المرأة السورية بين الجندرة وتكافؤ الفرص

2021.04.03 | 06:59 دمشق

original.png
+A
حجم الخط
-A

مع انطلاقة الثورة السورية العظيمة بدأت تتبلور في المجتمع السوري تنظيمات نسوية بصوت مرتفع مسموع وواضح، بعد أن احتكرت السلطة على مدار عقود تمثيل المرأة السورية من خلال تنظيم خشبي كانت تستخدمه كديكور وأداة من أدوات السلطة حتى أصدر رأس الطغمة الحاكمة المرسوم ٣٣ لعام ٢٠١٧ الذي أمر بحل تنظيم الاتحاد النسائي وبتصفية ممتلكاته لصالح وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وتسوية وضع العاملين في الاتحاد حسب المادة الخامسة من المرسوم رقم خمسين لعام ٢٠٠٥.

التنظيمات النسوية تحمل طابعاً حقوقياً أكثر من أن تحمل طابعاً سياسياً أيديولوجياً

لكن ما حصل مع النسويات لم يختلف عن كثير من التنظيمات السياسية السورية مع انطلاق الثورة رغم أن الهدف الذي ينشده الجميع واحد على الغالب وهو دولة مدنية ديمقراطية حديثة، إلا أن اختلاف أساس التنظيمات السياسية تبعاً للأيديولوجيات التي أسست عليها جعلت منها ناظماً لعملها وجعلت المشهد يغص بعشرات التجمعات على شكل أحزاب وتيارات وهيئات تبدو متنافسة رغم أنها جميعا تحمل ذات الأهداف، في حال استثنينا تنظيم الإخوان المسلمين الذين يختلفون عن باقي الأحزاب بالأهداف والشعارات.

لكن التنظيمات النسوية تحمل طابعاً حقوقياً أكثر من أن تحمل طابعاً سياسياً أيديولوجياً، فهي تنظيمات ترفع شعاراً واحداً وهو حقوق المرأة السورية لذلك نجد غرابة في تعدد الهيئات في هذا المجال، فهذه التنظيمات لا تحمل بذاتها أجندة سياسية وإن كان من حقها دعم هذا الحزب أو ذاك من خلال تبني هذا الحزب رؤية تدعم المرأة وتساند حقوقها القانونية، فلم نسمع عن منظمة نسوية اشتراكية أو منظمة نسوية ليبرالية فجميع الشعارات التي سمعناها شعارات حقوقية وغالبها محق.

إن تعدد هذه المنظمات على نحو واسع يبعث المراقب على الشعور بوجود تنافسية غير مفهومة بين هذه التنظيمات هذا من جانب، ومن جانب آخر نرى وعلى مدار عشرة أعوام حلقات نقاش واجتماعات وبيانات من مختلف هذه التنظيمات وجميعها تعالج حدثاً آنياً ولم يحصل أن شاهدنا ورقة بحثية قانونية ناجزة تحدد احتياجات المرأة القانونية والتشريعية أو صيغة قانونية لمشروع قانوني يخص النساء يتم تقديمه للجنة الدستورية لتتم مناقشته وإقراره ليصبح تشريعاً محمياً بالدستور، فهل تحتاج مثل هذه الورقة أو البحث عشر سنوات من النضال لعدد كبير من التنظيمات النسوية؟

من جانب آخر برزت في السنوات الماضية أصوات لبعض الشخصيات النسوية تصور أن الرجل بطبيعته عدو للمرأة ومصادر لحقوقها على نحو عدائي، وتجعل النسوة فريقا والرجال فريقا آخر، ومحاولة تأطير الفريقين على شكل ثنائية تنافسية وهذا غير صحيح أو غير مجدٍ، في حين سعى فريق من النسوة نحو فرض كوتا نسائية وزاد هذا السعي بعد أن حدد المبعوث الأممي السابق ستيفان ديمستورا نسبة مئوية لمشاركة المرأة، بل ذهب لأكثر من ذلك حين قام بتشكيل مجلس استشاري نسائي وفرضه على السوريين نساءً ورجالًا مما عزز الشعور بأن السوريين يقفون عائقاً في وجه حقوق المرأة، وأن السيد ديمستورا أتى ليحمي النساء السوريات من أبنائهن وأزواجهن وإخوتهن.

على المجتمع كاملاً رجالاً ونساء السعي من أجل تمكين المرأة من خلال التعليم وإيجاد التشريعات اللازمة لصون حقوقها

إن فرض كوتا نسائية عددية محددة في أي مجال من المجالات ليس في مصلحة المرأة أولاً وليس في مصلحة المجتمع ثانياً، فالأجدر أن يكون مبدأ تكافؤ الفرص هو الفيصل في قضية التمثيل وليس الجنس، لأن تحديد كوتا نسائية يصل بالمرأة إلى مجرد ديكور لهذه المؤسسة أو تلك، فهي موجودة فيها لكونها امرأة وليس لكونها الأكفأ، ووجود المرأة بناءً على كفاءتها أفضل من وجودها بناء على هويتها الجنسية.

على المجتمع كاملاً رجالاً ونساء السعي من أجل تمكين المرأة من خلال التعليم وإيجاد التشريعات اللازمة لصون حقوقها في العمل والمنزل على قدم المساواة مع الرجل، وبعد ذلك دخولها إلى سوق العمل والسياسة كندٍّ منافس للرجل بعلمها وكفاءتها وليس من خلال جائزة ترضيه يمنحها إياها الرجل عبر كوتا عددية لتبقى المرأة بلا فعالية تذكر، ما نريده هو وجود حقيقي وفاعل للمرأة انطلاقاً من مخيمات الشتات وصولاً إلى سدة السلطة والقرار.

كلمات مفتاحية