icon
التغطية الحية

وزارة إعلام وشرطة آداب.. تشكيلة "الإنقاذ" الجديدة والعودة إلى كوادر "النصرة"

2023.01.23 | 06:18 دمشق

تشكيلة وزارية جديدة لحكومة الإنقاذ في إدلب
جلسة "مجلس الشورى العام" للتصديق على الحقائب الوزارية لحكومة الإنقاذ بدورتها السادسة
إدلب - فائز الدغيم
+A
حجم الخط
-A

أعلن علي كدة رئيس "حكومة الإنقاذ" في إدلب في التاسع عشر من الشهر الحالي عن تشكيلة حكومته وتوزيع الحقائب الوزارية للدورة السادسة لحكومة الإنقاذ، على الرغم من أن التشكيلة الوزارية الجديدة اقتصرت على استبدال ثلاثة وزراء فقط هم وزير الإدارة المحلية والخدمات، إضافة إلى وزيري التربية والعدل اللذين أثير حولهما كثير من الجدل والانتقادات، وشهدت التشكيلة الوزارية الجديدة إضافة وزارة جديدة إلى الوزارات العشر، وهي وزارة الإعلام.

وعين محمد العمر وزيراً للإعلام في حكومة الإنقاذ، في حين لم يكن معروفاً في الأوساط الإعلامية من قبل.

من هو محمد العمر؟

محمد العمر من مواليد 1992 هو الابن الأكبر للشيخ يعقوب العمر القاضي الشهير في جبهة النصرة، الذي تعرض للاغتيال بعبوة ناسفة مطلع آب 2014 قضى برفقته أحد أطفاله، في بلدته خان السبل بريف إدلب. وحاصل على إجازة في الهندسة الزراعية من جامعة إدلب، وطالب في السنة الثالثة في كلية العلوم السياسية في "جامعة الشمال" الخاصة في ريف إدلب.

وبحسب الإعلام الرسمي لحكومة الإنقاذ فإن العمر يدرس ماجستير في الصحافة والإعلام، على الرغم من عدم وجود ماجستير للإعلام في إدلب، ومع عدم تقديم توضيحات أخرى حول الجامعة التي يدرس فيها الماجستير إن كانت واقعية أو افتراضية ومن دون ذكر اسمها.

مصادر موقع تلفزيون سوريا قالت بأن محمد العمر أحد ركائز الإعلام التي يستند إليها زعيم هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني، وعمل لسنوات في كثير من المواقع المهمة من دون أن يظهر إلى الواجهة.

وكانت انطلاقة محمد العمر في المجال الإعلامي مع "المنارة البيضاء" المنبر الإعلامي لجبهة النصرة، ومن ثم في "وكالة إباء"، و"شبكة أمجاد"، وكان له دور فعال في إنتاج المحتوى المرئي الخاص بهيئة تحرير الشام، كما كان له دور كبير في تأسيس الإعلام الرسمي لحكومة الإنقاذ المتمثل في "وكالة أنباء الشام"، والإعلام الرديف المتمثل في شركة "creative inspection - المبدعون السوريون" الخاصة، فضلاً عن دوره الكبير في تأسيس المديرية العامة للإعلام مطلع 2019 والتي تعتبر أبرز أدوات التضييق على الناشطين والعاملين في الحقل الإعلامي في إدلب.

قبل أن يصبح وزيراً لم يشغل العمر أي منصب حكومي رسمي، وكان يتنقل بين المواقع ليطلع على سير عملها عن قرب ويسهم في رسم سياسات عملها، بحكم قربه من الجولاني.

في المرة الأولى التي ذكر اسم محمد العمر فيها كان عندما قيل بأنه مستثمر خاص أسس شركة "creative inspection" المعروفة بعدة أسماء كـ"كرييتف" أو "المبدعون السوريون" والتي عرفت نفسها بأنها "شركة إنتاج إعلامي تأسّست في الداخل السوري المحرر، تختص في صناعة البرامج التلفزيونية والأفلام والمسلسلات وفي مجال التسويق والدعاية الإعلانية، وتتيح الفرصة للشباب لكشف إبداعاته وتنمية مهاراته، وتسعى لتكون الرائدة في مجالها عبر فريق عمل متميز من الإعلاميين وأصحاب الاختصاصات".

لكن الدعم والتمويل الكبيرين اللذين حظيت بهما الشركة أوضحا أن من يقف خلفها أكبر من مستثمر خاص، فضلاً عن كشف الشركة عن وجهها وحقيقتها المتمثلة في كونها ماكينة إعلامية رديفة لهيئة تحرير الشام، وذلك من خلال وجود كثير من كوادر مؤسسات الهيئة الإعلامية السابقة في كوادر الشركة والعاملين في شبكات إباء وأمجاد وصدى والدرر الشامية، فضلاً عن إثارة بعض مقدمي البرامج في منصات الشركة الجدل من خلال تبنيهم الرواية الرسمية لهيئة تحرير الشام.

وقد كشف موقع تلفزيون سوريا طبيعة الشركة منذ تأسيسها من خلال تقريره الذي حمل عنوان: ذراع إعلامية جديدة لهيئة تحرير الشام في إدلب.

ما أسباب إنشاء وزارة الإعلام؟

يرى العديد من الإعلاميين في إدلب ممن تحدث إليهم موقع تلفزيون سوريا أنه لا حاجة لإنشاء وزارة للإعلام، معتبرين أن "المديرية العامة للإعلام" الموجودة حالياً تفي بالغرض وتؤدي مهمتها في التحكم بالواقع الإعلامي في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام، وضبط الأنشطة الصحفية التي قد تضر بسياسات الهيئة وصورتها التي تروج لها على الصعيدين الداخلي والخارجي.

ونجحت المديرية في تمرير قانون للإعلام عرضت مقتطفات عامة من مسودته على بعض الصحفيين للمناقشة، ومن ثم انتقلت إلى مرحلة محاسبتهم وفق القانون الذي لم تعرضه عليهم بعد الانتهاء من صياغته، ولا يعرفه ولم يطلع عليه أحد منهم.

ويرى بعض المراقبين أن حكومة الإنقاذ تحاول الظهور بمظهر الحكومة الفعلية لذلك تستنسخ جميع مؤسسات الدولة، وبدل أن يكون لديها مديرية للإعلام وفي الدول الأخرى وزارات، قررت تحويل المديرية إلى وزارة، ولتكون هذه الوزارة هي الناطق الإعلامي الرسمي الذي يتماها مع التحولات البراغماتية لتحرير الشام، وأيضاً لتكون الوزارة هي مصدر كل ما يتعلق بملف إدلب على الصعيدين المدني والعسكري لتصدر عنها التصريحات بدلاً أن تصدر عن شبكات إعلامية تابعة للهيئة، لا سيما أن تحرير الشام كانت تعتزم إنشاء وزارة للدفاع تأجل الإعلان عنها لبضعة أشهر على أقل تقدير.

وأوضحت مصادر موقع تلفزيون سوريا أن للوزارة هدفا رئيسيا يتمثل في التضييق على العمل الصحفي والإعلامي، دون ترك ما يدين هيئة تحرير الشام، إذ إن المديرية تحتك مع العاملين في الحقل الإعلامي من صحفيين وإعلاميين وناشطين بشكل مباشر، مما تسبب بوقوع العديد من المشكلات نتيجة حرمان بعضهم من الحصول على البطاقة الصحفية التي تخوله ممارسة عمله من دون التعرض له، وفضلاً عن قيام المديرية باستدعاء الناشطين بشكل دوري، وهو ما بات يعتبر انتهاكاً بحق العمل الصحفي، لذلك تعتزم "الإنقاذ" العودة خطوة إلى الوراء لتجنب الاحتكاك المباشر مع الناشطين وتجنب تسجيل تلك الانتهاكات بحقها، وذلك من خلال اللعب على وتر الهيكلية الإدارية والقوانين، إذ إن الكيانات التي تجمع الإعلاميين في الشمال السوري هي روابط واتحادات وهي قانونياً بمنزلة جمعيات أهلية تجمع أبناء المهنة الواحدة، بينما تنسق الوزارات مع أجسام ذات صفة رسمية أكبر كالنقابات، وهو ما دأبت "حكومة الإنقاذ" على القيام به عبر بناء نقابات كرتونية تتبع لها، بعد حل النقابات الحرة التي كانت قائمة قبل تشكيل "الإنقاذ" وهو ما فعلته مع نقابتي المهندسين والمحامين في إدلب.

وكشفت مصادر لموقع تلفزيون سوريا أن "وزارة الإعلام في حكومة الإنقاذ" سوف تقوم بتشكيل نقابة "كرتونية" لقطع الطريق على رابطات واتحادات الإعلاميين العاملة في الشمال السوري، ولتجبر العاملين في الشأن الإعلامي على الانتساب للنقابة التابعة لها مقابل اشتراك سنوي، وستتوقف وزارة الإعلام عن منح البطاقات الصحفية للإعلاميين، وتوكل هذه المهمة للنقابة التابعة لها والتي ستكون شروط الانضمام إليها قاسية، وبذلك يتم حرمان عشرات الصحفيين من ممارسة عملهم والتضييق عليهم بصبغة قانونية تبعد الإنقاذ عن واجهة الاتهام في تلك الممارسات والمضايقات.

بمراقبة مسار وخطوات هيئة تحرير الشام للتضييق على الصحافة بغطاء قانوني، قد يصل بها الحال ألا تخرج فيها أي مادة إعلامية من إدلب إلا عن طريقها وبالصورة التي تريدها. ويقول أحد الصحفيين في إدلب لموقع تلفزيون سوريا إن تنظيم الدولة نجح سابقاً في التحكم المطلق بالإعلام في مناطق سيطرته، إلا أن هيئة تحرير الشام لجأت لأجل هذه الغاية لأساليب أكثر ذكاء لا تعتمد على استخدام القوة المفرطة، من بين تلك الأساليب بحسب الصحفي:

  • إجبار وسائل الإعلام العاملة في الشمال السوري على القيام بالترخيص لدى حكومة الإنقاذ، وفق شروط وضوابط تقيد عمل وسائل الإعلام الحرة.
  • إجبار وسائل الإعلام على افتتاح مكاتب رسمية لها في إدلب، لتكون تلك المكاتب أداة ضغط على وسائل الإعلام التي تعادي الهيئة.
  • التضييق على الصحفيين "الفريلانس" لدفعهم للتخلي عن المهنة، بالتوازي مع إنشاء منصات إعلامية وشركات إنتاج تدّعي الاستقلالية وتعمل على توريد المواد المرئية لوسائل الإعلام وفق اشتراكات معينة، وفي ما ترتضي تحرير الشام تصديره من صورة عنها.

ومهدت هيئة تحرير الشام لتلك الخطوات وباتت قادرة على منع العديد من وسائل الإعلام من العمل في مناطق سيطرتها بعد قيامها بالعديد من الخطوات من أبرزها:

  • نجاح هيئة تحرير الشام في بناء ماكينة إعلامية ضخمة تغطي كل جوانب الحياة في الشمال السوري، وتقديمها كبديل عن وسائل الإعلام الأخرى.
  • نجاح هيئة تحرير الشام في بناء منصات إعلامية تروج لها، استقطبت العديد من العاملين في الحقل الإعلامي ضمن كوادر تلك المنصات، مما عزز روايتها بالاستقلالية عن الهيئة.
  • تلك المنصات استقطبت شريحة من الجمهور في الشمال السوري، من خلال تركيزها على البرامج الفكاهية والمسابقات وأسئلة الشارع.

حكومة جبهة النصرة

على خلاف الدورات الخمس السابقة لحكومة الإنقاذ، كان من اللافت أن يكون معظم الوزراء في هذه الدورة من كوادر جبهة النصرة سابقاً، ويعتبر بعضهم أن ذلك إطاحة بالشخصيات المدنية التي استقطبتها تحرير الشام لتلميع صورة الحكومة والقول بأنها تمثل جميع شرائح المجتمع ولا تنحصر في تحرير الشام.

وتأتي هذه التشكيلة تجسيداً لمقولة الجولاني "ما عاد لي ثقة إلا بأبناء الجماعة" (يقصد بالجماعة جبهة النصرة وليس المنتسبين إلى تحرير الشام بعد اندماجها مع مجموعات أخرى في تشرين الأول 2017، أو بعد توسع نفوذها، وذلك بسبب اعتبارات عدة أبرزها البيعة والولاء)، إذ قال الجولاني ذلك على خلفية فشل وزيري التربية إبراهيم سلامة المنتهية ولايته حالياً وسلفه بسام صهيوني، إذ إن كلّاً الوزيرين المدنيين لم يفشلا في استجلاب الدعم فقط، بل كان الملف التعليمي خلال فترة توليهما الوزارة محط سخط فضلاً عن الجدل الذي أثاره سلامة من خلال سلسلة من القرارات التي صدرت عنه، وهو الوزير الذي استأجرته تحرير الشام لتلميع صورتها لكونه شخصاً حليق الذقن قادماً من الإمارات أمضى سنوات طويلة من عمره خارج البلاد.

ونتيجة لعدم ثقة الجولاني إلا بأبناء جبهة النصرة اضطر الجولاني لترك مقعد وزير التربية فارغاً، وذكرت بعض المصادر في إدلب أن هذا المقعد يمكن أن يبقى شاغراً طوال العام على أن يسير أمور التربية أحد كوادر التربية من أبناء جبهة النصرة.

كما أنه عيّن أحد المسؤولين في جبهة النصرة من دون ذكر اسمه الحقيقي ومن دون أن يظهر بوجهه على الإعلام كوزير للإدارة المحلية والخدمات وهو ما سمّته حكومة الإنقاذ "محمد مسلم" علماً أن العديد من المصادر في ريف حلب أكدت أن هذا ليس اسمه الحقيقي وإنما كان يلقب نفسه "أبو محمد مسلم".

الإنقاذ تعتزم تفعيل شرطة الآداب

أيضاً كان من اللافت في استعراض خطط الوزارات لهذا العام هو تصريح "وزير الداخلية" حول عزمهم تفعيل ما سمّاه "شرطة حماية الآداب العامة"  ويعتبر تفعيل شرطة الآداب بمنزلة عودة جهاز الشرطة الدينية المعروف باسم "جهاز الفلاح" الذي تم حله في نهاية آب 2021، لكن هذه المرة تحت مظلة وزارة الداخلية.

ئءؤ
تصريح "وزير الداخلية" في حكومة الإنقاذ محمد عبد الرحمن

ويذكر أن العام الأخير كان الأفضل على صعيد الحرية الشخصية للسكان في إدلب بعد إنهاء عمل أجهزة الشرطة الدينية، التي كانت تتدخل في مختلف تفاصيل حياة السكان خاصة في الشوارع والأماكن العامة والجامعات، لكن بقي هناك تجاوزات خفيفة كمنع شرب النرجيلة في الأماكن العامة ومصادرة النرجيلة من قبل دوريات الشرطة أو عبر حملات كبيرة لجهاز الأمن العام تستهدف المقاهي والمتنزهات.