هل اكتملت مسرحية إصلاح الائتلاف؟

2022.04.18 | 06:09 دمشق

1648113022638304022.jpeg
+A
حجم الخط
-A

يُساق كلام معسول، منذ مدة ليست قصيرة، حول القيام بخطوات لإصلاح الائتلاف السوري المعارض، بما سيغيّر وجهه، ويلمّع صورته أمام السوريين، وذلك عبر إعادة النظر في عضوية بعض أعضائه وكتله الخلّبية العديدة، وإحداث تعديلات وتغييرات على نظامه الأساسي أو الداخلي، في حين تحدث بعض الأعضاء المهيمنين عليه عن تغييرات واعدة وإصلاحات مزلزلة.

وقدم مؤخراً أحد ما يُسمى مراكز الدراسات الاستراتيجية والأبحاث الكونية تقريراً عديم المهنية ومفعماً بالإيديولوجيا حول إعادة إنتاج الائتلاف، كما ذهبت شخصيات تحسب على المعارضة السورية، من داخل منصاتها ومن خارجها، إلى الدوحة، واجتمعت مع ممثلين عن تلك المراكز في ندوة "عصف ذهني"، خرجت منها بتوصيات شبيهة بتوصيات اجتماعات أستانا وسوتشي التي ترعاها كل من روسيا وإيران وتركيا.

والظاهر أنه بعد تشكيل رئاسة الائتلاف لجنة، لم ينظر أحد بمدى أهلية أعضائها، فضلاً عن أهلية رئاسة الائتلاف نفسها، تقرر استبعاد 14 عضواً من الائتلاف، وتغيير تمثيل بعض المجالس المحلية فيه، والإبقاء على ممثلي بعض المحافظات، مقابل ضم ممثلين عن ستة مجالس مناطقية في الشمال الغربي، وتحديداً من مناطق اعزاز والراعي وعفرين والباب وجرابلس ورأس العين وتل أبيض، أي المناطق التي تسيطر عليها فصائل "الجيش الوطني" ومن يدور في فلكها، وتوجد فيها قوات تركية، إضافة إلى إنهاء عضوية أربعة مكوّنات في الائتلاف، طالت ما يسمى "حركة العمل الوطني"، و"الكتلة الوطنية المؤسسة"، و"الحراك الثوري"، و"الحركة الكردية المستقلة"، والتي لا وجود لها ولا فاعلية ولا تأثير، ولا يتجاوز عدد أفراد بعضها عدد أصابع اليد الواحدة، لكن ذلك لا يعني أن باقي الكتل الموجودة في الائتلاف لها تمثيل أكبر أو أوزن بين السوريين، أو أكثر فاعلية أو تأثيراً عليهم، والأمر نفسه ينطبق على ما يسمى "الشخصيات المستقلة" الموجودة في الائتلاف التي كانت تسمى "شخصيات وطنية" سابقاً، وهي لا تمتلك أي مرجعية لها، ولا أحد يعلم ما هي المعايير التي يتم وفقها تصنيف هذه الشخصيات، والأنكى من ذلك أنه حين تنتهي صلاحية أحد أعضاء الائتلاف يجري تحويله إلى شخصية مستقلة، وذلك عندما تقرر كتلته إنهاء تمثيله لها، أو عندما ينهيها الائتلاف نفسه، مثلما حصل مع كل من هشام مروة ونصر الحريري، ومع آخرين كثر قبلهم.

غير أن فصول مهزلة إصلاح الائتلاف تتالت إثر تشكيل بعض المبعدين عن الائتلاف ما سمّوه "الائتلاف الوطني السوري - تيار الإصلاح"، بعد إحساسهم بأنهم باتوا خارج اللعبة، ولم يعودوا يتمتعون بالحظوة وبالامتيازات وبالمواقع التي كانوا يتكسبون منها، وقاموا بإصدار بيانات تُذكر ببيانات انقلابات حزب البعث العربي الاشتراكي السيئ الذكر، لغة ومضموناً، وراحوا يتحدثون عن "انقلاب السابع من نيسان"، الذي قادته مجموعة من أعضاء الائتلاف المهيمنين عليه، ونفذته "زمرة دخيلة"، وعن عملية "تبادل الطرابيش"، التي "اعتادت عليها الزمرة الفاسدة"، داعين "أحرار سوريا" إلى "التكاتف والعمل المشترك من أجل إصلاح المؤسسات الوطنية وقطع دابر المتسلقين والمشبوهين".

التغييرات الشكلانية التي قام بها الائتلاف، لم تمس النواة الصلبة التي تتحكم به، وتسيطر على قراراته وتوجهاته

وبصرف النظر عن ادعاءات بعضهم، فإن التغييرات الشكلانية التي قام بها الائتلاف، لم تمس النواة الصلبة التي تتحكم به، وتسيطر على قراراته وتوجهاته، والتي يدعوها ناشطون سوريون بالـ"جي فور" أو الـ"جي سيكس"، أو أي جي أخرى، ويقصدون بها مجموعة شخصيات لها علاقات وارتباطات خارجية قوية مع أجهزة دول مؤثرة وداعمة للائتلاف، وهي تعتاش على هذا الدعم، وليس هناك أحد من السوريين يحاسبها على أدوارها، ولا عن تمثيلها وأدائها. ويتهمها بعضهم بالارتزاق السياسي. وهي مجموعة يرى سوريون كثر بأن لا مشروعية لبقاء بعض أعضائها ضمن الائتلاف منذ تأسيسه نهاية عام 2012، ومن دون أي تجديد أو شرعنة، أو بناء على معايير واضحة، مقنعة ومتوافق عليها، ويمكنها أن تحوز ثقةَ السوريين. وعادة ما يتنقل أفراد هذه المجموعة من منصب قيادي إلى آخر في مؤسسات المعارضة، وقامت في بعض الأحيان بعقد صفقات فيما بينها، وتنفيذاً لأجندات ومطالب خارجية، وقضت بتبادل المناصب ما بين رئاسة الائتلاف ورئاسة هيئة التفاوض ورئاسة الحكومة المؤقتة، وسواها من المواقع التي تنظر إليها بوصفها مناصب قيادية وسلطوية، وتدرّ مكاسب مادية معتبرة. وبناء على هذا الأساس يربط بعضهم الخطوات التي قام بها الائتلاف بإشارات تلقتها قيادته من بعض الدول الإقليمية.

وبالرغم من الانتقادات الواسعة التي وجهت إليه، فإن الائتلاف، ومنذ تشكيله قبل ما يقارب العشر سنوات، لم يُجر أي عملية نقد ذاتي لما قام به من أدوار وخطوات، من أجل تقويمها وتبيان مواضع الخلل فيها، وبغية تصحيح المسار، وبقي يعمل في ظل عدم وجود لجان مراقبة أو محاسبة، يمكنها الإشراف على عمل هيئاته ومكاتبه، ومساءلة أعضائه على ما يقومون به من أدوار وممارسات، وبقي الجميع يعمل وكأنه في نادي مغلق، يلفه ظلام دامس، تنعدم فيه الشفافية، وتنتفي فيه جردات الحساب والمراجعات.

ومع ذلك كله، يريد رئيس الائتلاف، سالم المسلط، تسويق مقولة أن الخطوات التي قام بها الائتلاف، جاءت تنفيذاً لما ادّعى أنه "مطلب شعبي من الداخل السوري، وشأن سوري لم يتدخل به أحد"، مع العلم أن كثيراً من السوريين لم يعد يهمهم ما يدور في الائتلاف، ولا ما يقوم به من أدوار، بل، ورفع بعضهم في مناسبات عديدة لافتات رافضة للائتلاف ولقياداته، ومع ذلك لم يراجع رئيس الائتلاف نفسه حين اعتبر أن "الائتلاف الوطني ليس دولة، بل مؤسسة ثورية وسياسية، وهي لكل السوريين".

حتى لو تغير كل أعضاء الائتلاف وحلّ محلهم أعضاء جدد، فإنه لن يتغير أي شيء فيه، لأن مشكلته عميقة وبنيوية

ولا تخرج التغييرات أو الإصلاحات التي يقوم بها الائتلاف عن مجرد تغييرات شكلانية تطاول نظامه الداخلي، مع التركيز على عمليات استبدال بعض أعضائه بآخرين، وبعض كتله بكتل أخرى، لكن، حتى لو تغير كل أعضاء الائتلاف وحلّ محلهم أعضاء جدد، فإنه لن يتغير أي شيء فيه، لأن مشكلته عميقة وبنيوية. وإذا كان المعيار الذي اتخذ في تقييم أداء ممثلي كتل الائتلاف وسائر أعضائه، يتجسد في "الفاعلية والأداء والوجود الفعلي على الأرض"، فإنه وفقاً لهذا المعيار يجب حلّ الائتلاف، كونه ومنذ سنوات بات عديم الفاعلية، وضعيف الأداء، ولا وجود حقيقي له على الأرض، بحسب إجماع الحاضنة الاجتماعية والناشطين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وفي غيرها من المناطق والدول التي يوجد فيها السوريون.

ويعود أساس مشكلة الائتلاف ومهازله إلى أنه غير قابل للإصلاح، والأمر نفسه ينسحب على مهازل هيئة التفاوض والحكومة المؤقتة واللجنة الدستورية، وعلى سائر تشكيلات ومنصات المعارضة السورية، التي أفلست جميعاً، لأنها قامت على مبدأ المحاصصة، وتشكلت بناء على إرادات قوى دولية وإقليمية، راعية وداعمة لمكوناتها، لذلك بقيت مرتهنة لها، وفقدت استقلالية قرارها السوري، وبالتالي ابتعدت عن الشعب السوري، وعن ثورته، وباتت عالة على القضية السورية.