إلى ثوارنا.. متن الحكاية وصباح الخير

2023.08.26 | 10:26 دمشق

آخر تحديث: 26.08.2023 | 12:23 دمشق

سق
+A
حجم الخط
-A

من قال إن صوت السوريين بُحّ؟ أم غرتكم حفلات التطبيع وسقيا دمنا خمراً على طاولة الجامعة العربية؟ أم ظننتم أن بارود البراميل وسموم الكيماوي تقتل حلمنا؟ أم أن ثياب حدادنا أكثر سوادا مما يجب؟ أم أن جيوش الغزاة أثقل مما تتحمل هذه الأرض؟

تدنو سوريا من الحرية مع كل ذراع ممدودة لله تتناقل الراية وتحمل الشهداء، وكل ذراع كانت تتقدم الأوجه لترديد شعار البعث تتقدمها الآن لتقسم على المضي في درب قضى لأجله بلد بأكمله.

أجابت السويداء على السؤال الصعب في الوقت الصعب، فتردد صداها في دير الزور وإدلب والرقة ودرعا وحلب، لننم ولا نخف أن ننظر إلى أنفسنا في المرايا، ويتقلب سفاح سوريا في فراشه وكأن الموت يدنو منه مع كل صرخة، فكيف سيتبجّح في الإرهاب والحصار والاحتلال والمؤامرة؟

جيل جديد يتلقف الراية ويغرسها على الجبين علماً، ويحقنها في الجسد روحاً، وفي القلب دماً عتيقاً مشبعاً بحكاياتنا عن الطلائع والصرخات الأولى وقوافل الشهداء وأرتال المقاومين بالبنادق والأظافر، ويضرب الصخور بموجة جديدة، لا تردعه قصص الخوف من أزيز الرصاص ودوي القذائف وصليل السكاكين، ولا تردعه أشكال الموت قنصاً وسجناً وذبحاً وخنقاً، وأنواع العقاب جوعاً وبرداً وتهجيراً.

وفي لحظة شجن ويأس، انتفض مَن قاوم سؤال الجدوى والحاجة، وقاوم الملامة المحتملة إذا ما تكرر الدم المسكوب والمقابر الجماعية. انتفضوا في وجه الأيادي المرفوعة في مجلس الأمن، وتلك التي صافحت المجرم، وتلك التي اندست في دربنا الطويل تعبث في الجموع وتنسل من ثغراتنا فتتوشح الأسود والأصفر أو تسرق وتنهب وتعيث فساداً باسم الثورة والثوار.

يوم أمس عاد الزمن كثيراً إلى تلك اللحظات من الخوف والترقب والتكاتف، لحظات تقاوم فيها الحسابات التي لا تنتهي إلا في موتك لأجل شخص لا تعرفه من مدينة لم تزرها، في جمعة ما كانت تختلف عن يوم آخر إلا أن "الله أكبر" فيها كانت أكثر من مجرد دعوة للصلاة، وأن "معاكي للموت" ما كانت بهذه الجدية والاستعداد كما كانت من قبل.

وكان أجمل ما في يوم أمس أن تشعبات الرأي والاعوجاج في التفاصيل استقامت عند مطلب إسقاط النظام.

اليوم نصبح على خير ونحلم بغد أقرب مما نظن، في أرض ملأناها شواهد قبور منارات للقادمين ومَن يكمل الطريق.

صباح الخير على الثوار وصباح الخير على الشوارع التي تحفظ هتافنا وخبطات أقدامنا ورسوماتنا عندما شُل اللسان وامتنعت الحروف عن الاصطفاف وهدمت أبيات الشعر.

إلى خيامنا المتناثرة فوق الجبال أسراباً من الحمام الأبيض..عدنا.. يا ذاكرتنا المجتمعة من كل قطعة من وطننا المرهق

إلى المعتقلين.. حصننا إذا تملكنا الاستسلام.. عدنا إليكم يا منبع ثأرنا المستدام وتأنيبنا الأكبر

إلى أمهاتنا منذ زغرودة المظاهرة الأولى، وجعبة الرصاص الأولى، والجثة الأولى عند أعتاب البيت تسبح بين الدم الطاهر ودموع الرفاق.. يا حبالنا مع الله عندما تضرب دعواتكنّ في وسط الليل تلك الطائرة العالية.. أعلى من رصاص يطولها.

إلى عيوننا أمام المخارز.. تحرس البيوت المحنية خلف الساتر المجبول من التراب والدم.

إلى الزهور المزروعة على قبور الشهداء، ليسمو لونك فوق كل السواد الذي تركناه قبل أن تنطلق الحافلة.. واحرسي أحلامنا فإنا عائدون.
إليكم.. صباح الخير