نهج إدارة بايدن تجاه إيران.. ترتيب لطاولة المفاوضات أم تقليص لنفوذ طهران؟

2024.04.23 | 06:14 دمشق

آخر تحديث: 23.04.2024 | 06:14 دمشق

344444444466534
+A
حجم الخط
-A

تتالت المؤشرات على الرغبة الأميركية بالعودة إلى سياسة الضغط القصوى على إيران، وحتى من قبل التصعيد الإيراني الإسرائيلي المباشر، الذي تفجر في أعقاب تنفيذ إيران لهجوم انتقامي منتصف نيسان/ إبريل الجاري باتجاه الأراضي الإسرائيلية باستخدام الطائرات المسيرة، رداً على استهداف مقاتلات إسرائيلية للسفارة الإيرانية في دمشق مطلع الشهر ذاته، مما أدى إلى مقتل جنرال كبير في الحرس الثوري الإيراني يدعى محمد رضا زاهدي.

في أعقاب الهجوم الإيراني وما تبعه من رد إسرائيل بهجوم مماثل على أصفهان الإيرانية، سارعت وزارة الخزانة الأميركية لفرض عقوبات جديدة على إيران بالتنسيق مع بريطانيا، طالت 16 فرداً وكيانين يسهمان في إنتاج الطائرات المسيرة، لكن ما قبل الهجوم كانت إدارة بايدن الديمقراطية وعلى الرغم من عدم إغلاق قنوات الاتصال الخلفية مع إيران، تعمل على إلقاء مزيد من الضغوط على إيران، من خلال سلسلة إجراءات في ملفات متعددة، لم تكن عملية اغتيال قيادات في فصائل الحشد الشعبي شهر شباط/ فبراير من العام الحالي سوى جزء صغير من هذه الإجراءات.

الضغط على إيران في اليمن

اعتمدت إدارة بايدن في إجراءاتها الموجهة ضد النفوذ الإيراني على مجموعة من الخطوات خاصة في اليمن والعراق ذات الأهمية البالغة بالنسبة لطهران، نظراً لإطلالة سواحل الأولى على مضيق باب المندب المعبر المهم للطاقة والتجارة الدولية، ولأن الثانية خط ربط مهم بين إيران وسواحل المتوسط في لبنان وسوريا.

منذ بداية العام الحالي زادت الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا المرتبطة بواشنطن بتحالف وثيق التنسيق مع الجيش اليمني التابع لمجلس القيادة الرئاسي الذي يتولى مواجهة جماعة الحوثي، حيث تعمل واشنطن على تدريب وحدات من هذه القوات من أجل التصدي لنفوذ جماعة الحوثي المدعومة إيرانياً في السواحل اليمنية، خاصة بعد أن وجدت الجماعة في المواجهات الدائرة بغزة ذريعة للتحرك ضد خصومها المحليين، ولتهديد طريق التجارة الدولية لابتزاز الأطراف الدولية، ودفعها للتعاطي معها بشكل مباشر وشرعي.

أسهمت الضغوط الأميركية بتعطيل إنجاز اتفاق شامل في اليمن، كان من شأنه تثبيت شرعية جماعة الحوثي بوصفها طرفاً في التسوية.

إلى جانب التنسيق مع الجيش اليمني، عمدت إدارة بايدن إلى إعادة تصنيف جماعة الحوثي ضمن قوائم الجماعات الإرهابية، كما تدرس حالياً تأسيس قواعد عسكرية ضمن السواحل اليمنية لزيادة دورها في أمن البحر الأحمر، بالتوازي مع استمرار الضربات الأميركية والبريطانية الجوية ضد جماعة الحوثي قرب السواحل اليمنية، والتي أدت إلى تقويض قسم جيد من قدرات جماعة الحوثي.

وأسهمت الضغوط الأميركية بتعطيل إنجاز اتفاق شامل في اليمن، كان من شأنه تثبيت شرعية جماعة الحوثي بوصفها طرفاً في التسوية، على الرغم من موافقة الأطراف الإقليمية الفاعلة في اليمن والفاعلين المحليين على خريطة الطريق الأولية.

خلخلة النفوذ الإيراني في الساحة العراقية

كانت إيران ولا تزال الفاعل الدولي الأقدر على التحرك في الساحة العراقية، لكن إدارة بايدن اتجهت تدريجياً للعمل على خلخلة النفوذ الإيراني في الساحة العراقية، بعد أن حاولت إيران توظيف الفصائل المسلحة ضمن خطتها الهادفة إلى إخراج أميركا من العراق تحت وقع رفع الكلفة البشرية على القوات الأميركية، حيث ازداد منسوب هجمات الفصائل العراقية ضد القواعد الأميركية في العراق وشمال شرقي سوريا، خاصة بعد اندلاع المواجهات في غزة، ووصل الأمر إلى استهداف برج مراقبة أميركي حيوي داخل الأراضي الأردنية في كانون الثاني/ يناير مطلع العام الجاري.

منذ أشهر عديدة دخلت الحكومة العراقية بضغط من أميركا بمفاوضات مع واشنطن من أجل إعادة صياغة الاتفاقية الأمنية التي تم توقيعها بين بغداد وواشنطن في 2008، وكانت أساساً لإعادة الانتشار الأميركي في العراق، حيث تهدف إيران لدفع الأمور باتجاه حصول الحكومة العراقية على جدول زمني لانسحاب القوات الأميركية من العراق، لكن الأخيرة متمسكة ببقائها، وتشترط مقابل الانسحاب جملة من الإجراءات من الطرف العراقي، أهمها إنهاء الاعتماد على إيران في مجال الطاقة الكهربائية، وإبعاد الفصائل المسلحة عن ملف الجيش لضمان بقاء السلاح بين التشكيلات الأساسية، وهذا ما يفسر نشاط الدبلوماسية التركية مع الحكومة العراقية مؤخراً، التي أتت فيما يبدو لتقديم بدائل لبغداد في مجال التنمية والطاقة الكهربائية.

كما تشترط واشنطن على بغداد من أجل دعم مسار التنمية فيها، أن يكون هناك مزيد من الاستقلالية عن سياسة إيران، على الرغم من عدم سهولة تحقيق مثل هذا الهدف.

الالتزام بأمن الأردن

تبدي واشنطن التزامات مستمرة بأمن الأردن تجاه محاولة إيران التمدد إلى الساحة الأردنية، والتي ازدادت بعد تصاعد الأحداث في غزة، حيث تحاول إيران عن طريق الفصائل العراقية إيجاد مجموعات مسلحة موالية لها داخل الأردن، بالإضافة إلى تبني خيار ذهاب الشارع الأردني الذي تقوده جماعة الإخوان المسلمين باتجاه مزيد من التصعيد، بهدف خلق بيئة عمل مناسبة للأدوات الإيرانية ضمن الأردن.

تكثيف الضغط لا يعني الجزم بتوجه أميركي لتقليص نفوذ إيران وتحجيمه، بل يبقى هناك احتمال بأن يكون مجرد ترتيب طاولة المفاوضات في حال فاز بايدن بولاية رئاسية جديدة.

في مواجهة الاستهداف الإيراني للأردن تؤكد واشنطن باستمرار التزاماتها تجاه حليفها الأردني، وتحرص على مدها بالمعلومات والمشاركة في مراقبة تهريب السلاح والمخدرات من الأراضي السورية والعراقية باتجاه الأردن، من خلال القواعد الأميركية المنتشرة في الأردن.

مؤخراً، تسربت معلومات عن مفاوضة أميركا للجانب الباكستاني من أجل إنشاء قاعدة مراقبة جوية في إقليم بلوشستان المتاخم لإيران، وهذا سيحقق مكاسب لكل من واشنطن وإسلام آباد التي تعاني هي الأخرى من محاولات التمدد الإيراني، مما يؤشر على نهج متكامل يتبع لإدارة بايدن للضغط على النفوذ الإيراني.

ثمة جملة من الأسباب التي دفعت إدارة بايدن مؤخراً لتكثيف الضغط على طهران، أبرزها قيام طهران ذاتها بدفع أذرعها لمهاجمة القواعد الأميركية في العراق وسوريا، إضافة إلى رغبة أميركا في إظهار الالتزام بأمن حلفائها في الخليج وإسرائيل ضد النفوذ الإيراني، لتقليص توجه حلفاء أميركا إلى روسيا والصين، لكن تكثيف الضغط لا يعني الجزم بتوجه أميركي لتقليص نفوذ إيران وتحجيمه، بل يبقى هناك احتمال بأن يكون مجرد ترتيب طاولة المفاوضات في حال فاز بايدن بولاية رئاسية جديدة، لكن هذه المرة ستكون محددات أي اتفاقية جديدة مختلفة عن سابقتها التي كانت زمن إدارة أوباما لأن تطورات الأحداث تدفع بهذا الاتجاه.