لماذا تراجع زخم التطبيع بين تركيا والنظام السوري؟

2023.07.30 | 05:16 دمشق

آخر تحديث: 30.07.2023 | 05:16 دمشق

لماذا تراجع زخم التطبيع بين تركيا والنظام السوري؟
+A
حجم الخط
-A

في 19 تموز/ يوليو 2023 أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن اشتراط بشار الأسد انسحاب القوات التركية من سوريا مقابل التطبيع "غير مقبول"، لتأتي بعدها تصريحات مدير الاتصالات في الرئاسة التركية فخر الدين ألطون وتؤكد استنكار أنقرة لمطلب سحب قواتها من سوريا، إذ اعتبر ألطون هذه المطالبة بأنها "لا معنى لها".

التصريح التي أعطى المؤشر الأهم على تراجع زخم التطبيع بين أنقرة ودمشق، هو الذي صدر في 29 أيار/ مايو الماضي عن إبراهيم كالين المستشار السابق للرئيس أردوغان، بعد يوم واحد فقط من حسم الأخير للانتخابات الرئاسية لصالحه، حيث نفى كالين فيها وجود أي خطة لعقد لقاء قريب بين الرئيس التركي وبشار الأسد.

من جهة أخرى، توقفت اللقاءات الأمنية والمفاوضات بين الوفود التقنية المكلفة بتحديد خارطة طريق من أجل تطبيع العلاقات، حيث يعود تاريخ انعقاد آخر لقاء بين اللجان التقنية إلى شهر حزيران/ يونيو الماضي على هامش الجولة 20 من مسار أستانا، والذي انتهى دون تحقيق أي اختراق يُذكر.

لقد لعب تمسك النظام السوري ومن خلفه إيران بمطلب انسحاب القوات التركية من سوريا دوراً مهماً في تراجع حماس أنقرة لتطبيع العلاقات، لكن ما سبق ليس السبب الوحيد في تراجع زخم المسار، بل ثمة عوامل أخرى ساهمت في جموده.

حزب العدالة والتنمية وزعيمه أردوغان يشعران بارتياح كبير لأن الخلافات داخل أكبر أحزاب المعارضة تصاعدت قبيل الانتخابات البلدية، وبالتالي تراجع تركيزه في السياسة الخارجية لصالح الانشغال بالشأن الداخلي

بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة في تركيا، حدثت هزات كبيرة في أوساط المعارضة التركية وخاصة أكبر أحزاب المعارضة المتمثل بحزب الشعب الجمهوري، حيث يعيش الأخير منذ شهرين على صدى الخلافات بين رئيسه كمال كليتشدار أوغلو ورئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، إذ يسعى الأخير للضغط من أجل استبدال كليتشدار أوغلو برئيس آخر للحزب، وهو يعتبر التغيير ضرورياً لاستعادة التوازن أمام الحزب الحاكم، لذا فإن حزب العدالة والتنمية وزعيمه أردوغان يشعران بارتياح كبير لأن الخلافات داخل أكبر أحزاب المعارضة تصاعدت قبيل الانتخابات البلدية، وبالتالي تراجع تركيزه في السياسة الخارجية لصالح الانشغال بالشأن الداخلي، وهو حالياً ليس بوارد الضغط على حزب العدالة والتنمية فيما يخص السياسة الخارجية التي ينتهجها، على عكس مرحلة ما قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة التي ركزت فيها المعارضة وخاصة حزب الشعب الجمهوري بشكل كبير على انتقاد الرئيس وسياساته  الخارجية ومنها استمرار قطيعته مع النظام السوري وعدم التفاوض معه من أجل إعادة اللاجئين.

أيضاً، بادرت الحكومة التركية مؤخراً لإطلاق حملة ضد الهجرة غير الشرعية، تهدف بالدرجة الأولى إلى تخفيف وجود المهاجرين غير المسجلين في عموم البلاد وخاصة إسطنبول، ويبدو أن أحد أهداف الحملة هو قطع الطريق على أي محاولة من طرف المعارضة لاستثمار ملف اللاجئين مجدداً، وبالتالي لم يعد هناك حاجة ملحة لإحراز تقدم بالمباحثات مع النظام السوري من أجل توظيف الأمر داخلياً، وإظهار جدية في العمل على حل ملف اللاجئين عبر الاتصال مع النظام.

على الصعيد الخارجي، دخلت تركيا منذ أسابيع في مباحثات مع الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية، مضامينها مرتبطة بموافقة أنقرة على توسيع حلف شمال الأطلسي، لكن هذه الموافقة تقترن بالكثير من المطالب التي تريدها تركيا أبرزها موافقة الولايات المتحدة الأميركية على بيع طائرات متطورة إلى تركيا، بالإضافة إلى رفع بعض الدول الغربية الحظر على بيع الأسلحة إلى تركيا، وإزالة العقوبات المفروضة على الصناعات الدفاعية التركية، ونجاح هذه المباحثات يستلزم عدم توتير الأجواء باتخاذ تركيا خطوات تبعدها عن موقف واشنطن والدول الأوروبية من النظام السوري المدعوم من روسيا.

أخيراً، لا تبدو العلاقات بين روسيا وتركيا في أفضل أحوالها، حيث لعبت روسيا في السابق دوراً محورياً في إقناع أنقرة بتطوير علاقاتها مع النظام السوري.

من المهم الإشارة إلى تبدل موازين القوى وتنامي حاجة روسيا لتركيا في ظل العقوبات المفروضة على روسيا من جراء غزوها لأوكرانيا، وهذا يعني أن موسكو ليست في موقف يتيح لها ممارسة الضغوط لإنجاز عملية التطبيع بين أنقرة ودمشق

فتور العلاقات بين أنقرة وموسكو يظهر جلياً في التقارير والتحليلات التي تنشرها الصحافة الروسية بشكل مستمر، بالإضافة إلى تصريحات سياسيين روس تتحدث عن "طعنات في الظهر تلقتها روسيا من تركيا"، ومرد هذا كله إلى سلسلة من المواقف التي اتخذتها أنقرة، منها الموافقة على إحالة طلب السويد بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي للبرلمان التركي للتصويت عليه، بالإضافة إلى تجديد مباحثاتها مع واشنطن من أجل صفقات السلاح، ومحاولة التفاوض معها على آليات حل مرضية للجانب التركي بخصوص شمال شرق سوريا. كما من المهم الإشارة إلى تبدل موازين القوى وتنامي حاجة روسيا لتركيا في ظل العقوبات المفروضة على روسيا من جراء غزوها لأوكرانيا، وهذا يعني أن موسكو ليست في موقف يتيح لها ممارسة الضغوط لإنجاز عملية التطبيع بين أنقرة ودمشق.

ما سبق ذكره لا يعني إغلاق الباب بشكل كامل أمام تطبيع العلاقات بين تركيا والنظام السوري، ولكن إحراز تقدم في الملف مرتبط بالاعتبارات السياسية الداخلية والخارجية، والتي طرأ عليها متغيرات واضحة خلال الأشهر الماضية.