هل حركت الخطوات التركية ركود الملف السوري؟

2023.01.05 | 06:00 دمشق

هل حركت الخطوات التركية ركود الملف السوري؟
+A
حجم الخط
-A

عادت سوريا إلى واجهة الاهتمام الدولي، بعد الخطوات التركية الأخيرة المتمثلة بعقد لقاء أمني وعسكري مع النظام السوري في موسكو، بعد أشهر من طغيان الصراع في أوكرانيا على مختلف الملفات الدولية.

الولايات المتحدة الأميركية أظهرت خلال الأيام التي تلت لقاء موسكو اهتماماً ملحوظاً بالملف السوري، فقد أعلنت وزارة الخارجية الأميركية في 3 كانون الأول/ يناير الجاري أنها ستعمل مع الحلفاء والشركاء والأمم المتحدة لضمان حل سياسي ودائم في سوريا، كما أكد المتحدث باسم الخارجية نيد برايس، بأن واشنطن أوضحت لجميع حلفائها أن الوقت الحالي ليس هو التوقيت المناسب لتطبيع العلاقات أو تحسينها مع النظام السوري.

تصريحات الخارجية، جاءت بعد مضي يومين فقط على زيارة وفد من لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأميركي إلى تركيا، وعقد عدة لقاءات مع مؤسسات تركية لنقاش نقاط عديدة، من بينها خطوات أنقرة الأخيرة، في ظل حديث عن استعداد واشنطن لمعالجة المخاوف الأمنية التركية عبر إجراء آليات مراقبة مشتركة لضمان وقف التهديدات الناجمة عن نشاط عناصر حزب العمال الكردستاني قرب الحدود الجنوبية لتركيا.

يسود الاعتقاد لدى العديد من دول الجوار السوري، وعلى رأسها تركيا، بأن المجتمع الدولي لا يضع ضمن أولوياته الملحة حل الأزمة السورية

وكانت الإدارة الأميركية قد أنهت عام 2022، بتوقيع مرسوم اعتماد قانون مكافحة المخدرات، الذي يحمّل بشار الأسد بشكل شخصي مسؤولية إنتاج المخدرات وتهريبها.

يسود الاعتقاد لدى العديد من دول الجوار السوري، وعلى رأسها تركيا، بأن المجتمع الدولي لا يضع ضمن أولوياته الملحة حل الأزمة السورية، ويعمل على إدارتها ومحاولة احتوائها بالعمل مع دول المنطقة، كما أنه لم يعد لديه منذ عام 2016 رغبة جادة في تغيير نظام الحكم الحالي في سوريا، أي إن الصراع بات مجمداً وبدون حل محتمل قريبا.

النهج الدولي السابق بات يشكل عبئاً كبيراً على الدول المحيطة بسوريا، إذ يخلق أعباءً أمنية واقتصادية كبيرة، فتركيا مثلاً تتخوف من دعم التحالف الدولي الممنوح لوحدات الحماية التي تعتبرها أنقرة ذراعاً سورياً لحزب العمال الكردستاني، بالإضافة إلى التوجس التركي المتواصل من استمرار الهجرة غير الشرعية باتجاه الأراضي التركية، وما تخلقه من تحديات أمنية وسياسية على صعيد الاستقطاب الداخلي في تركيا.

بناء على ما سبق، فإن دول المنطقة لجأت إلى البحث عن مقاربات جديدة في الملف السوري، توفر لها إحداث بعض الاختراقات في قضايا مؤثرة، من ضمنها مكافحة الإرهاب، وأيضاً مسألة أعباء اللاجئين، مع إدراكها عدم إمكانية التوصل إلى حل شامل دون رعايته بشكل دولي، وقد حاول الأردن قبل أشهر الدفع باتجاه مبادرة عربية كنوع من محاولة إعادة الزخم العربي إلى سوريا لأن عمان لم تعد قادرة بمفردها على مواجهة الفلتان الأمني على حدودها وكثافة تهريب المخدرات القادمة من الأراضي السورية والتي تستهدف العبور باتجاه الخليج، كما أن لبنان سعى لتنفيذ خطة لإعادة اللاجئين السوريين بالتنسيق مع النظام، بسبب عدم القدرة على تحمل الأعباء، لكن خطته اصطدمت بعدم استجابة كبيرة من النظام السوري، ورفض المجتمع الدولي والأمم المتحدة.

في حالة تركيا، ثمة مخاوف واضحة لدى أنقرة من أن تكون وحدات الحماية (الذراع السوري لحزب العمال الكردستاني)، هي أكبر المستفيدين من حالة الركود في سوريا مع اشتداد التوتر بين أميركا وروسيا في مجمل الملفات على خلفية غزو أوكرانيا، حيث استفادت الوحدات من هذا التوتر وحصلت على دعم أميركي سخي خلال عام 2022 كنوع من الضغط الأميركي على روسيا وذراعها المتمثل بالنظام السوري، أيضاً فإن الدول المانحة تتحول تدريجياً لتخصيص ميزانيات كبيرة لصالح أوكرانيا على حساب تراجع دعم العمل الإنساني في سوريا.

كان لا بد من عملية رمي حجر كبير في بركة المياه السورية الراكدة من أجل لفت النظر إلى مطالب أنقرة التي تتجاهلها الولايات المتحدة

من جهة أخرى، فإن المعارضة التركية وعلى رأسها حزب الشعب الجمهوري المدعوم من الغرب وأميركا، كثف من استخدامه لورقة اللاجئين السوريين خلال السنوات الماضية، بهدف التأثير على الناخب في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهذا خلق متاعب داخلية للحزب الحاكم مع استنزاف مستمر من رصيده الشعبي، يضاف إلى ما سبق، غضب أنقرة من زيادة الدعم الأميركي لليونان تحت ذريعة حشد مختلف الدول ضد روسيا.

بناء على المعطيات السابقة، كان لا بد من عملية رمي حجر كبير في بركة المياه السورية الراكدة من أجل لفت النظر إلى مطالب أنقرة التي تتجاهلها الولايات المتحدة باستمرار، ويمكن استنتاج ذلك بوضوح من خلال الحرص على عقد اللقاء بين الوفد التركي والنظام السوري في موسكو وبشكل علني، رغم أن التنسيق الأمني بين الجانبين موجود منذ 2016، في خطوة يبدو أنها تهدف لإظهار جدية تركية في الانعطاف.

مؤخراً، استقبل وزير الخارجية التركي وفداً من المعارضة السورية في 3 كانون الثاني/ يناير، وأكد ثبات أنقرة على مواقفها المتمثلة بدعم الحل السياسي بموجب القرارات الدولية، بالتوازي مع خطاب علني يتحدث بشكل صريح عن رغبة تركيا بحل مشكلة اللاجئين السوريين والتهديدات الإرهابية عبر التواصل مع النظام السوري، ويبدو أن هذه الملفات ستطرح على طاولة النقاش خلال زيارة مهمة سيجريها وفد تركي إلى واشنطن في الأيام المقبلة.

خلاصة القول: إن أنقرة انتهجت مساراً يهدف إلى تنشيط المباحثات المجمدة مع الفاعلين الدوليين من بوابة سوريا، بما يحقق لها مصالحها، واختارت توقيتاً مهماً ازداد فيه حجم التوتر بين روسيا والغرب بهدف ضمان تحقيق أفضل نتائج، ويبدو أنها استطاعت إلى حد ما تسخين المشهد بانتظار ما ستسفر عنه الفترة المقبلة.