في أنَّ سبب الثورة السورية هو: الأبجدية

2022.08.13 | 07:03 دمشق

في أنَّ سبب الثورة السورية هو: الأبجدية
+A
حجم الخط
-A

قد يكون سبب تحويل الكلام الملفوظ على الشاشات في برامج الكوميديا إلى كلام مكتوب هو الكوميكس، وهو يذكّر بالأفلام المترجمة من لغة أخرى، فمن فاته الصوت لم يعدم القراءة. الكلام يقال بحاستين، بصرية وسمعية للفهم والاستيعاب.

رأيت عشرات الأفلام السورية عن الثورة، فلم "سما"، الذي تحوّل إلى فستان عليه كتابة من أجل ترجمة أهداف الثورة، وخيمة 56 الذي قصر الثورة على الجنس، وسواهما، وهي أفلام لغو ونفاق، وصنّاعها عيال على أبي  كلبشة، وبعضها نال جوائز عالمية، فالغرب يمنح جوائزه لأتباع ثقافته وحضارته، لكني عندما شاهدت أفلام قضايا المنبوذين في الهند، قلت: هذا والله حالنا، ووضعت يدي على الجرح وقدمي في الركاب وأصبعي في الخاتم، ووجدت أن سبب الثورة هو عدم فهم وعود النظام، التي كانت تترجم بالسيف، وأول مرة وقعت كلمة الترجمة من اللغة إلى اللغة نفسها، كان في مسلسل ضيعة ضايعة، لقد قرر صانع المسلسل أن يتفضل على شعبه السوري بفهم ما غمض من ألفاظ وتعليم "ألواح" الأسماء، فأرفق شرح بعض الكلمات الصعبة للمشاهد، عونًا له على فهم شتائم أبطال المسلسل الظرفاء، وهي شتائم خشنة وقبيحة، غير معهودة في المسلسلات، لكن الكوميديا أطفأت حرَّ الشتائم ببرد الظرافة. أول مرة وقعت في أذني لفظ ترجمة كانت عند مشاهدة فيلم عنوانه "نجوم النهار" وقتها سمعت همسًا في ظلام السينما (إننا نهوى الظلاما): فيلم ناطق بالعلوي! 

للغة في تفسير النشأة نظريتان: نظرية قرآنية  لدنية تقول: إن الله علّم آدم الأسماء كلها، ونظرية إنسانية اصطناعية تقول بالتعلّم والابتداع

للنظام أوليات كثيرة، لكنها في الظلم والظلام مثل، أول رئيس جمهورية في كوكب الأرض يرث ملك أبيه، وقد احتفل مثقفو النظام بثلاثة إنجازات ثقافية احتفالًا كبيرًا على مواقعهم وفي نواديهم، الأول هو كتاب "رواية اسمها سوريا"، وهو يعادل سِيَرَ أعلام النبلاء وكتب التراجم، فجعلوا الأسد عريس الكتاب، وبطله الأوحد، وجمعوا له تسعة وتسعين حواريًا. والثاني مسلسل "ضيعة ضايعة" الذي أرادوا به نقل "حارة كل من إيدو ألو"، من جدول مندلييف الدوري للعناصر إلى الجبال، أما إنجازهم الأكبر، فهو القصر الجمهوري، الذي احتلوه ولم يخرجوا منه حتى الآن.

اللغة هي ميزان عظمة الإنسان، وعظمة الشعب تتجلى في لغته، وللغة في تفسير النشأة نظريتان: نظرية قرآنية  لدنية تقول: إن الله علّم آدم الأسماء كلها، ونظرية إنسانية اصطناعية تقول بالتعلّم والابتداع. يقول شولتزر وهو عالم لغة نمساوي: إن عظمة الشعوب هي في سعة لغاتهم، وتلفتُ حولي فوجدت أن النظام السوري قد مسخ اللغة، ووجدت في فيلم Visaaranai" ضالتي وهداي، فهو فيلم يفسر حال الشعب المنبوذين السوريين أيضا، وهو من أفلام المنبوذين في الهند، وناطق بلغة التيلغو، وشعبها من المنبوذين المصنوعين من قدم الإله، مثل الشعب السوري الذي عاش أربعين سنة تحت الجزمة العسكرية، ولم يرق إلى قدم الإله السوري الجديد.

نعود إلى فيلم "فيساراناي" الذي اتخذناه  للشرح والتفسير: ترتكب الشرطة الهندية الفاسدة جرائم السطو والسرقة وتتهم بها أي منبوذ في الشارع  تجده  من الداليت أو التيلغو، وتلصق به التهمة، وهذا شائع في الهند الطبقية، فيعذب عذابًا شديدًا للإقرار بجريمة لم يقترفها، وحال إقراره بالذنب تحت التعذيب، يحال إلى المحكمة ثم إلى السجن، وفي السجن يستطيع أن يأكل ويعيش، وقد يخرج بعد قضاء الحكم، والتهم دائمًا جنائية، أما السياسة، فهي طوق نجاة في الهند، فقد تنجي المتهم من التهمة الجنائية إن استطاع أهل المنبوذ الوصول إلى زعيم سياسي ، ينقذه ويعرض قضيته للمحكمة من جديد، على النقيض من حال منبوذي سوريا، فالمتهم تهمة سياسية هالك لا محالة، لن ينجيه أي اعتراف، فالمحقق السوري لا يفهم لغة المتهم، ولا يبرد بها حرّ ثأره السحيق، والقضاة في الهند "شامخون" وهم جميعًا من لغة أخرى، ويحتاجون إلى مترجمين في المحاكم، وعادة ما يتطوع الجاني، وهو شرطي، لترجمة أقوال المتهم الماثل أمام القاضي، فيبدّل أقواله على ما يريد. في فيثلم فيساراناي يصادف وجود محقق عابر يعرف التيلغو، فيترجم أقوال المتهم وينقذه ويبرئه، لكن المتهم يقع ضحية سماع ما يدور بين رجال الشرطة من تناحر حول جريمة وتقاسم المسروقات، ويجد أنهم لصوص وقتلة، ويحاول الهرب، لكنه يُقتل حتى لا يكون شاهدًا على جرائمهم.

في بداية الثورة سمعت ثوارًا ينعون الشهداء ويرفعون لهم "أرفع آيات التبريك"، وهي لغة النظام التي من كثرة تردادها فقدت معناها.

نزح الشعب السوري إلى المنافي بعد أن يئس من الحوار مع النظام، والترجمات الآلية عبر صندوق الاستفتاء والبراميل، وتعلّم لغات البلاد التي نزح إليها

دارت حوارات ومفاوضات كثيرة بين وجهاء القرى والمدن وشيوخ المساجد مع بشار الأسد، ووعدهم وعودًا كثيرة، لكنها ترجمت نارًا وعارًا، ثم رأينا أحمد حسون يترجم لنا نحن التيلغو سورة التين! فقال ما معناه: إنّ السوري المقيم في أكرم تقويم، أما النازح فأصله قرد.

نزح الشعب السوري إلى المنافي بعد أن يئس من الحوار مع النظام، والترجمات الآلية عبر صندوق الاستفتاء والبراميل، وتعلّم لغات البلاد التي نزح إليها، وحظه أكرم من الشعب الذي أحبّ أن يبقى في الوطن ليتعلم لغات عدة، حتى يفهم النظام ويحاوره: الفارسية والروسية والإنجليزية والفرنسية.