icon
التغطية الحية

واشنطن بوست: حالة التشكيك بلقاح كوفيد تصل إلى إدلب المحاصرة

2021.11.03 | 09:11 دمشق

auvb3zrwmii6zftchgopu5pp5y.jpg
طبيب في وحدة العناية المركزة يعتني بالمرضى في مشفى الزراعة بإدلب
واشنطن بوست - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

بقي إبراهيم عبود مدير أحد مشافي إدلب يعيش على ساعات نوم قليلة، بعدما استهلكه القلق والإحساس بالذنب بحسب ما ذكر، وذلك لأن جناح العناية المشددة المخصص لمرضى فيروس كورونا لم تعد فيه أسرّة متوافرة نظراً للارتفاع الشديد في عدد الإصابات.

ومن بين مرضاه كانت أمه البالغة من العمر 52 عاماً.

أخذ يراقبها بواسطة كاميرا وضعت في مكتبه، وهو يجلس خلف طاولته كل يوم، وعن ذلك يقول: "أخطأت عندما لم أجبرها على أخذ اللقاح"، فلقد حاول أن يتوسل إليها، لكن الإشاعات حول أضرار اللقاح قد أثرت عليها.

اقرأ أيضاً: المستشفيات الخاصة خيار شاق أمام مرضى "كورونا" في إدلب

وعن الشكوك التي أحاطت باللقاح والتي تسببت في بقاء أكوام من جرعات اللقاح حبيسة المستودعات من دون أن يستخدمها أحد في إدلب، يقول إبراهيم: "هذا الجنون لا ينحصر في مكان واحد، بل إنه موجود على مستوى العالم".

تعتبر إدلب من أكثر المناطق عرضة لتفشي عدوى هذا المرض في العالم، وذلك لكونها محافظة فقيرة تسيطر عليها المعارضة تقع في شمال غربي سوريا وتحوي عدداً كبيراً ممن نزحوا بسبب الحرب، معظمهم يقيم في مخيمات مزدحمة، أو في أبنية متهالكة أقيمت على عجل في بساتين الزيتون أو على سفوح الجبال القاحلة.

وفي الوقت الذي انتشر فيه فيروس كورونا في مختلف أرجاء العالم، ظهرت تحذيرات بأن مشافي إدلب تعاني من ضعف خطير في المعدات، ولا يتوافر فيها ما يكفي من أجهزة التنفس. إذ بعد مرور سنوات على معالجة مصابي الحرب، استنفد الأطباء كل قواهم وطاقاتهم إلا أن حدود إدلب معظمها مغلق، ولهذا كان العزل مناسباً طوال فترة تفشي الجائحة، حيث أبقى إدلب بمعزل عن أسوأ فترات انتشار المرض، وبالرغم من ذلك، لم تبق إدلب بمعزل عن كل الأخطار.

اقرأ أيضاً: بـ1400 متطوع.. حملة "بدا وعي" لمواجهة كورونا في إدلب وريف حلب |صور

إذ مع بدء وصول كميات كبيرة من جرعات اللقاح إلى إدلب في نيسان الماضي، أخذت نظريات المؤامرة تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك على يوتيوب وعبر مجموعات الواتساب، لتحذر من أن اللقاح قاتل أو مجرد أداة تخدم مؤامرات وخططاً أجنبية شائنة مجهولة المصدر، تبدأ من بريطانيا ولا تنتهي بالصين، بحسب ما ذكر الأهالي. وبعد ذلك، وتحديداً في شهر آب، بدأت أعداد المصابين تزداد بعدما سمح للسوريين الذين يعيشون في تركيا بزيارة إدلب لقضاء عطلة عيد الأضحى، حيث أتى الزوار حاملين معهم متحور دلتا الخبيث بحسب ما ذكر الأطباء.

وعندئذ بدأ الكابوس الذي ظل المسؤولون في القطاع الصحي العام يحذرون منه طوال فترة طويلة من الزمن، حيث أخذ الفيروس بالانتشار ضمن مخيمات النزوح وظهرت حالات بالمئات هناك.

وبدءاً من الشهر الماضي، سجلت إدلب وما حولها 78 ألف إصابة منذ بداية الجائحة، بيد أن 51 ألفاً منهم، وكذلك نصف حالات الوفاة بسبب كوفيد والتي بلغ عددها 1400 حالة وفاة، حدثت ابتداء من شهر آب الماضي بحسب ما أوردته مديرية الصحة في محافظة إدلب. إلا أنه بسبب قلة معدات الفحص، قد لا تكون تلك الأعداد معبرة عن حصيلة الموتى الحقيقية، بحسب ما ذكره الأطباء والمسؤولون في القطاع الصحي هناك.

تم إرسال أكثر من نصف مليون جرعة لقاح صنعته شركة أسترازينيكا وسينوفاك إلى محافظة إدلب وغيرها من المناطق في شمال غربي سوريا. ولكن لغاية هذا الأسبوع، لم يتلق اللقاح بشكل كامل سوى 39500 شخص من الأهالي في إدلب، أي نحو 1% من السكان وذلك بحسب ما أوردته منظمة الصحة العالمية.

اقرأ أيضاً: كيف يستعد القطاع الطبي لمواجهة "الفطر الأسود" شمال غربي سوريا؟

ولهذا أعرب المسؤولون عن القطاع الصحي هناك عن قلقهم تجاه تفاقم هذه الأزمة مع اقتراب فصل الشتاء، إذ يضطر سكان الخيام إلى البقاء داخلها، ضمن حجرات مغلقة، بوجود عائلات كبيرة. ومع ارتفاع عدد الإصابات بشكل كبير، تحولت عملية عزل إدلب إلى لعنة، إذ على مدار أيام خلال الشهر الفائت، لم تعد فحوصات PCR متوافرة هناك، ما دفع الأطباء إلى تشخيص كوفيد-19 عبر الاستعانة بالتصوير الشعاعي، وتحول الأوكسجين إلى مادة نادرة وباهظة الثمن، مع امتلاء الأجنحة المخصصة للحالات الحرجة في المشافي.  

كما أن الهيئة الحاكمة في إدلب المرتبطة بمقاتلين إسلاميين يمثلون السلطة الحقيقية في تلك المحافظة، ليست لديهم الموارد ولا الكوادر القادرة على مواجهة هذه الجائحة. بل على العكس، أصبحت الاستجابة الصحية مسؤولية تقع على عاتق المنظمات غير الربحية والمنظمات الدولية والأطباء المحاصرين، وبعض الموظفين الحكوميين من أصحاب النيات الطيبة. ثم فرضت السلطات المحلية إغلاقاً لمدة أسبوعين خلال الشهر الفائت، غير أنها رفعته قبل أن يحقق أي تأثير ملموس على نسبة الإصابات بحسب ما ذكر الأطباء.

يحدثنا العاملون على سيارات الإسعاف في مدينة إدلب بأنهم كانوا ينقلون نحو 20 جثة يومياً إلى المقبرة، كما كانوا يعملون على مدار الساعة في نقل المرضى من المشافي الحكومية إلى العنابر المخصصة لمرضى كوفيد. ولكن في بقية أرجاء المحافظة، وعقب فترة الإغلاق، استمرت الحياة وكأن شيئاً لم يكن، حيث ظلت المدارس والمطاعم والحافلات تعج بالناس الذين بالكاد أن ترى بينهم من يرتدي كمامة.

اقرأ أيضاً: موقع أميركي: رشاوى مقابل تحليل كورونا وسرير مشفى في مدينة حلب

بالنسبة للأطباء، تجاوزت المشاهد حدود الذعر والصدمة، حيث يقول إبراهيم: "إذا استمرت هذه الذروة لشهر آخر، فسنشهد انهياراً كاملاً".

طفرة في المخيمات

ظهرت تلك المحافظة التي تحولت إلى جبهة لمعارك جرت بين الثوار الإسلاميين وقوات النظام وكأنها الوحيدة التي تعاني من ضعف المعدات والتجهيزات لمواجهة تفشي الجائحة. إذ تشرد نصف سكانها البالغ عددهم 4 ملايين نسمة بسبب الحرب وانتقلوا للعيش في أماكن أخرى، وانتشر فيها الفقر والجوع، وأصبح أكثر من مليوني نسمة فيها يعتمدون على المساعدات الإنسانية بشكل كبير، ومعظم الأطفال هناك يعانون من التقزم أو توقف النمو، كما تعاني الحوامل من سوء التغذية. ولا يتوافر فيها العدد الكافي من الأطباء، فقد تدمرت معظم مشافيها ومراكزها الصحية بسبب القتال، أو بسبب الغارات الجوية التي نفذها جيش النظام أو حليفته روسيا.

ثم شهدت إدلب طفرة في أعداد المصابين بفيروس كورونا، وذلك خلال خريف عام 2020، عندما وصلت الإصابات إلى 500 حالة في اليوم بحسب ما ذكره الطبيب صلاح الدين صالح الذين يعمل مع إبراهيم عبود في مشفى الزراعة، وهو أحد المشافي الموجودة في إدلب التي تتلقى الدعم من قبل الجمعية الطبية السورية الأميركية أو سامز.

وخلال فترة الذروة الحالية، تجاوزت أعداد المصابين في بعض الأحيان 1500 حالة باليوم، وعن هذا يخبرنا صلاح الدين فيقول: "أصبحنا نرى حالات بين صفوف الأطفال والشباب، ومعظمها حالات صعبة". إلا أن القلق الأكبر يتمثل بارتفاع عدد الإصابات في المخيمات، إذ من الصعب هناك فرض حالة التباعد الاجتماعي، ولهذا لا بد للفيروس أن يحصد أرواح العجائز ومن لديهم أمراض أخرى.

أصيب أحمد رحال، 77 عاماً، وهو رجل لديه تاريخ طويل مع الآفات القلبية، بكوفيد خلال هذا الخريف، بحسب ما ذكرت زوجته وحفيده، فقد كان يعيش في خيمة ضمن مخيم صغير "والتقط الفيروس عبر تواصله مع الآخرين" كما يقول حفيده الذي يحمل اسمه.

تم نقل الجد خلال الشهر الماضي إلى مركز العزل لمرضى كوفيد في مدينة إدلب، إلا أن الأطباء عجزوا عن تأمين سرير له في وحدة العناية المركزة بحسب ما ذكرت عائلته، فبقيت زوجته، فطوم مهدي، تسهر بقلق خارج عنبر العزل على مدار أيام، في محاولة منها لأن تراه، لكنها عجزت عن تأمين رعاية أفضل له، ولهذا تقول: "أردت أن أبدل ثيابه، وأن أعطيه شربة ماء". حكت لنا قصته وهي تجلس على كيس للإسمنت في مكان مخصص لركن السيارات يملؤه الغبار، ثم أخذت تعتصر هاتفها، وكأن الضغط عليه سيرغمه على نقل أخبار سارة، ولكن بعد مرور يوم على ذلك، أسلم زوجها الروح.

في خيمة أقيمت في مخيم آخر يؤوي مئات الأشخاص، تجمع أشخاص ليعزوا بصالح محمد الكناش الذي أمضى سبعة أيام في وحدة العناية المركزة بالمشفى إلى أن توفي في منتصف شهر تشرين الأول عن عمر ناهز 102 عام بحسب ما ذكر حفيده إبراهيم الكناش. إلا أن معظم سكان المخيم أصيبوا بالعدوى، وتوفي منهم 10 أشخاص على الأقل بحسب ما أخبرنا الحفيد الذي يعمل في مطبخ بمشفى الجامعة في مدينة إدلب، وذكر لنا بأنه تلقى اللقاح مع سائر أفراد الكادر الطبي، إلا أن معظم من يعيشون في المخيم الذي كان جده يقيم فيه لم يتلقوا أي تطعيم، ويعلق على ذلك قائلاً: "هنالك كثير من المعلومات الخاطئة، فبعضهم يقول إنك ستموت بعد سنة، وبعضهم يرى أنه يسبب مشكلات جنسية".

اقرأ أيضاً: نظام الأسد يستغل تطبيقات كورونا للتجسس على السوريين

  الموت على العتبة

يمكن للنجاح النسبي الذي حققته إدلب في تجنب وقوع كارثة عند بدايات ظهور الجائحة أن يفسر سبب انتشار حالة اللامبالاة بين أهالي إدلب بحسب رأي الأطباء، إذ ترى كارولين ماسوندا من منظمة أطباء بلا حدود، تلك المنظمة التي تدعم هي أيضاً المشافي في سوريا، بأن: "الناس يعتقدون بأنهم سيتدبرون أمورهم بلا لقاح، فضلاً عن عدد الوفيات الذي كان قليلاً، والذي جعل الناس لا يأخذون الجائحة على محمل الجد، ولكن الآن أصبح الموت على عتبة دارهم".

ويخبرنا الأطباء أنهم أصبحوا يصارعون حالة الاستسلام للقضاء والقدر التي سيطرت على السكان الذين رأوا الموت أكثر من مرة، وبحالات وطرق عديدة على مدار العقد الماضي، ولهذا يقول خالد الحاجي وهو طبيب أمراض قلبية يعمل لدى مشفى الزراعة: "أصبح أهالي هذه المنطقة هدفاً للقتل على مدار سنوات، ولهذا تشعر بأنهم لم يعودوا يكترثون لأي شيء".

كانت أسماء اللبان، 22 عاماً، من بين من شككوا بعملية التلقيح، فقد فكرت في أخذ اللقاح لكنها تراجعت بسبب الشائعات التي انتشرت عن اللقاح وعن إمكانية قتله للمريض. وبعد مرور أسابيع قليلة على ذلك، تعرضت أسماء للإصابة، ونقلت العدوى لابنتها أسيل البالغة من العمر خمسة أشهر.

كانت الرضيعة تبكي وتصرخ في إحدى غرف الفحص عندما قام أطباء في مشفى ابن سينا للأطفال بسحب دم من يديها، وعندما سمعتها أسماء أخذت تبكي.

يقول المسعف عبد الرزاق زقزوق، 27 عاماً، الذي رافق الصحفيين إلى عنبر العناية المشددة في المشفى: "يأتي الناس إلى المشافي فيهولهم ما يرونه، فهم يشعرون بأن الحياة طبيعية، لكن لا شك أنك تحس بالخطر في المشافي، لأن الوضع أصبح خارج السيطرة".

إن الشكوك التي تدور حول لقاح كوفيد تحير الأطباء، لأنهم لم يختبروا أي شكوك مماثلة حيال أي لقاحات أخرى ضد أمراض أخرى، بحسب ما ذكر مدير المشفى إبراهيم عبود. ولكن خلال الأيام العشرة الماضية، طرأ ارتفاع بسيط على نسبة من تلقوا اللقاح في إدلب، في مؤشر يدل على أن ارتفاع نسبة الوفيات بالمرض بدأ يقضي على نظريات المؤامرة.

ولكن حتى إن تغيرت المواقف تجاه اللقاح، فقد فات الأوان بالنسبة لوالدة إبراهيم، واسمها أمل، فقد أقنعها أشخاص تثق بهم بضرورة تجنب اللقاح، وهكذا توفيت في المشفى الذي يديره ابنها خلال الأسبوع الماضي.

 

المصدر: واشنطن بوست