الصين وتصفير المشكلات

2023.04.01 | 06:25 دمشق

الصين وتصفير المشاكل
+A
حجم الخط
-A

ما انفكت الصين وهي تبادر عبر دبلوماسيتها ممثلة بأعلى رجالات الدولة فيها، إلى التنقل عبر عدة محاور في العالم من أجل القيام بدور إيجابي من أجل التهدئة العالمية، فالصين تدرك جيداً أن العالم المعاصر حالياً لا يتحمل اندلاع حرب كبرى بين القوى الكبرى، فأي مغامرة مثل هذه قد تطيح بها، فالشكل الذي ارتضته قيادة الصين منذ أربعين عاماً، هو أن تصبح مصنع العالم وأكبر جهة لتوريد البضائع في الكوكب، وبالقدر ذاته الذي يحتاجها العالم فهي كذلك تحتاج للاستقرار العالمي، المتمثل في ثبات خطوط التوريد والإمداد إلى الأسواق الأوروبية والعالمية، وبالعكس عبر استمرار حاجتها الكبرى للطاقة ممثلة بالغاز والنفط والمواد الأولية الأخرى.

فقيامة الصين الاقتصادية أنقذت 450 مليون إنسان من خط الفقر الصيني، وأدخلتهم في سوق الخدمة العالمي، لذلك فإن الإمبراطورية كثيفة السكان لن تتحمل كساداً في سوق العمل يجعل مئات ملايين العمال بلا وظيفة وبالتالي ستتراكم ديونهم وأقساط قروضهم دونما سداد مما سيؤدي إلى انهيار البنوك الصينية وبالتالي الاقتصاد الصيني، ولربما جزء أساسي من الاقتصاد الأسيوي.

تخطط الصين لبناء أسطول من حاملات الطائرات، ولزيادة قنابلها النووية إلى 1500 رأس خلال 30 عاماً، إضافة إلى تعزيز دورها التكنولوجي والسياسي في العالم

الاستقرار إذاً هو الحل، والتهدئة ستكون بديلاً جيداً عن المواجهة، فالصين تعد لمستقبلها بهدوء شديد، وتبني قدراتها العسكرية بتؤدة، تخطط الصين لبناء أسطول من حاملات الطائرات، ولزيادة قنابلها النووية إلى 1500 رأس خلال 30 عاماً، إضافة إلى تعزيز دورها التكنولوجي والسياسي في العالم، لذلك هي تحتاج مزيداً من الوقت لتعد لانقلابها على النظام العالمي الجديد الذي يترقبه الكثر من المحبطين من أداء الولايات المتحدة والغرب.

كانت مبادرة الصين في أفريقيا مهمة لجهة التهدئة في قضية سد النهضة، وبالمثل كانت المفاجأة هائلة بوصولها إلى إعلان نوايا تاريخي بين إيران والسعودية، يتمثل بضمانات صينية كبيرة تلجم الطموح الإقليمي لإيران في الشرق الأوسط وضمان مبدأ سيادة الدول، والتحول من الثورة إلى الدولة في إيران، وبالتالي ضمان عدم تهديد نظامها من السقوط.. عبر الانفراج الاقتصادي.

لاقت تلك المبادرة الصينية استحساناً دولياً، لجهة ضمان عدم حدوث مواجهة جديدة في الشرق الأوسط، لإنهاء صراع استمر أربعين عاماً بين الطرفين، دمرت إيران عبره الشرق الأوسط حرفياً، عبر انتشار ميليشياتها في الدول العربية.

وبعدها بأيام أصدرت الخارجية الصينية بياناً كان مرحباً به من موسكو وهو عبارة عن مبادرة صينية للتوسط من أجل حل الأزمة الروسية الأوكرانية، عبر ذات المبدأ والطريقة، مبدأ احترام سيادة الدول، وتفضيل الحل السياسي على الحل العسكري، رحبت روسيا بالمبادرة وناقشتها مع زيارة الرئيس الصيني لموسكو، لكن الغرب أصر على تجاهلها واعتبارها غير ذات قيمة. فهو لا يريد أن يمنح الصين قصب السبق في حل المشكلات العالمية، وخصوصاً بالمشكلات التي ترتبط بالغرب.

فإن كان هنالك نية للحل مع روسيا فقطعاً ستكون العلاقة الروسية الصينية على طاولة الحل الأوكراني، إذ إن الغرب لن يسمح بنشوء تكتل جيوسياسي يضم الصين وروسيا للهيمنة على العالم.

والصين ذاتها تتفادى إقحام نفسها في حلف مع الروس في مواجهة الغرب، لكنها في الوقت ذاته تحاول الاستفادة القصوى من الواقع الصعب للطرفين من أجل الحصول على عقود أفضل من بوتين خاصة في ما يتعلق بالطاقة، ولا تمانع في خضوع أوروبا لضغوط اقتصادية ومالية وسياسية بسبب الحرب الأوكرانية.

المتحدث باسم وزراة الدفاع الأميركية تحدث عن خطة صينية للسيطرة على غربي المحيط الهادي، وبحر الصين بالكامل في غضون عشرين عاماً، ولا يستبعد مواجهات صينية مع تايوان وفيتنام والفيليبين وربما أستراليا. اليابان استعادت قدرتها على الفكاك من قيود هزيمة الحرب العالمية الثانية، وهي قادرة على إنتاج رؤوس نووية خلال ستة أشهر، برفقة أستراليا وكوريا الجنوبية، فإن كانت الصين وأداتها العدائية كوريا الشمالية، ترغب في التصعيد مع الغرب، فإن الرد الإقليمي سيكون في سباق تسلح نووي ينهك الجميع، ولا مانع أمام حكومة اليابان وكوريا الجنوبية وحتى ألمانيا أيضاً في العودة إلى التسليح وبناء جيش عصري متطور للوقوف في وجه التحديات الجديدة.

تبقى معضلة الهند وباكستان وموقفهما من الصين وروسيا والغرب هي بيضة القبان، فالصراع الهندي الصيني قديم ولا يمكن تبريده أبداً، فهو يتعلق بالعقيدة التي بني عليها أكبر جيشين في أسيا. بينما الباكستان تبدو منهكة ومتعبة من الواقع السياسي الداخلي المضطرب، ومنهكة من مشكلات أفغانستان وطالبان، ومنقسمة بشكل لا مثيل له بين تحالفاتها التقليدية مع العربية السعودية وأميركا، وطموحها التنموي المرتبط بكونها جزءاً أساسياً من الحزام والطريق الصيني، عبر الاستثمار الهائل للصين في أراضيها.

تبدو العجلة الصينية في صعود كبير في العقد الأخير، ولكن الترابط العالمي الكبير والمثير للاهتمام، يجعل من التفرد الصيني في الملفات الدولية عملية صعبة

لذلك فإن أرادت الصين القيام بأدوار دبلوماسية مع الأطراف الدولية المتعددة، يبنغي عليها استدراك ملفاتها الداخلية.

تبدو العجلة الصينية في صعود كبير في العقد الأخير، ولكن الترابط العالمي الكبير والمثير للاهتمام، يجعل من التفرد الصيني في الملفات الدولية عملية صعبة في ظل عدم التوافق مع الغرب. فقد لا يكون كافياً امتلاكك رغبة في تصفير مشكلات الآخرين من أجل مصالحك الخاصة، في ظل وجود عنصر معطل دولي قوي وصاحب علاقات نافذة.