذلك الباحث للقول: "لم تعد إلا الطبقة المخملية تستخدم مياه صحية" وذلك في إشارة إلى أثرياء تلك المدينة.

المصدر: غلوبال تايمز