مقدمات تدخل حافظ الأسد في لبنان.. والصداقة مع آل فرنجية

2022.06.15 | 06:53 دمشق

43787668_1169316476592365_6305152848275439616_n.jpg
+A
حجم الخط
-A

عند تسلم حافظ الأسد السلطة في سوريا في منتصف تشرين الثاني 1970، كان لبنان قد ارتبط باتفاقية القاهرة التي تنظم الوجود الفلسطيني على أراضيه، تلقف نظام الأسد هذه المعاهدة وسعى بقوة إلى وضعها في حيز التنفيذ وقد شعر بأن قرب المنظمات الفلسطينية من سوريا، وشكل الجغرافية بين سوريا ولبنان، سيعطيانه أفضلية هناك، وشعر أيضا بأنه يستطيع السيطرة على المنظمات، وتوجيهها وفق ما يرغب، وسوريا هي بوابة كبيرة للبنان، ومنها يمر كل شيء.

كانت استراتيجية النظام منذ ذلك الوقت هي السماح بالعمل العسكري المحدود ضد إسرائيل انطلاقا من الأراضي اللبنانية، وبرر ذلك بطبيعة وتضاريس المنطقة الحدودية التي تمنح أفضلية للمقاومين الفلسطينيين، كما كان مدخلا للتداخل في الشأن اللبناني الداخلي، من خلال مبررات ساقها النظام عن رغبته بتخفيف الضغوط التي يمكن أن يسببها الوجود الفلسطيني المسلح، وعرض قدرته على ضبط هذا الوجود وتوجيهه بطريقة لا تشكل عبئا مجتمعيا على الطبقة السياسية اللبنانية، خاصة بوجود بند في اتفاق القاهرة ينص على أن الفدائيين الفلسطينيين يستطيعون دخول الأراضي اللبنانية عن طريق دمشق فقط، وعبر وسائط برية فقط، فنسج النظام سلسلة معقدة من العلاقات مع طبقة الحكام اللبنانيين وبدأ باستمالة المنظمات الفلسطينية من خلال الحوار والإغراء بالتزويد بالسلاح، وطرح شعارات اليسار الجذابة التي كانت رائجة بقوة في ذلك الحين، وقد كان النظام يرغب في لعب هذا الدور ليجعل مساحته الدولية أكثر اتساعا، وليعطي لنفسه مركزا ثقيلا في شكل العلاقات مع إسرائيل، ويهيمن بقوة على الساحة اللبنانية والفلسطينية، ويجعلها جزءا من حديقة خلفية، أو بعدا استراتيجيا يمكن اللجوء إليه واستخدامه وقت الحاجة، بالإضافة إلى سبب شخصي هو زيادة قدرة قوات الأمن السورية على التحرك في لبنان لتأمين المعلومات عن أفراد المعارضة التي كانت بيروت ملاذا آمنا لهم، وتعج بيوتها وفنادقها بالعشرات منهم، بعضهم من تقليديي العهد الوطني والبعض الآخر من عسكريي الانقلابات الفاشلة، وجزء كبير من المثقفين والكتاب والصحفيين.

بدأ ذلك التحرك وببطء وصبر وقد كانت وفاة جمال عبد الناصر وهو الطرف الثالث الضامن لاتفاق القاهرة، مناسبة صالحة لنظام حافظ الأسد لاستغلال الظرف وقد سبقت هذه الحادثة جلوس الأسد على كرسي السلطة بتسعة وأربعين يوما فقطـ، فوجد نفسه في وسط الساحة وبيديه وسائط ضغط ومقايضة كثيرة، ولكنه فضل أن يبدأ بمعارضيه الأساسيين في داخل سوريا، فوجه باغتيال اللواء السابق محمد عمران، وقد كان يشغل منصب وزير الدفاع في آخر حكومة بعثية شكلها صلاح الدين البيطار، والتي دامت شهرا وثلاثة وعشرين يوما فقط، وحدث بعدها انقلاب صلاح جديد في 23 شباط 1966، شكل عمران مصدر خطورة حقيقية للأسد فقد كان حتى ذلك الوقت يحتفظ بعلاقات جيدة مع بعض قادة الوحدات والتشكيلات العسكرية وممن له ولاء لصلاح جديد الذي اعتقله الأسد في سجن المزة في تشرين الثاني 1970، وبعد تخلصه من أعدائه الداخليين دخل الأسد بوابة دامية مهدت لتاريخ حافل بالجريمة والتجاوزات طالت شخصيات وأحزابا وجماعات وحكومات أيضا.

كان التداخل حاسما في أيار 1973 عندما أغلقت سوريا الحدود مع لبنان بحجة أن القوات اللبنانية تمنع دخول الفدائيين الفلسطينيين إلى الجنوب، حيث فتح اتفاق القاهرة جبهة مع إسرائيل. كان إغلاق الحدود يحمل سببا "وطنيا" وجيها ولكن بعد أن حل اللبنانيون المشاكل العسكرية مع الفدائيين عام 1973 بقيت الحدود مغلقة لمدة ثلاثة أشهر ولم تفتح إلا بعد أن قايض الأسد السلطات اللبنانية على مجموعة من الشروط التي لا تخص القضية الفلسطينية ولا النضال الفلسطيني، فقد اشترط وقف الحملات الصحفية ضد سوريا في الصحف اللبنانية، وإصدار بطاقات ضمان للعامل السوري في لبنان، وكان عدد العمال السوريين آنذاك قرابة ربع مليون عامل، والحد من حركة المعارضين والناشطين السوريين الذين يتحركون داخل لبنان.

وافق الطرف اللبناني على كل هذه الشروط وفتحت الحدود وكانت النتيجة الأهم، هي تعارف سليمان فرنجية مع آل الأسد فقد أعطى حافظ الأسد موافقته على فتح الحدود لنجل الرئيس سليمان، وهو طوني فرنجية، وكان وقتها وزيرا للبريد والهاتف، وهي الصداقة التي أثرت في التاريخ السياسي اللبناني وانتقل إرث الصداقة في العائلة وانقلب إلى تحالف وثيق ما زال قائما حتى هذه اللحظة.