أسباب انحياز بايدن الفجّ لصالح إسرائيل

2023.10.20 | 06:37 دمشق

ءؤرلا
+A
حجم الخط
-A

حرص الرئيس الأميركي جو بايدن منذ اليوم الأول لعملية طوفان الأقصى التي شنتها الفصائل الفلسطينية، على تأكيد دعمه لإسرائيل، وتأييد إضعاف حركة حماس في قطاع غزة، ووصل به الأمر لتولي مهمة الدفاع عن جريمة قصف مستشفى المعمداني في غزة، والتي راح ضحيتها المئات من الأبرياء، إذ نفى بايدن في أثناء زيارته إلى تل أبيب في أعقاب الحادثة مسؤوليةَ إسرائيل عن استهداف المستشفى.

لم يقتصر دعم إدارة بايدن لإسرائيل على الشق السياسي، بل أرسل الجيش الأميركي حاملتي طائرات وسفناً حربية إلى حوض البحر المتوسط، مع إعطاء أوامر لـ 2000 جندي أميركي بالاستعداد للانتشار في إسرائيل، ووُضعت أسراب من الطائرات الحربية على أهبة الاستعداد.

هذا الانحياز الكبير، بدا معاكساً للأجواء السلبية التي هيمنت على علاقة إدارة بايدن الديمقراطية مع حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة، لتقفز إلى الأذهان أسئلة منطقية عن سبب تغير مزاج الإدارة الأميركية الحالية، والظهور وكأنها تريد انتشال حكومة نتنياهو من أزمتها.

لا شك أن موقف بايدن مفيد له على الصعيد الداخلي، لجهة استقطاب أصوات اليهود والحصول على دعم اللوبي اليهودي النشط في الولايات المتحدة، ومنافسة مرشح الجمهوريين على كسب هذا الدعم، خاصة أن الانتخابات الرئاسية الأميركية تقترب شيئاً فشيئاً، لكن السعي وراء المكاسب الانتخابية ليس الدافع الوحيد المفسّر لسلوك الإدارة الأميركية الحالية، ويوجد حسابات سياسية معقدة وراءه.

لا تقرأ الإدارة الأميركية الحالية هجوم الفصائل الفلسطينية على أنه تحرك فلسطيني بحت بمعزل عن تأثير أطراف دولية أخرى، ويتم تداول معطيات في الأوساط الأمنية الأميركية تفيد بمشاركة روسية في هجمات سيبرانية أسهمت بالتشويش على الجيش الإسرائيلي في أثناء وبعد عملية طوفان الأقصى، ويعتبرها الجانب الأميركي قرائن على دور روسي هدفُه مزيدٌ من زعزعة النفوذ الأميركي في العالم، ولذا تتغاضى واشنطن بشكل فجّ عن الاستهداف الإسرائيلي المباشر لأهداف مدنية في غزة، لأنها فيما يبدو ترغب في معاقبة حماس وحاضنتها على تنسيقها الأمني مع روسيا، وسط ارتفاع التوتر بين الجانبين إلى مستويات كبيرة في أعقاب المواجهة غير المباشرة بينهما في أوكرانيا.

من جهة أخرى، لا يرغب بايدن في ارتكاب إسرائيل أي خطأ عسكري يسهم في توسيع رقعة المعارك إقليمياً، لأن خيار واشنطن هو التركيز على هزيمة روسيا في أوكرانيا، وبالتالي فإن التأكيد على الالتزام بالدفاع عن إسرائيل وتأييدها بشكل واضح، يظهر بايدن بمظهر الصديق الحريص على المصالح الإسرائيلية، ويتيح له المجال للتحكم أكثر في رد فعل تل أبيب بما يضمن ضبطه، وبالتوازي مع ذلك أرسلت واشنطن رسائل مباشرة وغير مباشرة لإيران تحذرها من الدخول على خط التصعيد، وكل ما سبق يخدم الهدف الأميركي المتمثل بعدم تمدد الحرب.

منذ قمة بايدن مع ولي العهد السعودي في أواخر عام 2022، وفشل الرئيس الأميركي في إقناع السعودية بتجاوز تفاهماتها مع روسيا وبالتالي زيادة إنتاج النفط، ثم التطبيع السعودي – الإيراني بوساطة صينية، شعرت واشنطن بحجم فقدانها للتأثير في منطقة الشرق الأوسط لصالح تنامي الدورين الروسي والصيني، ولذلك انتهج بايدن صاحب مشروع "إعادة روسيا إلى حجمها الإقليمي" نهجاً خاصاً هدفه استعادة زخم العلاقات مع الحلفاء التقليديين مثل السعودية وإسرائيل وبدرجة أقل تركيا.

تجسدت المساعي الأميركية باستعادة الزخم في منطقة الشرق الأوسط بفتح باب التفاوض مع الرياض وأنقرة بهدف تقديم ضمانات أمنية لهما حيال التهديدات المحيطة، ووافقت واشنطن على وساطة تركية – أردنية لفتح قنوات اتصال مع حماس قبل التصعيد الأخير في غزة، بهدف إبعاد حماس عن المحور الإيراني – الروسي، بالإضافة إلى نشاط مكثف من قبل القيادة المركزية الأميركية نتج عنه عقد جملة من الشراكات الأمنية والعسكرية مع دول خليجية مثل البحرين واليمن لزيادة الفاعلية الأميركية في بحري الأحمر والعرب، كما تقود واشنطن حالياً جهوداً دبلوماسية مع الأطراف الليبية هدفها إنهاء الانقسام في البلاد، مما يعني انتفاء الحاجة للاستعانة بروسيا، والعمل بشكل تدريجي على إنهاء نفوذ الأخيرة في ليبيا لضمان سلاسة تدفق الطاقة منها إلى الدول الأوروبية لتحقيق مزيدٍ من أمن الطاقة الأوروبي عبر إيجاد بدائل عن الغاز والنفط الروسي.

وأخيراً، يبدو أن الإدارة الأميركية وجدت في التهديدات التي تتعرض لها إسرائيل فرصة للتأكيد على نفوذها في الشرق الأوسط، وعلى عدم تخليها عن حلفائها التقليديين.