على الجهة الأخرى من مجرى التطبيع مع نظام الأسد

2023.04.26 | 07:06 دمشق

أسئلة السوريين.. بين وهم التطبيع وحقيقة الثورة
+A
حجم الخط
-A

في الوقت الذي يتسارع فيه مجرى التطبيع مع نظام الأسد من قبل عدة دول عربية إضافة إلى تركيا، لأسباب مصلحية وتحت مزاعم يصعب تحقيقها، ثمة عمليات معلنة وغير معلنة، وخاصة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، بموازاة مساعي التطبيع تلك.

وأساس مسعى جماعة التطبيع "الانسحاب" الأميركي السياسي من المنطقة، وعدم التعامل الجدي مع مشكلاتها التي تشكّل إيران جزءاً مهمّاً منها، هذا الانسحاب الذي وفّر فراغاً لكل من روسيا وإيران ومؤخراً الصين لشغله، وهو ما جعل الولايات المتحدة تعيد النظر بسياستها في المنطقة، وخاصة بعد تنامي الدور الإيراني وما يشكّله من تهديد لمصالحها ومصالح أصدقائها في المنطقة.

كان تعامل الإدارة الأميركية في عهد أوباما، مع استخدام نظام الأسد للأسلحة الكيمياوية عام 2013 وتجاوزه "الخط الأحمر"، نقطة التحول والتراجع الأميركي في المنطقة وبعملية التحول الديمقراطي فيها

كان تعامل الإدارة الأميركية في عهد أوباما، مع استخدام نظام الأسد للأسلحة الكيمياوية عام 2013 وتجاوزه "الخط الأحمر"، نقطة التحول والتراجع الأميركي في المنطقة وبعملية التحول الديمقراطي فيها، هذا السلوك الذي لم تبتعد عنه الإدارات اللاحقة إلا بأمور جزئية، وهو ما كان إشارة واضحة لروسيا للتصرف في سوريا ولتدخلها العسكري المباشر اللاحق عام 2015، الذي عمل مع إيران على استعادة كثير من الأراضي التي خسرها نظام الأسد، وألحق هزيمة بقوى المعارضة وجعل من فكرة إطاحة نظام الأسد أمراً منسياً. ونتيجة لذلك، أعادت روسيا تشكيل العملية الدبلوماسية كبديل عن القرار (2254) بطريقة تتفق مع أهدافها السياسية والعسكرية، فكان سوق المبادرات.

أولى المبادرات التي خرجت بضغط من روسيا ونتيجة الوقائع التي فرضتها على الأرض، كانت مبادرة أستانا، مع كل من تركيا وإيران، هذه المبادرة التي دخلت بجولات مكوكية كان من نتيجتها الواضحة تثبيت مناطق النفوذ الحالية. وكونها لم تحقّق ما أرادته روسيا منها، سعى بوتين في اجتماع عقد في 5 آب/ أغسطس 2022 مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في منتجع سوتشي، إلى إقناع ضيفه بإعادة الاتصالات المباشرة مع الأسد. ورغم معارضة أردوغان لمثل هذه الخطوة في البداية، فإنه رضخ تدريجياً لهذا الطلب، وأعلن بدء مسيرة التطبيع مع سوريا، التي بدأت بلقاءات أمنية وعسكرية ومؤخراً سياسية، لكن سرعان ما كشفت عن تباعد في الرؤى والغايات من التطبيع.

لا تريد الدول العربية، وخاصة الخليجية حتى بعد تحسن علاقاتها مع تركيا، أن تبقى بعيدة عن مجرى التطبيع هذا، فعدا استئناف العلاقات الثنائية التي بدأتها الإمارات، سارعت السعودية إلى طرح مبادرة لإعادة نظام الأسد لجامعة الدول العربية، من خلال إيجاد حل ما للوضع الكارثي في سوريا.

وتنطلق المملكة في مبادرتها من عوامل عديدة أهمها العلاقة المتوترة نسبياً مع الولايات المتحدة وخاصة مع الإدارة الحالية التي تعهدت بنبذ المملكة وولي عهدها، وموقفها تجاه اليمن وضربات الحوثيين، والأهم من ذلك رغبة المملكة بلعب دور إقليمي وسط التقلبات في النظام الدولي، وخاصة بعد تنامي الدور الروسي والصيني في المنطقة كحليفين لعموم أنظمة الاستبداد، هذا الدور الذي يشجع على ابتعاد المملكة عن الغرب كهدف رئيسي له.

تدرك كل من تركيا والدول العربية أن إيران هي العائق الأساسي أمام أي عملية تسوية، مهما كان شكلها، في سوريا، وذلك نتيجة اختلاف المصالح البينية من جهة، ولطبيعة مشروع نظام الملالي في سوريا الذي يريد تحويلها إلى منطقة نفوذ خاصة به، بعد تغلغلها إلى عمق المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية في سوريا، بالإضافة إلى التسلل إلى الأجهزة العسكرية والأمنية السورية، وخلق ميليشيات طائفية كقوى موازية وحاكمة في بعض المناطق السوريّة. فبعد تراجع حدة القتال في الأعوام الأخيرة، باشرت طهران في استراتيجية تشييع منهجية للمجتمع السوري، وذلك لدمج البلاد في "الهلال الشيعي" الذي يمتد من إيران عبر العراق وسوريا ولبنان وصولاً إلى البحر الأبيض، كمقدمة لانتزاع سوريا من انتمائها العربي وإلحاقها بمشروع الملالي.

على الجهة الأخرى من مجرى التطبيع، وهي جهة مهمة وحاسمة، الولايات المتحدة وإسرائيل، فرغم "الانسحاب" المؤقت من المنطقة فإنها ما تزال منطقة نفوذ تقليدية لها، فنظام المنطقة الدفاعي أميركي، إضافة للعلاقة المتشعبة على كل المستويات مع دول المنطقة. والأهم من ذلك السعي الإيراني إلى الحصول على سلاح نووي، هذا الأمر الذي ترفضه بالمطلق إسرائيل، التي لا توفر أي فرصة لتوجيه ضربات للوجود الإيراني في سوريا.

هل يمكن لأي مبادرة، أيّاً كانت، أن تنجح في سوريا، ولو بالحد الأدنى، من دون إضعاف النفوذ الإيراني فيها، وبالتالي يكون مصيرها مثل مصير القرار الدولي (2254) وبعدها أستانا، وخطوة بخطوة، تمرير الوقت والفشل في النهاية، أم هي مجرد تبادل رسائل بين الأطراف، لتحسين مواقعها التفاوضية ضمن عملية إعادة ترتيب النظام الإقليمي والدولي الجارية؟

وتشير الوثائق المسربة حديثاً من البنتاغون إلى أن إسرائيل طلبت "دعماً أميركياً موسعاً للأنشطة الإسرائيلية المضادة لإيران مقابل المساعدات الفتاكة لأوكرانيا". وسبق أن أجرت الولايات المتحدة وإسرائيل، في كانون الثاني من هذا العام، أكبر مناورة عسكرية مشتركة بينهما في التاريخ، وهي مناورة قيل إنها تحاكي غارات جوية على مواقع نووية إيرانية.

والأمر الآخر هو توافد حاملة الطائرات جورج دبليو بوش إلى البحر المتوسط في بداية هذا الشهر، تلتها بعد أيام الغواصة "فلوريدا"، حيث توفر تلك الأسلحة، في حال نشوب صراع بين إسرائيل وإيران، الإمكانية للوصول إلى كل الأهداف الإيرانية في عموم إيران، إضافة إلى أن حاملة الطائرات "بوش" توفر إمكانية الوصول لأهداف إيرانية شرقي سوريا، خاصة بعد العمليات التي وقعت بينهما مؤخراً في سوريا، وتصريح وزير الدفاع بأن ما جرى من ضربات لمواقع إيرانية ليست الرد الأميركي، ولنا الحق في الرد. وبالطبع يندرج قرار نقل إسرائيل من القيادة الأوروبية للجيش الأميركي إلى القيادة المركزية في الشرق الأوسط، ومركزها الخليج، بما يسهل التعاون العسكري ضد إيران، ضمن هذا التحضيرات والرسائل.

في ضوء هذا التصعيد والتحضيرات الأميركية الإسرائيلية في المنطقة، خاصة مع أزمة روسيا في أوكرانيا بعد مرور أكثر من عام على غزوها، ناهيك عن اختلافها مع إيران على تقاسم سوريا، يطرح السؤال: هل يمكن لأي مبادرة، أيّاً كانت، أن تنجح في سوريا، ولو بالحد الأدنى، من دون إضعاف النفوذ الإيراني فيها، وبالتالي يكون مصيرها مثل مصير القرار الدولي (2254) وبعدها أستانا، وخطوة بخطوة، تمرير الوقت والفشل في النهاية، أم هي مجرد تبادل رسائل بين الأطراف، لتحسين مواقعها التفاوضية ضمن عملية إعادة ترتيب النظام الإقليمي والدولي الجارية؟

بصرف النظر عن السماح لنظام الملالي بترسيخ وجودهم في سوريا أم لا، تبقى القضية الأهم هي أن سنوات من عدم إعطاء الولايات المتحدة الأولوية لسوريا والإذعان لروسيا في دعم نظام الأسد، الذي سمح لهذا الديكتاتور، الذي ارتكب أبشع جرائم الحرب، وحليفيه المارقين بالخروج "منتصرين". وقد يفسر هذا موقف أصدقاء الولايات المتحدة، ما لم تغير من سياستها بشكل جدي تجاه المنطقة، وأولها تجاه نظام الأسد.