وقفة على أعتاب فوضى مقاومة التغيير

2024.03.22 | 23:24 دمشق

آخر تحديث: 22.03.2024 | 23:24 دمشق

وقفة على أعتاب فوضى مقاومة التغيير
+A
حجم الخط
-A

يعقب أي مرحلة تغيير فوضى وعدم توازن، وهو أمر من المفترض أن يكون طبيعيا ومرحليا، لكن لمَ يعجز الحراك في المجتمع العربي عن أن ينتج نظاما جديدا ينهي مرحلته..؟ وما الأسباب التي جعلت من الفوضى نظاما ناقصا طويل الأمد يدلي بثقل سلطته على الأمر الواقع مترافقا بمقاومة شديدة تحول دون الوصول إلى حالة التغيير النهائية..؟!

المشكلة تكمن في العقلية العربية وصعوبة تقبلها للتغيير، وذلك يعود لمرورها بمراحل هجنت المفهوم إلى منهجِ تهديم لا بناء يفتقد للفعل الفكري المدروس محاطٍ بالردود الفعلية الارتجالية التي تفتقر لأي نوع من أنواع التخطيط الاستراتيجي السياسي وغير السياسي.

المطالبة بالتغيير طريق سلكته الشعوب العربية للتنفيس عن مشاعر دفينة من الغضب والكبت الطويل الناتج عن بطش الأنظمة الاستبدادية، وتضييق المساحات دون أن تضع في حسبانها أي فكرة عن مرحلة ما بعد كسر قيد الثقافة العربية المقاومة الأكثر استعصاء.

من الأسباب التي تجعل الأمر أكثر صعوبة وعرضة لردات الفعل الشرسة والمقاومة لفكرة التجديد، كالشعارات والمصطلحات السياسية التي تبنتها الحركات الشعبية الحديثة التداول في أواسط البنية الاجتماعية كـ " الديمقراطية" على سبيل المثال، تلك المصطلحات الدخيلة على الثقافة العربية المغيبة عنها، والتي روض الحكام عقليتها وأثقلوها بالمشكلات الفكرية والحضارية المعقدة، عبر تضييق الحريات وتقليل المساحات الحوارية بل انعدامها وإغلاق آفاقها وجعلها مشدودة إلى عوائق ترسخت بداخلها كنوع من الآلية الذهنية المنتجة لها، لتصبح ثقافة تفضّل عمومًا اتباع النموذج الموجود الذي عادة ما يكون جاهزا دون الرغبة أو الجرأة على خطر التجديد والتطلع له لغموضه.

ذلك الاستعصاء والممانعة تجاه أي تغيير سياسي نابع من النفسية الاستبدادية المتجذرة في النفس العربية الحاكمة الناقلة لثقافة مواجهة أي محاولة للتغيير والالتفاف حولها وإجهاضها.

وهذا ما أشار له أستاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة الأميركية في القاهرة ومدير مركز ابن خلدون للدراسات سعد الدين الإبراهيم:

"هناك شيء ما في الثقافة العربية إما أنها تعادي الديمقراطية صراحة أو أنها لا تعطيها أهمية مركزية في منظومة القيم السائدة في مجتمعاتنا".

لعب سوء التفسير وانعدام الوعي السياسي والقدرة على تجريد الاصطلاح عن ارتباطه بالثقافات الأخرى، دورا هامًا في خلق فوبيا المصطلحات المشابهة وأوجد حالة من الخوف والخشية من الخوض في مضمارها كـ "الديمقراطية" والاتجاه بشكل لا إرادي إلى مقاومة صورة من صور نقل الثقافة الغربية التي تعارض بشكل صارخ القيم الشرقية وتعتدي على خصوصيتها مثل: "التعري" – "الشذوذ الجنسي" – "إقصاء الدين وتضييق مساحاته" دون أن تعي أنها في الحقيقة نظام حكم مرن، يقوم على الاختيار والتدوير يمكن توظيفه بما يتماشى مع القيم والثقافة الشرقية، وليس بالضرورة أن تختزل بمشاهد محصورة.

وكل ذلك يعود لمصادرة الأنظمة الدكتاتورية كل الوسائل التي تؤدي لشيوع المفاهيم الصحيحة لمثل هذه الأفكار التي تهدد بشكل مباشر ضمان بقائها في مقاليد السلطة، لذلك نجد في غالبية البلدان العربية ضعفا بالمؤسسات السياسية والتعليمية وتقييدها بقيد ذي طابع أمني قمعي، ونشاهد احتكارًا لوسائل الاعلام وتوظيفها ضمن سياقها بطريقة تفتقر للتوعية السياسية الشمولية المتجددة.

ما زالت المقاومة تعيق تمخض الحراك العربي وولادة نظام جديد قادر على إنهاء حالة الفوضى الانتصافية، بين تفضيل السابق ورغبة التجديد المخيفة في ظل غياب قيادة تعتمد استراتيجية التغيير العقلانية الميدانية في القضاء على الجهل، وعدم الوعي عبر تعزيز أدوات التعليم من جانب ومن جانب آخر تتبنى منهجية التثقيف والتوعية وإقناع الأفراد والوحدات بضرورة التغيير عبر استخدام المنطق والحجج والأدلة والبراهين، وتحاول أن تتغلب على المقاومة عن طريق إزالة المخاوف وتنمية الولاء للتغيير بما يؤدي إلى قبوله عوضا عن رفضه ومقاومته، عبر مشروع واضح البنية والهيئة، كون غيابه أو ضبابيته من أحد أهم أسباب استمرارها.