الثورة مستمرة ولا مستقبل للأسد ونظامه

2019.03.22 | 23:03 دمشق

+A
حجم الخط
-A

كانت الذكرى الثامنة للانطلاقة مناسبة ليس فقط لتأكيد الشعب السوري على التمسك بالثورة وأهدافها، إنما لصدور مواقف عربية إقليمية دولية حاسمة باتجاه القطع مع فكرة إعادة تعويم النظام أو القبول بالأمر الواقع للاحتلال الروسي. بينما بدت التحركات الإيرانية الداعمة للنظام استعراضية يائسة تشبه تماماً الإعلان الدعائي والمتكرر عن اختراع وتجريب منظومات تسليحية وهمية لا جدوى منها.

من حيث المبدأ فإن إحياء الذكرى الثامنة للثورة من قبل الشعب السوري في الداخل والخارج يمثل بحد ذاته تعبيراً لا لبس فيه عن التمسك بأهدافها والأمل الذي لا ينكسر بانتصارها مع الانتباه إلى فكرة أن الانتصار تأخر وهذا صحيح، ولا يمكن إنكاره رغم التضحيات الهائلة للشعب السوري ويعود أساساً إلى تخلي القوى العربية الدولية الكبرى عنه - باستثاء تركيا وأصدقاء قلائل – كما إلى النكبة التي أنزلها الإخوان المسلمون فى مصر بأنفسهم وبالثورة تسهيلهم، بل تسليمهم السلطة على طبق من ذهب للانقلاب والثورة المضادة ما انعكس سلباً على المشهد الثوري العربي برمته، لكن ثمة الوجه الآخر للمعادلة لابد من الانتباه إليه وتظهيره ويتمثل بعجز بشار الأسد ونظامه عن هزيمة الثورة، أو كسر الثوار وعزيمتهم، رغم استخدامه كل ما في جعبة نظامه العصابة من وسائل بما في ذلك استخدام السلاح الكيماوي، الصواريخ الثقيلة بعيدة المدى، البراميل المتفجرة، والاستعانة بميلشيات أجنبية ودول أجنبية أخّرت ربما سقوطه إلى حين، لكنها بالتأكيد لن تكون قادرة على إعادة تعويمه.

في الذكرى الثامنة؛ لا بد من تذكّر واستيعاب حقيقة أنه بعد عامين على اندلاعها عجز النظام عن هزيمة الثورة، أو وقفها رغم جرائم الحرب، الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها عن سبق إصرار وترصد

في الذكرى الثامنة؛ لا بد من تذكّر واستيعاب حقيقة أنه بعد عامين على اندلاعها عجز النظام عن هزيمة الثورة، أو وقفها رغم جرائم الحرب، الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها عن سبق إصرار وترصد، فتدخل حزب الله إلى جانبه. قال حسن نصر الله للمبعوث الروسي ميخائيل بوغدانوف، كما صرح هذا الأخير علناً –حزيران/ يونيو 2013 - أنه تدخل لمنع سقوط النظام، عندما كانت طريق الثوار مفتوحة لقصر المهاجرين المحتل، وبعد عامين إضافيين من الصمود الشعبي السوري استنجدت إيران - مشغلة الحزب - وتوسلت روسيا للتدخل واحتلال سوريا من أجل إبقاء النظام أو بالأحرى تأخير سقوطه.

هنا لا بد من التذكير كذلك بالقاعدة الفكرية السياسية الصحيحة القائلة إن النظام قد سقط فعلاً يوم خط أطفال درعا بأناملهم الرقيقة العبارات التاريخية المطالبة بسقوطه، ويوم حطم الشعب السوري البطل جدار الصمت وكسر حاجز الخوف وخرج منادياً الحرية الكرامة، وربما حتى يوم أحرق الشهيد محمد بو عزيزي جسده الطاهر حارقاً معه أنظمة الاستبداد والفساد الفاشلة التي حكمت بلادنا بعد الاستقلال مع الانتباه طبعاً إلى الفرق الكبير بين الاستبداد التونسي المدني الناعم، الاستبداد العسكري الخشن الفظّ الدموي في سوريا والمشرق العربي.

في الذكرى الثامنة أيضاً كانت ثلاث معطيات ومواقف سياسية لافتة مهمة جداً

في الذكرى الثامنة أيضاً كانت ثلاث معطيات ومواقف سياسية لافتة مهمة جداً تمثلت بإعلان الاتحاد الأوروبي مرة أخرى عن عدم المشاركة في إعادة إعمار سوريا، إلا ضمن عملية سياسية جامعة وفق قرارات الأمم المتحدة، وإعلان جنيف، ثم وقف اندفاعة أنظمة الفلول والثورة المضادة العربية باتجاه النظام. أما الأهم طبعاً فكان البيان الرباعي القوي والحاسم الأمريكي البريطاني الفرنسي الألماني الذي أكد على دعم الثورة وأهدافها ورفض تعويم النظام، أو المساهمة في إعادة الإعمار وعودة النازحين، مع تحميل روسيا إيران المسؤولية عن كافة أفعاله، ورفض أي عملية سياسية إلا استناداً للقرار 2254 بما في ذلك تشكيل الهيئة التفيذية كاملة الصلاحيات في الفترة الانتقالية.

إعلان الاتحاد الأوروبي لا شك أنه مهم سياسياً شكلاً ومضموناً لمواجهة الرواية الروسية الزاعمة أن الأمور والأوضاع عادت لطبيعتها، وتم الحسم لصالح النظام، بالتالي لا بد من التساوق الأوروبي الدولي معها، والانخراط في عملية إعادة الإعمار، وعودة اللاجئين والنازحين وفق الواقع الحالي دون ضمانات سياسية وأمنية، لعدم معاناة الاتحاد الأوروبي من أي تداعيات سلبية أخرى للثورة السورية، أو بالأحرى تداعيات جرائم النظام وحلفائه، كما قال أو بالأحرى هدد صراحة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

تفاصيل أوفى عن طبيعة العملية السياسية المتوخاة أوروبياً ودولياً رأيناها في البيان الرباعي، كان الأهم فيه إدانة النظام، توصيف الجرائم التي قام بها بحق الشعب السوري فيما يتعلق بالقتل العمد الاعتقال والإخفاء القسري وتشريد المدنيين، ودعم الثورة ، ومطالبها العادلة كما تفصيل أو شرح لماهية العملية السياسية التي يمكن على أساسها الانخراط في إعادة الإعمار وعودة النازحين المستندة إلى القرار 2254 المتضمن طبعاً إعلان جنيف بما في ذلك البند المتعلق بتشكيل الهيئة الانتقالية كاملة الصلاحيات ما يعني طبعاً أن لا حضور أو دور للنظام في تحديد مستقبل سوريا.

معطى آخر مهم لا ينفصل عما سبق طبعاً ويتمثل بوقف اندفاعة أنظمة الفلول والثورات المضادة الموتورة تجاه نظام الأسد بحجة التأثير على علاقته مع إيران

معطى آخر مهم لا ينفصل عما سبق طبعاً ويتمثل بوقف اندفاعة أنظمة الفلول والثورات المضادة الموتورة تجاه نظام الأسد بحجة التأثير على علاقته مع إيران، الأمر يتعلق بجلب قاسم سليماني لبشار الكيماوي مخفوراً إلى طهران بطائرة شحن بضائع بعيداً حتى عن وزير خارجيته جواد ظريف وبعملية أمنية تشبه تماماً تعاطي الدول وأجهزتها الأمنية مع عملائها، ثم إرسال رئيس الأركان الإيراني إلى دمشق، حيث تصرف مثل المندوب السامي – سيتم كتابة قراءة مفصلة الأسبوع القادم بإذن الله – ورغم أن ذلك كان كافياً لبعض الأنظمة العربية للاقتناع باستحالة التطبيع مع بشار، وإبعاده عن إيران بعدما بات خاضعاً لها، ليس فقط لأنها حمت النظام من السقوط، وإنما لأنها لا تطالبه بأي عملية سياسية و تنازلات - كما روسيا - ولا تمانع طهران بالتالي أن تبقى سلطته الهشة الضعيفة العاجزة وفق الوضع الراهن لسنوات، بل عقود كما فعلت في العراق ولبنان، إلا أنه لم يكن كافياً لإقناع أنظمة الثورة المضادة الموتورة في القاهرة وأبو ظبي بالتوقف عن مساعيها للتطبيع مع نظام بشار بحجة الواقعية والتأثير عليه عن قرب خضوعاً وتعبيراً عن وهم وهوس مواجهة الحضور والنفوذ التركي في سوريا والمنطقة بغض النظر عن تبعية بشار التامة للإيرانيين، إلا إن جاءت الضغوط الأمريكية الحاسمة التي لا تستطيع الأنظمة الهشة مواجهتها أو رفضها.

إذا أضفنا إلى ذلك قانون قيصر الذى يعاقب كل من يتعامل مع النظام سياسياً اقتصادياً وأمنياً، وتطور وارتفاع وتيرة الملاحقة لبشار وأركان عصابته في المحاكم الدولية، والعقوبات الاقتصادية الأمريكية الأوروبية الصارمة ضد نظام الأسد، إيران وأدواتها في لبنان والمنطقة، وقبل ذلك وبعده صمود الشعب السوري وتمسكه بالمطالب المحقة العادلة لثورته، نصبح أمام مشهد لا يمكن إنكاره أو التشكيك فيه، الثورة مستمرة منتصرة ظافرة ولو بعد حين، وبالتأكيد لا دور أو حضور لبشار الأسد ونظامه، في تحديد مصير ومستقبل سوريا العظيمة، بعدما سقطت سوريا الأسد المستبدة الفاسدة الطائفية المتجانسة مع اندلاع الثورة قبل ثماني سنوات.