الدستور ودور شباب الثورة

2020.08.25 | 16:21 دمشق

qrat-fy-alwaq-alsyasy-fy-swrya-mndh-bdayt-althwrt.jpg
+A
حجم الخط
-A

كلما انطلقت جولة جديدة للجنة الدستورية؛ عادت بي الذاكرة لأيام ما كنت يافعة، واستعرضتُ في مخيلتي المسرحية الهزلية التي مَثلّها ما يسمى مجلس الشعب لتعديل الدستور خلال دقائق ليستولي بعدها بشار الأسد على السلطة.

فرغم أن نظام الأسد الأب والابن دكتاتوري قائم على القهر والإجرام، ورغم سيطرته التامة على جميع مفاصل الدولة ومؤسساتها؛ فقد احتاج شكليا إلى تعديل الدستور لشرعنة استيلائه على الحكم، ولأن الدستور هو الركن الأساسي لبناء الدول ولا شرعية لحكم إلا بوجوده، حتى وإن كان صورياً.

بالتأكيد الدولة ليست دستوراً فحسب، ولكن الدولة مؤسسات وقانون وعمل سياسي وأحزاب وإعلام حر، لكن يبقى الدستور بوابة العبور نحو الدولة الحديثة وأساس العقد الاجتماعي الذي من خلاله تتم صياغة العلاقة بين مكونات المجتمع من جهة، وبين الدولة والمجتمع من جهة أخرى، وخاصة في حالتنا السورية، حيث يبقى الدستور خطوة مهمة من خطوات عديدة في طريق الانتقال السياسي وفق القرارات الدولية ذات الصلة بالشأن السوري وعلى رأسها القرار 2254.

عشرة أعوام والثورة السورية مستمرة، والسوريون والسوريات منتشرون في أصقاع الأرض بعد أن شردهم وقتلهم مجرم العصر، والبلد مدمر وخالٍ من نصف سكانه والاقتصاد منهار، ما أدى إلى تدويل القضية السورية ووصولها إلى أروقة السياسية العالمية ومجلس الأمن والأمم المتحدة، حيث نصت القرارات الدولية على ضرورة الحل السياسي فكانت البداية في العمل على صياغة دستور جديد.

وهنا أعود لبداية كلامي، ملايين الشباب والشابات كانوا حامل الثورة الأساسي وعماد حراكها السلمي، لكن للأسف لم يكن حضورهم يماثل تضحياتهم في الثورة ومكانتهم ودورهم في مستقبل سوريا، فقد تم تغييبهم عن العمل السياسي؛ لأسباب كثيرة ليست محور حديثي الآن، فماذا نريد نحن الشباب والشابات، أبناء وبنات الثورة من هذا الدستور؟ لا بد من القيام بخطوات عدة على رأسها مد جسور التواصل مع الشباب والاستماع لأرائهم وأخذها بعين الاعتبار وإشراك هذه الفئة الشابة بصياغة دستور سوريا الجديد ليعبر عن تطلعاتهم حول مستقبل بلدهم ولتشجيعهم على العودة ليضعوا خبراتهم التي اكتسبوها خلال سنوات الهجرة في عملية البناء.

نحن نعلم أن النظام جابه الحراك السلمي للشباب بالحديد والنار، ليدمر أحلام هذه الفئة صاحبة الرأي المختلف والتي هي الأخطر عليه، وقد أجبر قسماً كبيراً من الشباب السوري وأنا منهم؛ أجبرنا على اللجوء إلى دول الجوار أو ركوب قوارب الموت فراراً من القصف والاعتقال والموت تحت التعذيب، لقد أصبح كثير منا من مواطني تلك الدول ومن الفئات المنتجة والعاملة فيها، وانخرط الشباب السوري في المجتمعات الجديدة كل الانخراط، ولكن أينما كنا بنات وأبناء سوريا، بقي لدينا أملنا في العودة الذي لم ولن ينقطع يوماً، وقبلتنا دوماً سوريا المستقبل، سوريا الحرة، سوريا الجديدة.

 ولكن كيف لنا أن نعود من الديمقراطية والحريات والعدالة إلى الدكتاتورية والقمع والظلم! من بلدان المساواة إلى بلد تحكمه الشبيحة والمنظومة الإجرامية المتوحشة؟

العودة ستكون إلى سوريا الحرية والعدالة والمساواة، لن يعود الشابات والشباب إلا برحيل هذا النظام، وقيام دولة ديمقراطية تعددية يكفل فيها الدستور حقوقهم، ويحقق آمالهم وطموحاتهم.

عمل النظام طوال فترة حكمه على تمزيق النسيج الاجتماعي السوري على أسس طائفية ومناطقية وإثنية وقبلية؛ ولن يلتئم إلا بعقد اجتماعي جديد وفقاً لدستور عصري يلبي طموحات هذا الشعب ويعيد له وحدته وفق معايير الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان.

هذا نداء من شابة سورية استطاعت أن تصل إلى منصب سياسي في مؤسسات الثورة، وأسعى لأن أكون صوتاً للشباب وأدعو للاستماع إلى شباب الثورة وإشراكهم بالعمل من أجل بناء دستور عصري لدولة ديمقراطية منشودة.