شيربا مصيدة رفعت الأسد

2021.10.15 | 06:03 دمشق

image-5.png
+A
حجم الخط
-A

شيربا منظمة دولية أنشئت عام 2001 ووضعت على عاتقها حماية ضحايا الجرائم الاقتصادية والدفاع عنهم، يقول تقرير عملها الصادر في العام 2013 إن حافظ الأسد استولى على السلطة عام 1970، فحول البلاد إلى النظام الاستبدادي الذي يقوم على المحسوبية والفساد المنظم. وتحتل سوريا المركز 116 من أصل 189 على سلم التنمية البشرية للعام 2013، ما يعني أن معظم الناس يعانون من الفقر، فيما يسمح النظام لرجاله بمن فيهم شقيق الرئيس بتحقيق الثروة غير المشروعة، ثم يستدرك التقرير بقوله إن رفعت الأسد قد نفي من سوريا إثر انقلاب فاشل.

لاحقت المنظمة مسار رفعت الأسد واستفادت من انفراج في الحالة الفرنسية في ملاحقة المحتمين بها من فاسدي العالم الثالث، من مستعمراتها السابقة، فرفعت عدة قضايا ضد ساسة سابقين لاذوا بفرنسا ومعظمهم أفارقة، أما قضيتها ضد رفعت الأسد فقد رُفعت في العام 2013، كان النظام في دمشق في ذلك العام يحاول حماية نفسه من التهاوي، عندما بدأ أحد المدعين العامين الفرنسيين بتجميع خيوط القضية، وبدأ التحقيق فيها عام 2014 واستمر خمس سنوات، كانت شيربا تضع ملخصا للقضية في تقريرها السنوي، حتى صدر حكم أولي للقضية في حزيران من العام الماضي 2020، وكان من حق رفعت الأسد الاستئناف، فاستأنف القضية وغادر قبل يوم واحد من صدور الحكم الذي أيد سجنه لخمس سنوات ومصادرة أملاكه في فرنسا، والمقدرة بمئة مليون يورو.

لم يكن رفعت الأسد مجرد شقيق رئيس غادر منصبه مجبرا، بل كان "عضوا عاملا"، في كل الأعمال السوداء التي أثرت في تاريخ سوريا منذ العام 1963

تنظر دول الاتحاد الأوروبي في حالة المحكوم عليه قبل زجه في السجن وأغلب الظن أن رفعت الأسد فيما لو بقي في فرنسا فإنه لم يكن ليدخل السجن نظرا لكبر سنه، وهذه من الحالات التي يتعاطف فيها القانون مع المحكومين إذا كانت جرائمهم غير خطيرة..  تكلف القوانين نفسها وزرا مضاعفا، بإضافة حمولات أخلاقية شاقة على أحكامها، وهي أمام حالة من هذا النوع، ترى الرجل فاسدا، وقد قالت شيربا إن وظيفته التي كان يشغلها في سوريا لم يكن راتبها ليوفر له هذه الإمبراطورية العقارية التي تمرغ بها مع عائلته طوال خمسة وثلاثين عاما، ولا بد أنه جمعها من استغلال وضعه كشقيق للرئيس.. يبدو هذا الاستدلال بمنتهى السذاجة، وكذلك الحكم الذي تلقاه رفعت الأسد، وكذلك قصة العودة إلى سوريا، وصيغة "المرسوم" الذي ظهر على صفحات جريدة محلية سورية مصاغا على شكل خبر صحفي، بينما تفصيلاته تشبه المراسيم التي كان يصدرها سلاطين المماليك في حالة العفو عن أحد عبيدهم. تلاحق الأحداث بهذا الشكل يبدو كمسرحية كوميدية يجبر فيها المشاهد على الضحك ليجامل المخرج، وذلك نظرا للتاريخ الدموي لهذا الرجل ودوره السلبي في التاريخ وأثره الخفي الذي بقيت ظلاله في الساحة السورية حتى هذه اللحظة، فالتراث الذي يحكم به ابن أخيه الآن يرجع إلى الإرث السياسي الذي أرساه رفعت الأسد.

لم يكن رفعت الأسد مجرد شقيق رئيس غادر منصبه مجبرا، بل كان "عضوا عاملا"، في كل الأعمال السوداء التي أثرت في تاريخ سوريا منذ العام 1963، ومن منصبه العسكري الصغير المخبأ بعناية وسط زحمة الجيش، شارك بكل أعمال الاعتقال والسجن، والهجوم على قادته السابقين وهو السلوك الذي بات منذ العام 1970 سنّةً في الحكم.. بدا رفعت الأسد كالرجل الذي بيده مفاتيح الحكم، وتصرف على هذا الأساس منذ سيطرته على الحكومة، وعمق علاقاته في الجيش حتى كوّن ميليشياته، فقد كانت سوريا كما أعلنها بعثيو حافظ الأسد نظاما تملك فيه الدولة كل شيء ولا مكان للقطاع الخاص إلا في أضيق الحدود، بالمقابل كان رفعت وفي وسط هذه المعمعة اليسارية يكوِّن جيشا (قطاعا خاصا) لا يخضع إلا لأوامره ولا ينفذ إلا تعليماته المباشرة، وبواسطة هذا الجيش تم سحق المعارضين ونهب البلاد، وعلى هذا الأساس كان يجب أن تتم المحاكمة، لكن منظمة لطيفة مثل شيربا همها استدراج بضع ملايين مسروقة، بينما نحن بحاجة إلى استعادة آلاف الأرواح التي زهقت، وسنين طويلة من التنمية السالبة التي أعيدت فيها سوريا إلى عصر ما قبل اكتشاف الكهرباء.