icon
التغطية الحية

موقع أميركي: رشاوى مقابل تحليل كورونا وسرير مشفى في مدينة حلب

2020.09.29 | 15:35 دمشق

20200111_2_40271192_51095370.jpg
ميدل إيست مونيتور- ترجمة وتحرير: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

في العاشر من أيلول/سبتمبر 2020 أصبح د. عدنان الجاسم أول طبيب يفارق الحياة بسبب فيروس كورونا في الشمال السوري.

فقد نزح هذا الطبيب حسبما ذكرت ميدل إيست مونيتور من جراء القصف الذي استهدف دير الزور الواقعة في المنطقة الشرقية من البلاد وأخذ يعتني بالجرحى طيلة الحرب التي امتدت لتسع سنوات في سوريا، غير أنه توفي بسبب الفيروس أثناء عمله كطبيب تخدير وإنعاش في مشفى الفارابي بمدينة الباب بحلب.

إذ في شمال غربي سوريا هنالك 600 طبيب فقط لأربعة ملايين من السكان يعيشون في تلك المنطقة، أي ما يعادل 1.4 طبيب لكل عشرة آلاف نسمة، وقد شرحت لنا مارويسا سايمون الوضع بما أنها مسؤولة الاتصالات لدى منظمة USSOM وهي عبارة عن تجمع لمنظمات غير حكومية تقدم الرعاية الطبية في سوريا، وذلك بالقول: "إنهم -أي الأطباء- يقومون بـ500 ألف إجراء طبي بالشهر مجاناً، لذا فإن صحتهم وسلامتهم أساسية وضرورية لمواصلة مساعدة السوريين وتقديم الخدمات لهم".

المنظومة الصحية في مواجهة كورونا بمخيمات إدلب

وحول هذا الموضوع يعلق منذر بولاد وهو مدير برنامج اتحاد المنظمات الطبية الإغاثية السورية (UOSSM) في شمال غربي سوريا بالقول: "بعد تسع سنوات من النزاع في سوريا أصبحت منظومة الرعاية الصحية فيها على حافة الانهيار، إذ ما بين بداية النزاع وشهر شباط/فبراير 2020، تم تنفيذ 595 هجمة على ما لا يقل عن 350 مرفقا صحيا كل على حدة، وقتل في تلك الهجمات 923 عاملا في القطاع الطبي. ثم إن 536 هجمة من أصل 595 نفذتها حكومة النظام مع حلفائها".

ومنذ بداية الثورة السورية تم تدمير ربع المشافي العامة تقريباً والتي يبلغ عددها جميعاً 111 مشفى، لذا يضيف السيد منذر على ذلك بالقول: "ورد في تقرير أممي نشر في السادس من آذار/مارس 2020 بأن 70% من العاملين في المجال الصحي قد غادروا البلاد وأصبحوا مهاجرين ولاجئين".

وفي عموم البلاد، في الوقت الذي تخمن فيه الدول ما إذا كانت قد بلغت الموجة الثانية من كوفيد-19، ما يزال شمال غربي سوريا في بداية المرحلة الأولى من هذا المرض، إذ لم يداهم الفيروس تلك المنطقة فعلياً حتى شهر آب/أغسطس من هذا العام، أي بعد مرور أكثر من ثمانية أشهر على ظهور الحالات الأولى منه ثم انتشاره في بلدان أخرى.

واعتباراً من 24 من أيلول/سبتمبر، أصبح هنالك 760 حالة إصابة مؤكدة في شمال غربي سوريا، جميعها خضعت للتحليل في المخبر الطبي الوحيد في تلك المنطقة، 35% من تلك الحالات كانت بين صفوف العاملين في الرعاية الصحية، وذلك مقارنة بـ 3765 حالة مؤكدة في المناطق التي يسيطر عليها النظام والتي تم تسجيلها حتى تاريخ 19 من أيلول/سبتمبر.

حدثني شخص اسمه أحمد إدريس يعمل لدى منظمة تكافل الشام الخيرية ومقرها في محافظة حلب بأن حالات الوفاة والإصابة بفيروس كورنا في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة ما تزال قليلة للغاية، إذ قال: "إن المناطق المحررة مغلقة ومعزولة عن المناطق المحيطة بها، مما يقلل من حدة وصول وانتشار الفيروس فيها. فالمنطقة هنا معزولة عن العالم في الخارج، ولا يوجد فيها مطارات ولا قطارات ولا مناطق عبور مع دول أخرى مما يساعد على تأخير وصول الفيروس إلى هذه المنطقة".

ولكنه يخاف مما قد يحدث لاحقاً، وهذا ما عبر عنه بالقول: "إن الكثافة السكانية والمخيمات التي تغص بالناس وغياب المنظمات الدولية المعنية بمحاربة الفيروس كل ذلك يثير القلق فينا حيال انتشار المرض".

ومع اقتراب الشتاء وزحفه نحو أخطر منطقة في العالم بأسره، أخذ عدد الإصابات يرتفع.

وهنا يعلق تشامسكي سركيس الذي أجرى مؤخراً دراسة حول فيروس كورونا في شمال غربي سوريا قائلاً: "إذا حدث وتفشى الفيروس في عشرة مخيمات أو عشرين مخيماً من أصل ألف مخيم في إدلب وحدها، فهذا يعني أن منظومة الرعاية الصحية لابد وأن تنهار في غضون أسابيع. وذلك لأن كل مخيم يؤوي وسطياً ألف نازح، لذا خلال أقل من شهرين سيكون في كل مخيم ما يقارب 100 حالة حادة أو حرجة بحاجة لجهاز تنفس ولسرير في العناية المركزة. وبالنسبة للمخيمات العشرة نتوقع أن نحتاج لألف مكان في العناية المركزة، وبالأصل فاق الطلب عليها حدود قدرتها على تقديم الرعاية الصحية في شمال غربي سوريا".

إذ خلال شهر آذار/مارس كان هنالك 201 سرير في العناية المركزة و95 جهاز تنفس في عموم شمال غربي سوريا، إلا أن سايمون أخبرتني بأنه لا يتوفر إلا سرير واحد في المشفى لكل 1363 شخصا.

وفي الوقت الذي ركزت فيه الرسائل الإعلامية حول الجائحة في عموم أنحاء العالم على مسألة التباعد الاجتماعي وغسل الأيدي عدة مرات، تعيش في خيام النازحين عدة عائلات مع بعضهم حيث يتقاسم هؤلاء المراحيض والحصة المخصصة من المياه، في ظل انعدام منظومة الصرف الصحي.

وهنا تعلق سايمون بالقول: "كل العناصر الأساسية لمنع انتشار أي جائحة مفقودة بشكل ملحوظ في محافظة إدلب".

وعلاوة على ذلك، يعاني كثير من النازحين بالأصل من مشكلات حادة تتصل بالجهاز التنفسي، منها السل، إذ يحدثنا الطبيب أحمد الحسن وهو طبيب أمراض رئة لدى مركز كورونا التابع لمنظمة UOSSM في محافظة إدلب حول هذا الوضع بالقول: "إن الأمراض المزمنة مدمرة في مخيمات النازحين، كما أنها تمثل عقبة أمام الحصول على العلاج المناسب. ولقد أصبنا بالذعر بسبب نقص الأدوية الذي نواجهه، بالإضافة إلى احتمال انتشار جائحة كوفيد-19، ما يعني أن الوضع سيسحقنا تماماً... إذ ليس بمقدورنا أن نتحمل تكلفة تغيير الكمامة بين كل مريضين".

الطبابة في مناطق النظام

وقد حدثني أحد السوريين بأنه قرأ القليل عبر الإعلام حول كوفيد في سوريا لكنه لاحظ والخوف يعتصره كيف أخذ كثير من الناس ينشرون النعي تلو الآخر لأصدقائهم وأحبائهم الذين قضوا بالفيروس على صفحات الفيسبوك. حيث كشف تقرير أجراه باحثون لدى الكلية الإمبراطورية بلندن بأن 1.25% فقط من الوفيات بسبب فيروس كورونا هي ما تقوم دمشق بالإعلان عنه.

وهنا تحدثنا رنيم باذنجكي وهي مسؤولة الاتصالات لدى "الحملة السورية" فتقول: "يرزح المدنيون في المناطق التي يسيطر عليها النظام تحت وطأة عقد كامل من النزاع والأزمة الاقتصادية، بالإضافة إلى فساد النظام وسوء إدارته وعدم حمايته للمدنيين من الجائحة العالمية".

وترى رنيم بأن آلاف السجناء السياسيين المحتجزين في ظل ظروف صحية سيئة قد يتفشى بينهم المرض بسرعة كبيرة، وأضافت: "لقد ارتفع عدد الإصابات والوفيات بكوفيد-19 بشكل كبير خلال الأسابيع الماضية، دون أن يفصح النظام ولا منظمة الصحة العالمية عن تلك الحالات الموجودة في سوريا، وقد ترك الأطباء والعاملون في المجال الطبي بمفردهم في معالجة تلك الأزمة، حيث تقوم أجهزة الأمن بترهيبهم ومنعهم من الحديث علناً حول تدهور الوضع الصحي في البلاد".

ومع ذلك يبذل هؤلاء كل ما يقدرون عليه، فقد ذكر طبيب سوري لم يكشف عن اسمه بأن المشفى الوحيد في حلب قد نفدت منه الأكياس التي توضع فيها الجثث وبأن المرضى تتم معالجتهم في غرف قذرة ومزدحمة في ظل محدودية الطبابة والأدوات. وهنالك نقص في معدات الوقاية الشخصية، في الوقت الذي يحاول فيه البعض أيضاً أن يقوم بشراء الأوكسجين وأجهزة التنفس الخاصة به.

وذكرت الصحفية غاسيا أوهانيز المقيمة في لبنان والتي تقوم بتغطية أحداث تفشي كوفيد في سوريا بأن مشافي حلب نفد منها الدواء، وبأنها تقوم بمعالجة المرضى وسط انقطاع الكهرباء والماء لفترات طويلة ومتكررة، حيث قالت: "يتعين على أهالي حلب أن يقوموا بدفع رشوة للكادر العامل في المشفى مقابل الحصول على سرير، كما يطلب منهم تأمين دوائهم بأنفسهم. فقد أخبرتني امرأة بأنها توجهت إلى 11 صيدلية في حلب قبل أن تجد أقراص فيتامين C"

وأضافت أنه حتى في اللاذقية التي يسيطر عليها النظام ثمة نقص في الأدوية.

ويحدثنا سامي وهو صيدلاني يقيم في العاصمة دمشق بأن عمليات التحليل في دمشق، تعتبر امتيازاً ولا تجري إلا في مكان واحد حالياً، ألا وهو مركز الجلاء وذلك بعد إغلاق المواقع الأخرى، وتستغرق العملية قرابة أسبوع أو عشرة أيام للحصول على موعد.

الإتاوة عبر التحليل الإجباري

وفي الوقت الذي تبرز فيه مشكلة محدودية عمليات الفحص والتحليل في سوريا، فرضت وزارة الصحة في حكومة النظام فحص PCR إجباريا على كل من يرغب بالسفر من سوريا براً للوصول إلى مطار بيروت. ويجب أن يتم هذا التحليل الذي يكلف 100 دولار أميركي في المراكز المعتمدة بدمشق.

ولهذا سخر ناشطون على الإنترنت من هذا الإجراء، واتهموا النظام باستغلالهم للحصول على العملة الصعبة، بما أن الفحص في مطار بيروت يكلف ربع هذه القيمة. وقد تم فرض هذا الإجراء بعيد أسابيع من فرض الحكومة تحويل مبلغ 100 دولار إلى العملة السورية على كل الراغبين بدخول سوريا.

بيد أن كل ذلك كان له عواقب مأساوية، ففي بداية شهر أيلول، فارقت زينب الإبراهيم ابنة السبعة عشر ربيعاً الحياة على الحدود بعدما منعت من دخول البلاد بسبب عدم امتلاكها لرسم الدخول.

وبالعودة إلى شمال غربي سوريا، نجد بأن الحظر والقيود المفروضة على الحواجز من قبل أجهزة الأمن التابعة للنظام في سوريا، تعكس مدى صعوبة حصول النازحين على معدات الوقاية، وهذا ما شرحه السيد منذر بولاد بالقول: "تبيع الصيدليات الكمامات والقفازات بأسعار مرتفعة، إذ يتراوح سعر الكمامة الواحدة ما بين 500- 1000 ليرة سورية (ما يعادل 0.25-0.50 دولار أميركي).

ثم إن الحرب والتضخم والأزمة الاقتصادية الخانقة والعقوبات الأميركية تعني أن المواطن السوري العادي يعيش بدخل لا يتجاوز 4 دولارات باليوم الواحد، ومع ارتفاع أسعار الأدوية والفيتامينات والمعقمات، لابد أن يختار كثير من المواطنين السوريين ما بين تأمين لقمة العيش وتحصين أنفسهم ضد فيروس كورونا.

المصدر: ميدل إيست مونيتور