بماذا سيتهم النظامُ حراكَ السويداء؟

2022.02.13 | 05:33 دمشق

whatsapp_image_2022-02-11_at_12.46.22_pm.jpeg
+A
حجم الخط
-A

استسهل النظام على مدى أحد عشر عاماً النيل من سلمية وعدالة الثورة السورية حيث وصفها منذ أيامها الأولى على لسان بثينة شعبان بالحرب الأهلية والطائفية للنيل منها وتشويهها وتبرير جرائمه بحق كل من آمن بها وسار في ركابها.

لكن انخراط كوادر وناشطين ومفكرين ورموز لا يمكن للنظام أن يتهمهم بالإرهاب أو الأصولية كان يقلقه ويكذِّب ادعاءاته، كما أن أي حراك في مناطق لا يعرف النظام كيف سيفتري على ثوارها ولا يمكنه تصنيف من يسيرون فيها ويسيِّرونها على أنهم جماعات أصولية أو تكفيرية أو إرهابية كان يصيبه بحالة من الهستيريا، لذلك كان لزاماً عليه خلق كيانات من طينته يحارب من خلالها الشعبَ الأعزلَ ويجعل منها الحجة أمام المجتمع الدولي لإجهاض الثورة والقضاء عليها.

أحرجت هذه المظاهرة النظام لأنه عجز عن وسمها بالإرهاب، وما زاد طين النظام بلة أن المتظاهرين يمثلون كل سوريا وكل السوريين

في الثالث عشر من شهر تموز العام 2011 انطلقت من أمام جامع الحسن في حي الميدان الدمشقي مظاهرة تقدمها ثلة من المثقفين والفنانين الذين التزموا مطالب الشعب كان بينهم المرحوم خالد تاجا، والمرحوم نبيل المالح، والمرحومة مي سكاف، بدأت المظاهرة بترديد المتظاهرين للنشيد الوطني ثم الهتافات التي دأب السوريون في كل أرجاء البلاد على ترديدها "الله سوريا حرية وبس" "واحد واحد واحد الشعب السوري واحد" ولِما كان في هذين الهتافين من أثر موجع على النظام لأن مفهومَي حرية الشعب ووحدته هما الهدفان الحقيقيان لآلة قمعه، فقد تصدت القوات الأمنية للمتظاهرين واعتقلت 20 متظاهرة ومتظاهراً، كان من بينهم الأخوان ملص، وريما فليحان، والمرحومة مي سكاف، ويم مشهدي، وفادي زيدان، ونضال حسن، وسارة الطويل، وإياد شربجي، وغيفارا نمر، ومحمد زاكر الخليل وآخرون.

أحرجت هذه المظاهرة النظام لأنه عجز عن وسمها بالإرهاب، وما زاد طين النظام بلة أن المتظاهرين يمثلون كل سوريا وكل السوريين، الأمر الذي أرغمه على تحريرهم، لكنه بالمقابل كثف مضايقتهم وملاحقتهم وتهديدهم بالقتل حتى غادروا البلاد جميعاً.

في السابع من حزيران العام 2020 انطلقت في مدينة السويداء مظاهرات طالبت بالكرامة والعيش الآدمي والعدالة والمساواة وتصاعدت المطالبات حتى وصل سقفها إلى المطالبة برحيل النظام، وقد عجز النظام حينها عن وصف المتظاهرين بالإرهاب لأنهم كانوا سلميين تماماً وغير مسلحين، وكانوا للتو قد واجهوا دواعش النظام شرقي المدينة وقدموا في معركتهم التي فرضها النظام عليهم مئات الضحايا، فما كان منه إلا أن أمر شبيحته بقمع التظاهرات وتنظيم مسيرات (عفوية) مقابلة اعتقل على إثرها متظاهرين وناشطين.

وبعد تجدد الحراك المدني السلمي في السويداء شهر شباط الجاري سَيَّرَ النظام قواته وعصابات حلفائه باتجاه السويداء، طوقها وهدد أهلها بدواعشه، لكن الأهالي لم يوقفوا الحراك بل خرجوا وتابعوا وقفاتهم الاحتجاجية في تَحَدٍّ واضح لآلة قمع النظام التي خبرناها منذ أربعين عاماً في مجزرته بحق أهالي مدينة حماة شباط العام 1982، ما يشير إلى أنه لا يمكن أبداً المراهنة على هذا النظام الذي أسس أصلاً على القمع والإلغاء والقتل، ولا يمكن أن يُؤْتَمَنَ جانبه لأنه لن يتردد بضرب أي مكون سوري يحاول أن يقف في وجهه، لكن ما يدفع باتجاه الظن أنه لن يرتكب حماقة ويضرب المتظاهرين في السويداء هو خلو يده من حجة يقدمها للمجتمع الدولي، لأن هذا الأخير الذي لطالما نافق وغض الطرف عن جرائم ومجازر النظام بحق الشعب السوري الأعزل في مناطق أخرى من سوريا متستراً بأكذوبة محاربة الإرهاب سيكون محرجاً ولن يقبل أبداً هذه الفرية في السويداء لأنها منطقة أقليات حسب تصنيفات لغة السياسة وتصنيفات العالم المنافق ذاته، لاسيما وأن النظام يقدم نفسه إلى العالم على أنه الحامي والحاضنة لهذا المكون الأقلوي ولسواه من باقي الأقليات.

فرية (التعامل مع العدو الإسرائيلي) الحجة الذهبية التي يمكن أن يشهرها النظام (الممانع) متى شاء، وبالفعل أطلق النظام هذه الفرية ضد المتظاهرين في السويداء

إذاً... بماذا سيتشدق النظام؟ وكيف سيشيطن هذا الحراك؟ وهل ثمة وضيع واحد يمكن أن يخضع لإرادة النظام ويعتدي على الحراك أو يشارك في تشويهه؟ وبأي لسان سوف يخاطب النظامُ العالمَ فيما لو ضرب السويداء؟

لكنْ تبقى فرية (التعامل مع العدو الإسرائيلي) الحجة الذهبية التي يمكن أن يشهرها النظام (الممانع) متى شاء، وبالفعل أطلق النظام هذه الفرية ضد المتظاهرين في السويداء على لسان بثينة شعبان مرة ثانية، لكن تلك الفرية البائسة باتت اليوم أكذوبة الأكاذيب لأن التعامل مع إسرائيل بات أسلوب حياة عند الكثيرين من العرب فتجاوزت بذلك حدود العار ولم تعد ادعاءً كافياً لقمع حراك ثوري. كما أن النظام لا يملك أن يتهم غيره بالتعامل مع إسرائيل لأنه غارق أصلاً في هذا الوحل، فبماذا سيتهم النظامُ الحراكَ في السويداء؟