ليست لعبة.. إنها ممرات موت

2024.04.23 | 06:14 دمشق

آخر تحديث: 23.04.2024 | 06:14 دمشق

6544444444444444445
+A
حجم الخط
-A

يتسابق اللاجئون من عموم الدول التي تحكمها أنظمة تسلطية لا تقيم وزنا لحياة البشر عموما، حيث يمكن تصنيفها دولا طاردةً للبشر كأحد أشكال الخلاص منهم بشكل غير مباشر، بعد أن مارست بحقهم كلَّ أشكال القتل والرعب، للهرَب بحثا عن ظروفٍ أقلَّ خطرا، أو أكثر أمانا.

ضمن مسار الهرب نحو عالم "الأمان" هناك ما يمكن أن يطلق عليه المرحلة الوسيطة التي يتطلب الخلاص منها كثيرا من المخاطرة والمال، وهي عبور الدول المكلّفة حراسةَ العالَم المقصود، عالَمِ الغرب الذي يسعى نحوه عموم المهاجرين، مقابل المال، لدرجة يمكن فيها تصنيفُ هذه الدول من حيث المهمة هذه، بأنها دول الحراسة بالأجرة، وغالبا ما يكون عبورها مكلفا جدا، من حيث الآلام وشتى صنوف التعذيب، وأخيراً، الدول المقصودة كوجهة نهائية التي نتيجة عوامل عدة لا تختلف في ممارسة القهر تجاه الهاربين، وخاصة في الفترة الأخيرة لكنْ باسم القانون!

لم تكتفِ الدول التسلطية، حيث تشكل سوريا حالة مكثفة لتلك الأنظمة، بممارسة أشكال القتل المباشر سواء في المعتقلات والسجون منذ أربعة عقود على الأقل، تلك الممارسات التي اتخذت أشكالا أكثر حدة وبشاعة مع انطلاق الثورة عام 2011، حيث استخدم النظام الأسدي القوة العارية ابتداء من الرصاص وصولا إلى استخدام الطائرات والصواريخ وحتى السلاح الكيمياوي بمواجهة المتظاهرين أولا، ثم بمواجهة المناطق التي خرج منها المتظاهرون، التي صنفها النظام كمناطق معادية، فمارسَ بحق المكان إبادة لا تقل عن إبادة البشر.

السوريون خبروا كل أشكال الموت في ترحالهم هربا من جور الأسد وتوقا لحياة كريمة افتقدوها في بلدهم.

كل هذا دفع ملايين البشر صغارا وكبارا لركوب دروب الموت في البحار والجبال والغابات، التي سرقت أرواح كثيرين منهم، ويمكن القول إن السوريين خبروا كل أشكال الموت في ترحالهم هربا من جَور الأسد وتَوقا لحياة كريمة افتقدوها في بلدهم، حتى غدت سوريا من أعلى البلدان طردا لأبنائها، وخصوصا الشباب منهم.

تبدأ مرحلة الخطر والرعب عند عبور البوابات الشرقية لأوروبا، سواء من اليونان الذي يصل إليه الفارون في رحلة بحرية مرعبة بواسطة مركبات الموت (البالم)، لتبدأ ممرات الموت عبر بلاد البلقان المعروفة بجبالها الصخرية الشاهقة ذات الانحدارات الحادة جداً التي تقترب من أن تكون عمودية، وغاباتها الكثيفة بأشجارها ونباتاتها المتنوعة وخاصة الشوكية التي لا ينجو أحد يعبرها من آثارها على جسده، ناهيك عن وجود الحيوانات المفترسة فيها، التي تشارك إن سمحت لها الأحوال بنهش لحوم الفارين، وبالطبع لا ينبغي نسيان الطقس البارد جدا في الشتاء، الذي يسهم بدوره في عملية القتل تجاه الفارين.

الجانب الآخر الذي يصادفه الفارون في ترحالهم هو مواقف السلطات في تلك البلدان سواء التي ضُمت إلى دول "الصفوة"، المعروفة بالاتحاد الأوروبي أو التي تلهث وراءه لتظهر الولاء والإخلاص لأسيادها الذين يضعون شرط مكافحة عبور اللاجئين مهمةً أولى لتبيان مدى الالتزام بالمعايير المطلوبة.

رغم التركيز النظري على احترام حقوق الإنسان من الطرفين (السيد والعبد)، فإن ما تمارسه دول العبور هذه تجاه الفارين من جحيم بلدانهم لا يقل سوءا وبشاعة عما خبروه في بلدانهم، فالفارون يدخلون تلك البلدان بطرق "غير شرعية"كما يسمونها، وواجبهم أن يكافحوها كونها غير شرعية، وطرق مكافحتها متنوعة، لا يُستثنى منها في بعض الأحيان الرصاص، أما الضرب وترك الكلاب تنهش أجسادهم فأمر عادي، فضلاً عن المعاملة السيئة في مراكز الاحتجاز وإجبارهم على توقيع لأوراق لا يعرفون مضمونها وحتى "البصم" بالأصابع فرادى وجماعات ليقع هؤلاء الفارون فيما هو معروف بمشكلة "البصمة" في أي دولة من دول الاتحاد والموقعة على اتفاقية دبلن التي تلزمها بضمان حق الحماية للفارين، مع العلم أن كثيرا منها لا يقل سوءا في معاملته للفارين عن بلدانهم، تلك البصمة التي ستلاحقهم في الأماكن الأخيرة التي يقصدونها، التي تسهم في استكمال عمليات القتل، وإنما عبر "القانون".

يدخل الفارون أو طالبو اللجوء تلك البلدان بوسائل مختلفة كما يقررها تجار الدم، المهربون، وهم بحالة نفسية وصحية سيئة، تطاردهم حتى في نومهم إن عرفوه، لتبدأ رحلة التسليم إلى مراكز الاحتجاز والتحقيق والتوزيع إلى المخيمات، وأولى عمليات التحقيق التأكد من وجود "بصمة" في أي دولة مما يعرَف بدول دبلن، وفي حال وجودها يبرز التحدي المرعب أمام اللاجئ وهو الإعادة إلى ذلك البلد بغض النظر عن أي اعتبار، فالقانون هو القانون! وهنا يدخل اللاجئ في دوامة الإعادة وكيفية الخلاص منها، وخاصة إن كانت الإعادة إلى بلد تعرض فيها اللاجئ إلى تجارب سيئة مثل الضرب والاحتجاز القسري والإجبار على التوقيع على أوراق لا يعلم مضمونها غير الله، فالترجمة ليست ضرورية، ناهيك عن أنها لا تقدم شيئا مما يحلم فيه اللاجئ، وبالطبع كل عمليات القهر هذه تتم بأشكال "قانونية"، بغض النظر عن حق البشر الأساسي في اختيار المكان الذي يرغب في العيش فيه، وحق التنقل وغيره، تلك الحقوق المكفولة لأبناء تلك الدول، أما اللاجئون، فعليهم التحمل إلى أن تمنحهم حق "الآدمية"، فهم كائنات تحمل من المخاطر ما يعكر صفو التجانس الثقافي والحضاري لهم!

ليست حياة اللاجئين والفارين بما تحمله من ظلم وقهر لعبة كما يدعون، فهم بشر لهم طموح وتوق لحياة ينبغي أن تكون مهمة، وأن تعامل بكل جدية واحترام على أنها قضية خلاص من الاستبداد والتهميش.

يطلق بعضهم وخاصة من دول الحراسة على تلك التجربة المرعبة، اسم اللعبة game، وهم يعرفون تماما أن تلك اللعبة تحصد الأرواح، وربما يلخص هذا الاسم بعضاً من منطق الاستهتار بحياة اللاجئين، واعتبار مسعاهم هذا ليس أكثر من لعبة! هذه اللعبة التي يمكن من خلالها وعبر التعامل مع هؤلاء اللاجئين إطلاق تصنيف جديد للدول، تصنيف جديد غير الدولة القومية أو دولة الأمة/ المواطنة، يميز بين ثلاثة أشكال منها:

الدول الطاردة والدول الحارسة/ المطواعة والدول السيدة/ الحاكمة، التي تشارك جميعها في قتل آمال وطموح الفارين -وهم بشر أولا وأخيرا يطمحون لحياة أفضل- بغض النظر عن نسبتهم في الجريمة التي تتلخص في تعاملهم اللاإنساني مع اللاجئين والعبث يحياتهم.

ليست حياة اللاجئين والفارين بما تحمله من ظلم وقهر لعبة كما يدّعون، فهم بشر لهم طموح وتوق لحياة ينبغي أن تكون مهمة، وأن تعامل بكل جدية واحترام على أنها قضية خلاص من الاستبداد والتهميش، وأولى الطرق لإنهاء تلك "اللعبة" كما يسمونها التوقف عن دعم أنظمة الاستبداد ودعم الشعوب للخلاص منها، وبالطبع التعامل مع حياة اللاجئين الفارين بأبسط معايير حقوق البشر، وهي حق الحياة في المكان الذي يعدونه آمنا.