أسد أم خيال مآته؟

2021.03.20 | 06:30 دمشق

p1.jpg
+A
حجم الخط
-A

حالة نادرة الحدوث بل إنها غير مسبوقة في التاريخ فقد وصلت درجة إلى أن يخرج إعلامي على شاشات الطغمة الحاكمة كي يوجه نداء علنيا يناشد من خلاله المسؤولين أن يخرج واحد منهم للناس ويتحدث لهم عن مأساتهم وآفاق الحل.

جميع مسؤولي الطغمة الحاكمة يتهربون اليوم من الظهور العلني على وسائل الإعلام من أصغر مسؤول وحتى رأس الهرم الذي غاب عن المشهد كلياً حتى قبل أن يشيع بأنه مصاب بالوباء، والسبب هو أنهم لايعرفون ماذا يمكن القول للجمهور بعد أن ساهموا بشكل مباشر وغير مباشر بالمقتلة السورية على مدار عشر سنوات وأوصلوا البلاد إلى المجاعة الحقيقية.

منذ أسابيع ثلاثة وعشرات من شاحنات الغذاء واللباس والمستلزمات الضروريه لحياة الناس محجوزه على نقطتي عبور سوريا مع كل من لبنان والأردن وضمن الأرض السورية، أي أنها نظامية ومستوردة أصولاً ودخلت حدود البلد الرسمية ليتم احتجازها من طرف أجهزة النظام ومنع وصولها للأسواق دون أي مسوغ قانوني أو إداري، وهذا يقودنا للسؤال: من الذي أمر باحتجاز الشاحنات؟ ولماذا؟

الذي اتخذ القرار كان تحالف الجهات الأمنية مع تجار الحرب الأثرياء الجدد وذلك من أجل الحفاظ على أسعار مرتفعة في الداخل من خلال تقليل العرض ففي حال أدخلوا الشاحنات يخافون أن تتم حالة إغراق للسوق وتنخفض الأسعار وتالياً الأرباح فالذي يدير اقتصاد سوريا اليوم هم حفنة من تجار قد توازعوا السلع فيما بينهم وكل منهم تقف خلفه جهة أمنية تحميه وحتى دون أن يحميهم أحد لايستطيع رئيس البلاد أن يحاسبهم الآن وهم نافذته الاقتصادية مما حوله لمجرد دمية أو خيال مآته.

الطغمة الحاكمة ومن خلال رفضها لأي شكل من أشكال الحل السياسي وإصرارها على الحل الدموي من خلال جيش النظام والميليشيات الطائفية المتحالفة معه وشركة فاغنر الروسية دمر كل مقومات الدولة السورية الاقتصادية والصحية والتربوية والاجتماعيه ولَم يبق اليوم سوى البنية الأمنية للنظام وأصبحت سوريا إلى حد بعيد مثل هيكل سيارة بلا محرك.

من الغريب أن يغيب رأس السلطة عن المشهد والبلاد تسير بتسارع نحو الهاوية ولاسيما أن غيابه يبدو وكأنه يعطي مساحةً للطرفين الروسي والإيراني للظهور على حساب السيادة الوطنية التي وللأسف يمثلها شخصه، وغيابه ليس على مستوى الوضع الداخلي للبلاد الذي بات يغص بالجرائم والسلب والنهب وانتشار عصابات قطاع الطرق وإنما أيضا غياب عن المشهد بما يخص القصف الإسرائيلي المتكرر والمتواتر للأراضي السورية بصفته قائداً عاماً للجيش والقوات المسلحة بطريقة مذلة ومهينة على النحو الشخصي والوطني.

روسيا تنظر للأسد كورقة تفاوضية مع الطرف الأميركي حول قضايا أوكرانيا والقرم وخطوط إمداد الغاز، أما إيران فجعلته ورقة تفاوضية في أي مفاوضات محتملة مع الطرف الأميركي والأوروبي بما يخص  ملفها النووي

مما يؤسف السوريين هو أن يتحول رئيس البلاد والحاكم المطلق بصفته زعيماً للحزب الحاكم وقائداً عاماً للجيش ورئيسا لمجلس القضاء الأعلى من رمز كونه أحد رموز السيادة الوطنية إلى مجرد ورقة تفاوضية بين أطراف دولية على قضية لا تخص سوريا، فروسيا تنظر للأسد كورقة تفاوضية مع الطرف الأميركي حول قضايا أوكرانيا والقرم وخطوط إمداد الغاز، أما إيران فجعلته ورقة تفاوضية في أي مفاوضات محتملة مع الطرف الأميركي والأوروبي بما يخص  ملفها النووي وقد فعلت هذا وجربته ونجحت مع الإدارة الأميركية الديمقراطية سابقاً إبان فترة الرئيس باراك أوباما حيث كان جزءا من ثمن إطلاق يد إيران في المنطقة.

فترة عصيبة تمر بها سوريا سواء من ناحية الطغمة الحاكمة أو لجهة المعارضة المستمرة بمعارضة بعضها البعض والمواطن السوري وحده من يدفع الثمن سواء كان في الداخل أو الشتات، فترة يشغل فيها مقام الرئاسة خيال مآته.