لا مكان لنظام الأسد في قمة فلسطين بالجزائر

2022.09.23 | 06:05 دمشق

ت
+A
حجم الخط
-A

باءت مساعي الجزائر لإعادة نظام بشار الأسد إلى الجامعة العربية ودعوته إلى القمة الرئاسية المقررة نهاية تشرين الثاني نوفمبر بالفشل ورغم محاولة إخفاء الخيبة وأسبابها وتصوير النظام وكأنه قد سحب بنفسه طلب العودة والمشاركة حرصاً على لم الشمل العربي إلا أن النظام الجزائري كان جاداً فعلاً في مساعيه ولكنه واجه تحفظات جدية من دول عربية كبرى رفضت ولو لأسبابها الخاصة والمختلفة تحديداً في ظل الدوافع الفئوية التي دعت الجزائر لبذل جهود جدية وجبارة لإعادة  الأسد للجامعة  وبالتأكيد لا يتعلق الأمر بترتيب البيت العربي أو حتى  فلسطين التي سميت القمة باسمها وتحت لوائها بينما يتخذها نظام الأسد عنواناً لفرع مخابراتي سيئ الصيت في سوريا.

كان وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة قد زار العاصمة السورية "دمشق" أواخر تموز/ يوليو الماضي حيث التقى بشار الأسد معلناً تأييد السلطات الجزائرية لإعادة نظام الأسد إلى الجامعة العربية التي تحتاج إليه أي إلى الأسد أكثر من حاجته هو إلى العرب بحسب تعبيره الحرفي. لعمامرة كان قد انتقل إلى دمشق من بغداد أيضاً حيث تحدثت مصادر إعلامية مقربة للنظام الجزائري عن الاستعانة بحكومة المنطقة الخضراء في سياق ما وصفته بترتيب البيت العربي وتقويته قبل القمة الرئاسية للجامعة المقررة بالجزائر أواخر تشرين ثاني/ نوفمبر القادم.

لكن وقبل الحديث عن دوافع النظام الجزائري لإعادة نظام الأسد إلى الجامعة وحتى الاستعانة بحكومة المنطقة الخضراء في بغداد حيث الفراغ السياسي المدوي، بحجة ترتيب البيت العربي، لا بد من إلقاء نظرة على طبيعة النظام الجزائري نفسه سابقاً وراهناً، وهي قادرة على إعطائنا فكرة عن السبب أو واحد من الأسباب المركزية لسعي النظام لتعويم وشرعنة الأسد وإعادته إلى الجامعة العربية من باب القمة التي ستستضيفها الجزائر ما يعني نظرياً إمكانية مشاركة بشار الأسد شخصياً فيها.

يشبه النظام الجزائري الذي حكم منذ الاستقلال تماماً نظام البعث الانقلابي في سوريا، كونه عسكرياً شمولياً استبدادياً فاسداً كمعظم الأنظمة مدعية الثورية التي حكمت في العالم العربي وأفريقيا والعالم الثالث بشكل عام، وبالطبع فقد أهدر مقدرات وطاقات البلاد الثرية ببشرها وحجرها. وللعلم فقد أكد الرئيس محمد بوضياف رحمه الله الذي قتله النظام العسكري جهاراً نهاراً بعد الاستعانة به لتجميل الانقلاب على الديمقراطية في العام 1992 أن لديه وثائق تثبت سرقة وهدر 23 مليار دولار من الخزينة العامة خلال عشرين عاماً تقريباً. وهذا الموثق فقط وبالتأكيد يمكن اعتبار الرقم الحقيقي أضعاف ذلك، ما يقدم فكرة واضحة عن جوهر النظام الاستبدادي الفاسد حتى مع التحديثات ومساحيق التجميل على مر الزمن.

يشبه النظام الجزائري الذي حكم منذ الاستقلال تماماً نظام البعث الانقلابي في سوريا، كونه عسكرياً شمولياً استبدادياً فاسداً كمعظم الأنظمة مدعية الثورية التي حكمت في العالم العربي وأفريقيا والعالم الثالث بشكل عام

إذن فشل النظام الذي يتمتع به العسكر بنفوذ كبير كونه استبدادياً شمولياً بامتياز في القيام بواجباته الداخلية وحتى الخارجية، وتشكيل رافعة عربية مركزية وكبرى قياساً إلى المقدرات والإمكانيات الهائلة للبلاد.

مع الإشارة هنا إلى استغلال تاريخي لقضية فلسطين التي تحتل حيزاً كبيراً جداً في الوجدان الشعبي الجزائري لتلميع صفحة النظام وحصد شرعية داخلية وحتى خارجية وهي عادة موصوفة لأنظمة الاستبداد الموصوفة في العالم العربي خاصة في حواضرنا الكبرى الثلاث القاهرة ودمشق وبغداد.

إلى ذلك واجه النظام توق الشعب الجزائري إلى الحرية والديمقراطية مرتين الأولى على طريقة بشار الأسد الدموية في بداية تسعينيات القرن الماضي متبعاً الخيار العسكري حتى بثمن جر البلاد كلها إلى حرب أهلية مصطنعة مع تشكيل المخابرات مجموعات مسلحة لصبغ التغيير الديموقراطي بالدم، وإجبار المعارضين الإسلاميين على حمل السلاح ومن ثم تسهيل عودة المتطرفين من الخارج واستغلالهم لوأد الحلم الديمقراطي، واكتساب النظام لشرعية أخرى بحجة دحر الإرهاب بعد حرب الاستقلال ضد فرنسا.

ومنذ سنتين فقط واجه النظام مرة أخرى توق الجزائريين إلى الحرية والديمقراطية تناغماً مع ثورات الربيع العربي المتجددة ولكن بشكل ناعم وخبيث أكثر حيث جرى الالتفاف على حراك وانتفاضة الشباب الجزائري ومطالبه الرئيسية الثلاث المتمثلة بعدم التمديد للعهد السابق وحل البرلمان والذهاب إلى انتخابات عامة وفق دستور جديد عصري وتوافقي، لإعادة إنتاج النظام العسكري الاستبدادي القديم مرة أخرى بمزاعم تلبية المطالب ولو شكلاً، وتمرير دستور غير توافقي وإجراء استفتاء ثم انتخابات قاطعتها الأغلبية الساحقة من الشعب "أربعة أخماس تقريباً" في إسقاط صريح للشرعية عن خطوات التذاكي والتحايل التي قام بها النظام القديم، وفي القلب العسكر منه لإنتاج النظام الحالي برئاسة عبد المجيد تبون الذي يعتبر من رموز القديم أيضاً تماماً كوزير خارجيته لعمامرة.

في محاولة لاكتساب الشرعية واستعادة النفوذ خارجياً سعى النظام مرة أخرى أيضاً لاستخدام القضية الفلسطينية وقداستها رغم الفشل الذريع حتى في التقاط الصور للقاء جبري وبالإكراه بين فتح وحماس-أوائل تموز يوليو -ثم انطلق باتجاه خطوته الأهم خارجياً عبر السعي لتعويم نظام الأسد وإعادته إلى الجامعة العربية من بوابة القمة التي تستضيفها البلاد نهاية العام الجاري.

 هنا لابد من الإشارة إلى موقف ملتبس للنظام الجزائري بنسختيه من الثورات العربية الأصيلة مع انفتاح دائم على نظام الأسد والدعوة لاستئناف الاتصالات والعلاقات معه تمهيداً لإعادته إلى الجامعة العربية.

في خطوته الأخيرة يزعم نظام تبون -لعمامرة أنه يهدف لمواجهة التطبيع المغربي مع إسرائيل وهذه حجة واهية وقطعاً لا يمكن الاستعانة بالأسد الفاقد للشرعية والسيادة حتى في مناطق سيطرته ناهيك عن تأييده العلني للتطبيع مع إسرائيل وصمته المدوي عن مسيرة التطبيع الأخيرة بما في ذلك تطبيع المغرب نفسه مع الدولة العبرية.

الانفصام يتبدى كذلك في مساعي الاستعانة بحكومة المنطقة الخضراء في بغداد لتمتين الصف العربي والمفارقة الكبرى أن لعمامرة نفسه وُجد هناك في عز تسريبات رئيس الوزراء السابق نوري المالكي التي فضحت المشهد برمته كما ارتهان الطبقة السياسية كلها للاحتلالين الأميركي والإيراني، والتي عادت أصلاً إلى بلادها على ظهور دبابات الغزاة في موقف لا يرتضيه الشعب الجزائري الثائر والداعم بعقله الجمعي ومزاجه العنيد للثورات العربية الأصيلة.

أما في أسباب فشل مساعي النظام الجزائري فقد شعرت الدول العربية أنه يستخدم الأمر لحسابات داخلية وفئوية وهى أي قطر والسعودية والأردن ومصر كانت كلها –باستثناء قطر- منفتحة في وقت ما على تعويم نظام الأسد وإعادته للجامعة لكنها غيرت قناعاتها وباتت تعتقد أن الظروف لم تعد مؤاتية كون النظام نفسه لم يشجعها ناهيك عن الموقف الأميركي والغربي الحاسم الرافض لذلك والمهدد بفرض عقوبات صارمة على كل من يساعد النظام أو يتعاون معه سياسياً واقتصادياً.

في السياق الأردني مثلاً لابد من الإشارة إلى تراجع النظام عن فكرة التطبيع والتعاون مع الأسد بعدما كان متحمساً جداً للفكرة ولكنه تراجع بعدما أغرقه الأسد بالمخدرات كما لاقتناعه ألا فائدة اقتصادية جدية من التطبيع معه في ظل وضعه الاقتصادي المنهار.

وفى الختام كانت المحصلة وضع النظام الجزائري أمام الاختيار بين استضافة القمة العربية أو سحبها منه أو حتى إلغائها تماماً في حال الإصرار على  دعوة  الأسد فاختار أيضا لصورته ومصالحه وحساباته الضيقة الخيار الأول ولكن مع اللجوء إلى إطار قومي جذاب للقمة عبر العودة للفكرة الفلسطينية مع مساعي دعائية متجددة "ولكن لا تملك حظوظاً كبرى  وجدية للنجاح "من أجل جمع حركتي فتح وحماس والخروج ولو ببيان أو حتى صورة  جماعية للوفدين مع الرئيس تبون قبل القمة العاجزة  عملياً كما الجامعة نفسها عن نجدة فلسطين او اتخاذ موقف جدي من إسرائيل وممارساتها ناهيك عن إنهاء الانقسام  الفلسطيني الذي باتت دول عربية معنية ولمصالحها الضيقة بإدارته لا حله.

وبالعموم لم تملك محاولات النظام الجزائري لتعويم نظام الأسد فرصاً جدية وكبيرة للنجاح وكانت محكومة بالفشل منذ البداية خاصة أن مشكلته الأساسية هي أولاً بالداخل مع الشعب المتمسك بمطالبه المحقة والعادلة، أما الأزمة مع المغرب فيجب العمل على حلها بشكل مباشر سياسياً ودبلوماسياً بعيداً عن المنظور أو التهديد العسكري حتى مع هروب النظام المغربي إلى الأمام أيضاً عبر التطبيع المرفوض شعبيا مع إسرائيل. مع الانتباه إلى حقيقة أن قضية الصحراء ما كانت لتستمر عقوداً طويلة دون حل في ظل أنظمة ديمقراطية لدى الجانبين تعمل على جعلها وسيلة للتواصل والإخاء لا العداوة والتقاتل. 

في الأخير وقبل المعطيات السابقة وبعدها لابد من التذكير بالعلاقة التاريخية بين سوريا العظمى والجزائر كما نظرة العرب عموماً إلى بلد المليون شهيد بينما يهدم النظام الحالي كل ذلك بوهم أو أوهام التعلق بأنظمة معزولة وساقطة وحتى القضية الفلسطينية وعدالتها لاكتساب الشرعية والنفوذ داخلياً وخارجياً.