انتفاضة السويداء.. بانوراما الثورة السورية

2023.08.25 | 06:09 دمشق

آخر تحديث: 25.08.2023 | 06:09 دمشق

السويداء
+A
حجم الخط
-A

لم تأتِ انتفاضة أهالي السويداء في شهر تشرين الثاني من العام 2000 عفو الخاطر، ولم يكن لها أن تحدث لولا أن الأهالي -كسائر السوريين- يحملون، بل يحقدون على النظام وينتظرون اللحظة التي يتمكنون فيها من إزالته، حينئذ لم يتردد النظام في تجريد حملة عسكرية كبيرة لقمع عصيان المدنيين بعد أن كانوا قد احتلوا مبنى المحافظة وطردوا المحافظ وحاشيته، ولم يكن ذلك مستهجناً البتة، لا بل كان متوقعاً من نظام لم يتوانَ عن قتل عشرات الآلاف من أهل مدينة حماة في شباط من العام 1982 عن سابق نية وتصميم وتخطيط.
وعند اندلاع الثورة السورية آذارَ عام 2011، ظلت السويداء على خط الثورة منذ انطلاقتها، بإيقاعها الخاص وبوتيرتها التي تراوحت بين التظاهرات والاعتصامات والبيانات، انتهاءً برفض الانخراط في صفوف جيش النظام درءاً للمشاركة في قتل الأشقاء بحمايةٍ ودعمٍ من فصيل رجال الكرامة ومؤسسه الشيخ وحيد البلعوس الذي قضى بحادث اغتيال مروع، هو النسخة الثانية لجريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري.
ودأبت السويداء على التذكير دوماً بحضورها وانتمائها للشعب السوري المقموع ولثورته المحقة والعادلة ولمطالبه المشروعة في العيش بحرية وكرامة وسلام. لكن النظام كان كل مرة يستخدم أدواته التقليدية التي اعتادها السوريون لقمع الحراك في السويداء، من اعتقالات واغتيالات وتسليط شبيحته وكوادر بعثه ومحازبيه من أهل الجبل.
ومع مرور السنين على الثورة السورية، وانهيار النظام اقتصادياً، أخذت الحالة المعاشية تتردى، الأمر الذي وَسَّعَ قاعدة المعارضة وجعل حاضنة النظام تتآكل، ما سمح بظهور حراك نوعي في السويداء تصاعدت فيه حدة الشعارات وتزايد فيه عدد المتظاهرين شيئاً فشيئاً حتى شباط من العام 2022، إذ احتلّ المتظاهرون مبنى المحافظة وكرروا إنجاز تشرين الثاني من العام 2000.
لكن انتفاضة السويداء في العشرين من آب من العام 2023 كانت بانوراما حقيقية للثورة السورية، أعادت إلى أذهاننا براءة حمزة الخطيب ووردة غياث مطر وابتسامة باسل شحادة وقطار صلاح صادق ويمام ثامر العوام وأناشيد الساروت وغنائيات القاشوش وعنفوان مَيْ وضحكة فَدْوى ووطنية أبي الفرات وثبات حَجِّي مارع، لأن أهل السويداء أعادوا على مسامعنا كل هتافات الحرية ورفعوا كل شعارات الثورة وطالبوا بإسقاط النظام وبتطبيق القرار 2254 الذي كان ثمنه دماء زكية طاهرة لشعب طالب بالحرية والكرامة، ودبكوا كتفاً بكتف وأرادوها سلمية، وكأننا نرى اليومَ جُمَعَ انطلاق الثورة السورية من جديد.
ولعل التفاف الهيئة الروحية حول مطالب الشعب أهم ما يميز انتفاضة السويداء الأخيرة، وهو أمر ذو قيمة في الجبل، وقد تبدّى ذلك الالتفاف في بيان عن شيخ عقل الطائفة حكمت الهجري أيَّدَ فيه مطالب ليس فقط أهالي السويداء بل مطالب الشعب السوري بكامله، منوهاً بالدور الذي لعبته الثورة في مهدها وحواضنها على مدى اثني عشر عاماً في التعبير عن آمال وتطلعات كل الشعب السوري، وقد وصل الأمر إلى انخراط عشرات شيوخ الدين في التظاهرات.
يبقى السؤال: إلى متى يبقى الحراك مستعراً؟ وهل سوف يمتد هذا الحراك إلى باقي المدن السورية -خاصة تلك التي ما زال النظام يحكمها؟- وما تداعيات ذلك الحراك محلياً وإقليمياً ودولياً؟
أيّاً تكن الإجابات على تلك التساؤلات، هي صفعة جديدة لهذا النظام الوقح، ولا بد من صفعه كل يوم كي لا يلتقط أنفاسه ويبقى على أهبة السقوط.
من: "يا الله ويَلِّي حاجزاً موج البحر
يا مِعْتِلي لِنَّكْ دَعانا تِسْمَعِ"
بدايات القرن العشرين.

وعلى الإيقاع ذاتِه:
"عاشَتْ سوريّا ويسقط بشار الأسد
سوريّا لينا وما هي لبيت الأسدْ" آب العام 2023.
ما زال الشعب يهزج ويرقص ويعانق الحرية.
يبقى أهمّ سؤال في هذا المقام: في أي حضن سوف يرتمي السيئ الرئيس اليوم؟ هل ثمة أحضان تقبله بعد اليوم؟ حتى أحضان أبناء الساحل السوري أصبحت شوك سياءة الرئيس.