حين أوفد الأسد خدام إلى واشنطن.. وموقف كسنجر من التدخل السوري في لبنان

2022.06.27 | 07:02 دمشق

0bfbc8bd-c325-4cd6-97e6-92368fae9740.jpg
+A
حجم الخط
-A

بعد حرب تشرين عام 1973، بدا واضحا أن الرئيس المصري أنور السادات يرغب بالتوجه بقوة نحو الولايات المتحدة متجاهلا العلاقة مع السوفييت، هذه السياسة أدت بالضرورة للصدام مع نظام حافظ الأسد الذي كان الاتحاد السوفييتي يؤمِّن له ضمانة للبقاء، فهو المورد الحصري للسلاح والداعم الإقليمي، ومع انفراط العلاقة مع مصر واستحالة التوافق مع العراق، بقي لبنان ساحة متاحة يمكن للأسد أن يلعب فيها ويكسب النقاط مستغنياً عن أي تحالف مع مصر، البلد الإقليمي القوي، أو العراق الجار المنافس على الدوام، ومع انتقال النضال الفلسطيني العسكري بشكل كامل من الأردن إلى لبنان، أصبحت هناك فرصة إضافية للأسد ليكمل دائرة السيطرة على قضية عربية مؤثرة كان طيفها الإعلامي باتساع الشرق كله. في هذا الجو بدأت الحرب الأهلية اللبنانية أو ما عرف بحرب السنتين وهي عبارة عن صدامات مسلحة متفرقة، وتمترسٍ على خطوط تماس، تهدأ وتشتعل في ظروف أمنية منعدمة، حيث راج الخطف والخطف المضاد على خلفيات طائفية وعرقية، وظهر على السطح بقوة مصطلحا الشرقية والغربية، ووجدت أطراف إقليمية ودولية فرصةً سانحة للصراع على الأرض اللبنانية مستخدمة البعد المذهبي لتحقيق نقاط كسب، ومن هذه الجهات حلَّت سوريا وبالتحديد حافظ الأسد الذي يجيد اللعب بين الخطوط وفي أجواء مشبعة بضبابية الرؤيا، وكانت المشاركة على أرض لبنان أحد عوامل تثبيته على كرسي الحكم في دمشق، فقد كان مستعدا لتأدية دور أقرب إلى دور العميل للسوفييت، وإن كانت مطعما بالكثير من المصالح الشخصية التي مثلتها ميليشيات التهريب والإتجار بالعملة.

أعطت حرب السنتين فرصة للأسد ليشعب علاقاته بما يتجاوز الصلات السياسية مع صناع القرار والسياسيين اللبنانيين، وكانت الفترة السابقة قد أنتجت صداقة وتقاربا شديدا بين عائلة الأسد وعائلة فرنجية

أعطت حرب السنتين فرصة للأسد ليشعب علاقاته بما يتجاوز الصلات السياسية مع صناع القرار والسياسيين اللبنانيين، وكانت الفترة السابقة قد أنتجت صداقة وتقاربا شديدا بين عائلة الأسد وعائلة فرنجية، ولكن الانخراط كعضو عامل في الحرب اللبنانية وسَّع علاقته لتشمل رجالات الميليشيا وممثلي الطوائف وعائلات نافذة في كل المدن اللبنانية، وشعرت هذه القوى الفاعلة على تخوم السياسية بالحاجة للتقارب مع نظام يمتلك جيشا قويا ودعما من الكتلة الشرقية والاتحاد السوفييتي للإبقاء على مصالحها، والحفاظ على مكتسباتها وأموالها وموقعها داخل المجتمع اللبناني. رغم أن النظام السوري كان قد دخل من بوابة الدعم للفصائل الفلسطينية التي تناضل ضد العدو الإسرائيلي لكنه طور موقفه ليلعب دورا توافقيا بتقريب وجهات النظر بين الجانب الفلسطيني وبقية الأطراف اللبنانية، التي وقف بعضها مع الفلسطينيين وهم المسلمون واليسار، ووقف البعض الآخر معارضا لأي عمل عسكري فلسطيني انطلاقا من الأرض اللبنانية وهم بالمجمل المسيحيين واليمين، وأعلن عن دوره كوسيط بتقديم مبادرة الوثيقة الدستورية في أوائل عام 1976، وأظهر فيها النظام نفسه كالحكم أو المصلح الحريص على إقامة السلام، وكانت الوثيقة قد انبثقت عن لقاء تم بين الأسد وفرنجية عُقد في دمشق، وأعلن عنه فرنجية في بيروت، وجاء نتيجة للصداقة التي تعمقت بين الرجلين. ولكن وثيقته هذه ما لبثت أن فشلت ووجد النظام نفسه في مواجهة عسكرية مع الطرف الذي أعلن أنه تدخل من أجله، وهو المنظمات الفلسطينية التي كانت مدعومة من العراق ومصر وليبيا ومن خلفهم كمال جنبلاط، وقد تكون هندسة هذا التدخل قد حصلت في وقت أبكر فقد زار عبد الحليم خدام واشنطن في التاسع عشر من حزيران عام 1975 ودامت زيارته عدة أيام وشكلت تلك الزيارة لغطاً لأن خدام كان يُفترض أن يكون في ذلك التاريخ في بيروت.

الغزل الغريب ظهر في إفادات قدمها هنري كيسنجر للجنة من لجان الكونغرس الأميركي في نيسان 1976، فقد طلب منه أن يعلق على الأنباء التي راجت بشأن الطلب السوري من الفاتيكان والحكومة الفرنسية أن يتدخلا لدى الجانب الإسرائيلي لعدم التدخل عسكريا فيما لو أرسلت سوريا جيشها إلى لبنان

الغزل الغريب ظهر في إفادات قدمها هنري كيسنجر للجنة من لجان الكونغرس الأميركي في نيسان 1976، فقد طلب منه أن يعلق على الأنباء التي راجت بشأن الطلب السوري من الفاتيكان والحكومة الفرنسية أن يتدخلا لدى الجانب الإسرائيلي لعدم التدخل عسكريا فيما لو أرسلت سوريا جيشها إلى لبنان حينها قال كيسنجر إنه يفضل أن يجيب عن هذا السؤال بشكل سري، ولكنه يرى أن تصرف السوريين حيال لبنان تميز بروح "المسؤولية" والحفاظ على سلامة الطوائف! وهو، أي كيسنجر، لا يؤيد التدخل الخارجي ولكنه يرى أن الدور السوري هو دور بناء.. كانت هذه الكلمات مطمئنة للنظام الذي ضمن الاتحاد السوفييتي كمورد للسلاح وداعم لمواقفه، وضمن أميركا من خلال كلمات وزير خارجيتها، وكان قد تلقى تطمينات إسرائيلية وأصبح الطريق "العسكري" نحو بيروت آمنا ومتاحا.

كلمات مفتاحية