icon
التغطية الحية

واشنطن بوست: بوتين مجرم حرب منذ سنين لكن لم يلتفت أحد لذلك حتى الآن

2022.03.23 | 10:14 دمشق

تصاعد كرة من النار بعد قصف النظام السوري لمدينة حلب في عام 2016
تصاعد كرة من النار بعد قصف النظام السوري لمدينة حلب في عام 2016
واشنطن بوست - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

خلال الأسبوع الماضي، وصف الرئيس بايدن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه: "مجرم حرب"، وذلك لإصداره أوامر تقضي بشن هجمات على المدنيين الأبرياء في أوكرانيا. وقد رحب السوريون بتصريح بايدن الذي تأخر سبع سنوات، بما أن الجيش الروسي ظل يرتكب جرائم حرب في سوريا (بالتعاون مع نظام بشار الأسد) منذ عام 2015. فلو حاسب العالم بوتين منذ ذلك الحين، عندها لن يكون بوسعه ارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا اليوم.

محارق بوتين

أتى رد بايدن على سؤال صحفية صرخت مطالبة إياه بالإجابة يوم الخميس الماضي بعدما أمضى مسؤولون في الإدارة الأميركية أسابيع وهم يحومون حول مصطلح: "مجرم الحرب" محجمين عن إطلاقه، حيث بقي معلقاً من أجل مراجعته بصورة قانونية ورسمية، إلا أن بايدن لم يفعل شيئاً سوى أنه أقر بما يراه الجميع، وهو أن القوات الروسية ترتكب هجمات متعمدة ووقحة ضد المدنيين في عموم أنحاء أوكرانيا. وقد شبه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في حديثه أمام البرلمان الإسرائيلي يوم الأحد الماضي الهجمات الروسية على أوكرانيا بالمحرقة (الهولوكوست) التي تعرض لها اليهود.

تحدث بعض من نجوا من المحرقة وغرف التعذيب التي أقامها الأسد أمام الكونغرس الأميركي خلال الأسبوع الماضي في احتفالية عقدت تكريماً لذكرى الثورة السورية. فإلى جانب العديد من النواب في ذلك المجلس، تحدث ناشطون سوريون وخبراء في جرائم الحرب حول جرائم الحرب المتواصلة في أوكرانيا بوصفها نتيجة طبيعية لتقاعس العالم عن وقف الفظائع التي ارتكبت بحق السوريين. إذ تحدث النائب مايكل ماكول من تيكساس، وهو عضو بارز في الحزب الجمهوري، أمام لجنة الشؤون الخارجية التابعة للكونغرس، فقال: "إن العالم يراقب بوتين مذعوراً وهو يرتكب جرائم حرب في أوكرانيا، كما أن جرائم الحرب التي ارتكبها في سوريا مرعبة بكل تأكيد".

يدرك السوريون تماماً الفظائع التي ترتكبها روسيا في أوكرانيا، مثل استهداف المشافي والمدارس، واستخدام الذخائر المحظورة لاستهداف المدنيين، والاستعانة بتجويع الناس كسلاح حرب. إلا أن الروس لم يستخدموا الأسلحة الكيماوية بعد، بيد أن هذه المسألة قد تكون مسألة وقت، إذ يعلق ماكول على ذلك بقوله: "لن أستغرب إن رأينا ذلك يحدث في أوكرانيا خلال فترة قريبة".

أما النائب بريندان بويل فقد ذكر بأن بوتين يستعين "بدليل الاستخدام الذي طبقه في حلب" مع أوكرانيا، في إشارة إلى الحملة المركبة التي تتضمن عمليات قصف على نطاق واسع وحالات حصار طبقها كل من الأسد وروسيا وإيران لإخضاع ثاني أكبر مدينة في سوريا، والتي سقطت بيد النظام في عام 2016.

ويتابع بويل بالقول: "إنني على يقين تام من أن العالم لو أبدى ردة فعل تجاه سوريا كما يفعل اليوم، فلن يحدث أي غزو على أوكرانيا، ولهذا علينا أن نستغل هذه الفرصة للاعتراف بالحقيقة القائلة بإن بوتين سيواصل القيام بذلك في أماكن أخرى إن لم يتم إيقافه".

في حين تحدث ستيفن راب الذي شغل منصب السفير المتجول من أجل جرائم الحرب لدى وزارة الخارجية الأميركية أيام إدارة أوباما، فقال بإنه في حال تركت الأعراف والقواعد الدولية المناهضة للفظائع التي ترتكب بحق الشعوب بشكل جماعي، وكذلك المناهضة لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية لتنحدر وتتراجع بصورة أكبر، عندها لا بد وأن تنتشر الفظائع التي ترتكب بحق الشعوب وأن تزيد أكثر فأكثر، وأضاف: "إن الأمر لا يتصل بسوريا فقط، بل بالعالم بأسره".

جهود المحاسبة

بعد مرور أحد عشر عاماً على الأزمة السورية، لم تثمر الجهود التي بذلت لمحاسبة نظام الأسد وشركائه عن جرائم الحرب التي ارتكبوها في سوريا إلى الآن. ففي شهر كانون الثاني الماضي، حكمت محكمة ألمانية على ضابط سوري بالسجن المؤبد بعد إدانته بسبب ضلوعه في عمليات التعذيب والانتهاكات التي تعرض لها ما يربو عن أربعة آلاف إنسان بريء، وهذه الجهود قد تدفع نحو محاسبة بوتين على جرائم الحرب التي يرتكبها في أوكرانيا.

لقد أسس المدعون العامون في ألمانيا قضيتهم على مبدأ الولاية القضائية الشاملة، التي تبيح محاكمة من ارتكب جريمة ضد الإنسانية حتى لو كان قد ارتكبها في دولة أخرى، ولكن في الوقت الذي تعهدت فيه المحكمة الجنائية الدولية بفتح تحقيق بجرائم الحرب التي ترتكبها روسيا في أوكرانيا، نجد بأن موسكو لا تعترف بالولاية القضائية لتلك المحكمة. ولذلك قد يمثل مبدأ الولاية القضائية الشاملة بديلاً حاسماً بالنسبة للأوكرانيين الذين ينشدون العدالة.

وفي هذه الأثناء، ما تزال الأدلة الجديدة حول الفظائع الجماعية التي ارتكبها الأسد وشركاؤه من الروس والإيرانيين في سوريا تظهر وتتكشف، فأحد من تحدثوا في الحفلة التي أقيمت في ذكرى الثورة السورية بمبنى مجلس الشيوخ كان ممن تعاقدوا في السابق مع النظام، وقد أجبر هذا الرجل على حفر مقابر جماعية وملئها بالجثث طوال سنوات عديدة، ولهذا أطلق عليه لقب: "حفار القبور"، بعدما أسهم هذا الرجل في فضح الأماكن التي استخدمها الأسد ونظامه لدفن الآلاف من المدنيين الذين تم اغتيالهم وقتلهم على يد أعوانه. إلا أن هذا الرجل يرثي لحال أوكرانيا اليوم لأنه لا بد وأن تظهر فيها مقابر جماعية هي أيضاً.

أنظمة إجرامية تتجاوز كل الحدود

تحدث حفار القبور في تلك المناسبة فقال: "عندما يغض المجتمع الدولي الطرف عن جرائم ضد الإنسانية وعن مجازر إبادة جماعية، وعن قصف المشافي والمدارس، وعن الاختفاء القسري والاعتقال، عندها لا بد للأنظمة الإجرامية أن تتجاوز كل الحدود دون أن يقف في طريقها شيء".

فقد رفضت المجتمعات الغربية منذ أمد بعيد التدخل من أجل إجراء محاكمة لإنصاف من يحملون ثقافات أو أديان أو أعراق أخرى مثل المسلمين الأويغور في الصين أو الروهينغيا في ماينمار والذين تصفهم إدارة بايدن اليوم بأنهم ضحايا لعمليات إبادة. ولكن مع أوكرانيا، بذل الغرب جهداً أكبر لحماية المدنيين، بالرغم من كونه غير كاف. إلا أن النموذج الأوكراني يظهر كيف يعبر تجاهل الفظائع والجرائم في أي مكان في العالم عن إفلاس على المستوى الأخلاقي والاستراتيجي.

يجري الربط بشكل مباشر بين الأزمتين: السورية والأوكرانية، وذلك لأن بوتين يرتكب جرائم الحرب نفسها في كلا البلدين، والآن، بعد أن وصف الرئيس الأميركي بوتين بمجرم حرب، يأمل المدافعون عن حقوق الإنسان، الذين يعملون على رفع الشعار الذي أطلق بعد عام 1945، ألا وهو: "لن يتكرر ذلك أبداً"، أن يتمكنوا من محاسبة الرئيس الروسي على كل جرائمه، إلى جانب نظام الأسد بكل تأكيد، إذ تقول نعومي كيكولار وهي مديرة مركز سايمون-سكيوت لمنع الإبادة لدى متحف المحرقة التذكاري في الولايات المتحدة: "في الوقت الذي نركز فيه على أوكرانيا، ينبغي علينا، بل يجب علينا أن نبقي تركيزنا وعيوننا مفتوحة أيضاً على الحقائق التي تتصل بما يحدث في سوريا، وذلك لأن معاناة الشعب السوري ماتزال مستمرة".

المصدر: واشنطن بوست