icon
التغطية الحية

هكذا استغل نظام الأسد الرياضة لخدمة مصالحه خلال عشر سنوات

2021.03.18 | 06:03 دمشق

lqa_alasd_m_ada_almntkhb_bd_tahlhm_aly_almlhq_alasywy_fy_tshryn_alawl_2017.jpg
لقاء رئيس النظام بشار الأسد مع أعضاء المنتخب بعد تأهلهم الى الملحق الأسيوي في تشرين الأول 2017 - سانا
إسطنبول - هاني العبد الله
+A
حجم الخط
-A

"كلنا مع نسور قاسيون"، شعارٌ رفعه النظام حين تأهل المنتخب السوري لكرة القدم إلى الملحق الآسيوي المؤهل لكأس العالم في روسيا 2018، لأول مرة في تاريخه، في مسعى من نظام الأسد لجعل السوريين مؤيدين ومعارضين يلتفون حول هذا المنتخب، تحت مبدأ فصل الرياضة عن السياسة، إلا أن رأس النظام كان يسعى في الحقيقة لاستغلال الرياضة لخدمة أجنداته السياسية والعسكرية، كما فعل والده على مدار ثلاثين عاماً.

 

مكاسب أمنية وعسكرية

في مطلع الثورة السورية قام "حزب البعث" بتوجيه من "الاتحاد الرياضي العام" التابع للنظام، بتحريض لاعبي الألعاب القتالية (كاراتيه، موتاي، كيك بوكسينغ، جودو.. إلخ) ولاعبي كمال الأجسام، للنزول إلى الشوارع وضرب المتظاهرين تحت بند تخريب الدولة، لدرجة أن معظم الرياضيين الذين يملكون بنيةً جسمانيةً قوية، أصبحوا من الشبيحة المشاركين في قمع المظاهرات.

الممثل السوري "فهد نجار" خيرُ مثالٍ على ذلك، فهو لاعبٌ رياضي كان يدير ناديا لكمال الأجسام في مدينة جرمانا بريف دمشق، ثم دخل عالم التمثيل وتخصّص في تقمّص أدوار الشبيحة ومرافقة المسؤولين، ومع بداية الثورة استغل الأسد القوة البدنية التي يمتلكها نجار وأشركه في قمع المظاهرات، ثم التحق بالميليشيات التابعة للنظام، وكان أحد أبرز أعضاء "اللجان الشعبية" في منطقة سكنه جرمانا.

في عام 2012 حقق "المنتخب السوري" أو ما بات يُعرف بمنتخب النظام، لقب بطولة غرب آسيا، وهي أول بطولة رسمية يُحققها منتخب الرجال في تاريخه، حيث فاز على المنتخب العراقي في المباراة النهائية بهدفٍ نظيف.

واستغل النظام حينذاك تتويج المنتخب ببطولة غرب آسيا، للتغطية على ممارساته الوحشية ضد المتظاهرين في مختلف المناطق السورية، وليؤكد للجميع أن الوضع في سوريا جيد والحياة طبيعية، والأنشطة الرياضية مستمرة، والدليل تحقيق بطولة غرب آسيا، حيث سارع لتضخيم الإنجاز الذي حققه المنتخب وكأنه تأهل لكأس العالم، رغم أن تلك البطولة ليست ذات أهمية.

ومنذ تلك البطولة بدأ النظام يستغل الأحداث الرياضية التي تشارك فيها منتخباته وأنديته لتلميع صورته ورفع علمه خارجياً، وتحقيق بعض الأجندات السياسية والعسكرية التي تخدم مصالحه في الداخل، وشهدت البطولة رفض عدد من اللاعبين تمثيل المنتخب، احتجاجاً على قمع النظام للمظاهرات السلمية.

 

 

كذلك سعى النظام لتحويل بعض الملاعب إلى ثكنات عسكرية، فمنذ الأيام الأولى للثورة السورية تم تحويل ملعب العباسيين بدمشق الى مقرٍ للفرقة الرابعة، حيث كانت تتجمّع فيه الباصات الخضراء التي يستقلها الشبيحة لقمع المظاهرات في ريف دمشق، لا سيما عربين وجوبر وزملكا وعين ترما، ولحماية ساحة العباسيين الرئيسية، التي تعد كبرى ساحات دمشق ويطل الملعب عليها، خوفاً من وصول المتظاهرين إليها آنذاك.

 

آثار الدمار التي طالت ملعب العباسيين بدمشق بعد أن حوّله الأسد الى ثكنة عسكرية.jpg
آثار الدمار التي طالت ملعب العباسيين بدمشق بعد أن حوّله الأسد إلى ثكنة عسكرية - الإنترنت

 

ومع تصاعد الحرب في سوريا، أصبح الملعب ثكنةً عسكرية، تتجمع تحت مدرجاته الدبابات، التي يديرها ماهر الأسد، وذلك لقصف المناطق الثائرة بالمدفعية وعلى رأسها جوبر، وإرسال التعزيزات إلى خطوط التماس المتاخمة للملعب.

كما حوّل النظام ملعب تشرين وسط دمشق، إلى مقرٍ للشبيحة وعناصر الأمن والمخابرات، لقمع المظاهرات التي كانت تخرج بمركز المدينة وبجامع الرفاعي عند دوار كفر سوسة، حيث كان يدير الملعب عضو مجلس الشعب الموالي للنظام شريف شحادة، والأمر ذاته كان بالنسبة لملعب الفيحاء، الذي كان مركزاً لانطلاق الشبيحة لاعتقال المتظاهرين في برزة وركن الدين.

 

وسيلة لتلميع صورة النظام والالتفاف على العقوبات

استغل نظام الأسد الرياضة لتحقيق مكاسب أخرى عديدة إلى جانب الشأن العسكري والأمني، فكل الإنجازات التي حققها الرياضيون أجبروا على أن يقولوا إنها برعاية "السيد الرئيس"، بالإضافة لرفع صورته على منصات التتويج، إضافةً الى تسمية معظم المنشآت الرياضية باسم آل الأسد.

وقال رئيس الاتحاد السوري لكرة القدم في المناطق المحررة، نادر الأطرش، إن الأسد "وجد في الرياضة وسيلةً لكسر العزلة الدولية والعقوبات المفروضة عليه، لذا قام بتكثيف النشاطات الرياضية في الداخل خاصةً كرة القدم، للترويج بأنه ليس هناك أي شيء في سوريا، وبأن الحياة طبيعية، كي يُشجّع اللاجئين على العودة ويجذب الاستثمارات إلى البلد، كما حرص النظام على المشاركة في البطولات الرياضية الدولية، كوسيلةٍ لتعويم نفسه وكسر الحصار الدولي المفروض عليه".

 

موالون يرفعون لافتة تظهر إقحام الأسد الرياضة في السياسة.jpg
موالون يرفعون لافتة تظهر إقحام الأسد الرياضة في السياسة - الإنترنت

 

وبعد فرض "قانون قيصر"، سعى النظام لتحقيق مكاسب مادية من الرياضة مع تدهور وضعه الاقتصادي، فسعى للترويج إعلامياً بأنه يريد إعادة ترميم المنشآت الرياضية التي دمرها "الإرهابيون" على حد زعمه كي يحصل على الدعم الدولي، وبالفعل استفاد من ذلك حيث زار وفدٌ من الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) دمشق في كانون الأول 2019 لأول مرة منذ عام 2012، بغية تقييم واقع المنشآت الرياضية وتقديم الدعم اللازم، ومراقبة انتخابات "اتحاد كرة القدم السوري" التي كان يرعاها الأسد.

 

 

وكان "الفيفا" فرض حظراً على الملاعب السورية بعد اندلاع الاحتجاجات في 2011، ما أجبر منتخب النظام على لعب مبارياته خارج أرضه ما سبّب له خسائر كبيرة، لذا طالب مراراً برفع الحظر عن الملاعب السورية، والسماح للمنتخب بلعب مبارياته على أرضه، بحجة أن سوريا أصبحت آمنة بعد سيطرة الأسد على مساحاتٍ واسعة كانت تحت سيطرة فصائل المعارضة، وهو ما يعمل "الفيفا" على دراسته، وفي حال تحقّق ذلك فإنه سيُساهم في كسر العزلة الدولية عن النظام، عبر قدوم المنتخبات لخوض المباريات في سوريا، إضافةً إلى المكاسب الاقتصادية التي سيجنيها من وراء ذلك.

وأضاف الأطرش لموقع "تلفزيون سوريا" أن "نظام الأسد سعى للالتفاف على العقوبات الدولية المفروضة عليه لجني مكاسب اقتصادية من بوابة الرياضة، فحين يتعاقد مع مدرب أجنبي أو وطني، كان الاتحاد الرياضي التابع للنظام يقوم بكتابة عقدين: الأول يُحدّد فيه راتباً متدنياً بالليرة السورية وهو الذي سيتقاضاه المدرب، وعقد آخر يُحدّد بالدولار وبراتبٍ كبير يرسله للفيفا، كي يتقاضى من الأخير مستحقات المدرب بالقطع الأجنبي، وبذلك يستطيع تحصيل الأموال بطريقةٍ غير شرعية، وهو ما فعله الأسد مع المدرب أيمن الحكيم حين تعاقد معه لتدريب منتخب الرجال لكرة القدم، لقيادته في التصفيات المؤهلة لكأس العالم في روسيا".

واستغل النظام مشاركة المنتخب في التصفيات المؤهلة لكأس العالم في روسيا بشكلٍ كبير، لا سيما بعدما أصبح المنتخب على بعد خطوةٍ من بلوغ المونديال، حيث تأهل إلى الملحق الآسيوي وواجه أستراليا، في مباراة يتأهل الفائز منها لخوض ملحق آخر مع أحد منتخبات أميركا اللاتينية، والفائز يتأهل لكأس العالم، لكن الكنغر الأسترالي تمكن من إقصاء "منتخب البراميل" وحرمانه من التأهل إلى كأس العالم لأول مرة في تاريخه.

 

 

وقال أمين سر الهيئة السورية للرياضة والشباب ميسر محمود، في حديثه مع موقع "تلفزيون سوريا"، إن "النظام استطاع عبر الضخ الإعلامي والترويج لمنتخبه خلال تصفيات مونديال روسيا، شق صف المعارضة على مبدأ أن المنتخب ليس للأسد إنما لسوريا، ومن لا يقف مع المنتخب فهو ليس سوريا وخائن، وأن الرياضة لا علاقة لها بالسياسة، وهذا الشعار الذي لا يمكن أن ينطبق على نظام ديكتاتوري كنظام الأسد، فالسياسة والرياضة وفق عقليته متلازمتان لا يمكن الفصل بينهما".

مبدأ ارتباط الرياضة بالسياسة في سوريا ظهر جلياً، من خلال تصريحات بشار الأسد عقب تأهل منتخبه إلى الملحق الآسيوي المؤهل لكأس العالم، حيث قال حينذاك "إن ما حقّقه الرياضيون من إنجازات رُفع خلالها العلم السوري في المحافل الدولية، على الرغم من ظروف الأزمة التي نمر بها منذ سنوات، كان بحد ذاته نوعًا من أنواع الدفاع عن سوريا في مواجهة ما تتعرض له".

كذلك أهدى الإداريون واللاعبون في المنتخب الفوز إلى الأسد “سيد الوطن”، ووصفوه بأنه "راعي الرياضة والرياضيين"، ما أعاد إلى الأذهان ما حصل في المؤتمر الصحفي لمدرب المنتخب السابق فجر إبراهيم في 2015، قبل مواجهة مضيفه السنغافوري ضمن التصفيات، عندما ارتدى إبراهيم مع الكادر الإداري قميصًا عليه صورة الأسد، وعند سؤاله عن سبب ذلك قال: إن “رئيسنا يتابع كل خطواتنا ويدعمنا، فنحن نلعب من أجل بلدنا ومن أجله أيضًا”.

 

مدرب منتخب النظام فجر إبراهيم في مؤتمر صحفي قبل مواجهة مضيفه السنغافوري ضمن تصفيات كأس العالم 2018.jpg
مدرب منتخب النظام فجر إبراهيم في مؤتمر صحفي قبل مواجهة مضيفه السنغافوري ضمن تصفيات كأس العالم 2018

 

وفي السياق ذاته ذكرت صحيفة "دي تسايت" الألمانية، أن نظام الأسد يستغل الرياضة لا سيما كرة القدم، لتمجيد بشار الأسد والترويج له وإعادة تعويمه من جديد لدى السوريين والعالم، مشيرةً إلى أن النظام يستغل ليس الفريق الأول فقط بل حتى الدوري الممتاز للدعاية والترويج لبشار، حيث إن الهتافات التي تُستخدم في تشجيع الأندية والأغاني واللافتات، يتم الإشراف عليها من قبل أجهزة الأمن، وبذلك فإن الأسد هو أول من يخلط بين الرياضة والسياسة ويستغلها لمصلحته، لمحو جرائمه الراسخة في ذاكرة السوريين.

 

لماذا ليس هناك وزارة للرياضة في سوريا؟

في معظم دول العالم يتم إدارة الرياضة من قبل وزارة خاصة مسؤولة عن شؤونها، لكن في سوريا يشرف على كل مفاصل الرياضة، "الاتحاد الرياضي العام"، والذي أشرف على رئاسته ضباط في جيش النظام ومؤسساته الأمنية، آخرهم العميد في "قوى الأمن الداخلي"، حاتم الغايب، والذي تم انتخابه رئيساً للاتحاد في نهاية 2019، خلفاً لفادي الدباس.

وقال الرياضي والسبّاح ميسر محمود "تعمّد النظام منذ زمن حافظ الأسد التحكم بالرياضة وفق مصالحه، لذا ربط الاتحاد الرياضي العام بالقيادة القطرية لفرع حزب البعث، من خلال مكتب الشبيبة والرياضة الذي يتحكم بجميع التفاصيل، من تعيين المسؤولين الرياضيين، وتشكيل البعثات الوطنية التي ستشارك في أي محافل دولية".

وأضاف محمود، في حديثه مع موقع "تلفزيون سوريا"، أنه "حتى اختيار الكوادر واللاعبين يتم عن طريق المكتب التنفيذي للاتحاد الرياضي العام، دون أن يكون للمدرب الحرية المطلقة في ذلك، وبالتالي فإن تلك العقلية الاحترافية المنقوصة، هي من ساهمت في تدهور الرياضة السورية، وحرمان المنتخب الأول من بلوغ كأس العالم على مدار عقود من الزمن".

وتابع قائلاً: إن "تشكيل وزارة خاصة للرياضة، سيمنحها القليل من الاستقلالية، بالإضافة إلى وجود ميزانية خاصة للوزارة، وهذا ما لن يقبل به النظام الذي يعتبر الرياضة أداةً فقط لتلميع اسم القائد، ولا يهم إن كانت هناك منشآت أو مدن رياضية تخدّم الرياضيين وتعمل على تنمية مهاراتهم وقدراتهم، لذلك يتم الاعتماد بشكلٍ كلي على الاتحاد الرياضي العام الغارق في الفساد".

 

ترويج "لحضن الوطن"

مع اندلاع الثورة السورية وتصعيد الأسد ضد المتظاهرين، أعلن عدد من اللاعبين انشقاقهم عن النظام والانسحاب من صفوف المنتخب، وكان "فراس الخطيب" أبرز اللاعبين الذين انشقوا عن النظام، حيث أعلن في 2012 خلال مهرجانٍ نظمه معارضون سوريون في الكويت، أنه لن يلعب في صفوف المنتخب طالما هناك مدفع يقصف أي مكان في سوريا.

كذلك رفع اللاعب عمر السومة علم الثورة السورية، بعد فوز المنتخب في نهائيات بطولة غرب آسيا السابعة، وعقب الفوز تقدم السومة إلى مشجعي المنتخب الذين حملوا علم الثورة، وأهدى الانتصار لهم، ليُمنع بعدها من المشاركة مع المنتخب، ويُتهم من قبل الاتحاد السوري لكرة القدم بـ "الخيانة الوطنية".

 

 

ومع تحقيق منتخب النظام نتائج إيجابية خلال تصفيات كأس العالم 2018 واقترابه من التأهل، قرر الخطيب والسومة العودة إلى صفوف منتخب النظام، رغم الوعود التي أطلقوها بمقاطعة هذا المنتخب، وقال الصحفي الرياضي أوس رمضان: إن "النظام استغل عودة الخطيب والسومة لتحقيق عدة مكاسب، أبرزها الترويج للعودة لحضن الوطن، من خلال الادّعاء بأنه يُرحب بعودة كل السوريين إلى بلدهم بما فيهم المعارضون، ولن يمسّهم بأي أذى، لكن في الحقيقة هو فخ للإيقاع باللاجئين، والدليل أن كثيراً ممن عادوا تم اعتقالهم".

 

لقاء الأسد مع أعضاء المنتخب بعد تأهلهم الى الملحق الأسيوي في تشرين الأول 20171.jpg
لقاء الأسد مع أعضاء المنتخب بعد تأهلهم إلى الملحق الآسيوي في تشرين الأول 2017 - سانا

 

وأضاف رمضان لموقع "تلفزيون سوريا" أن "النظام استفاد من عودة اللاعبين المعارضين إلى صفوفه، لتأكيد نظريته المزعومة التي حاول ترسيخها طوال عشر سنوات، وهي فصل الرياضة عن السياسة، وبنفس الوقت ليثبت أنه الوحيد الشرعي في سوريا، وأن كل معارض هو على خطأ وفي النهاية سيعود إلى حضن الوطن"، مشيراً إلى أن "العودة لصفوف منتخب البراميل، خيانة لدماء زملائهم الذين اعتقلهم النظام وقتلهم تعذيبًا، أو الذين ما يزالون مغيّبين قسرًا حتى الآن".

يذكر أن النظام قتل واعتقل كثيرا من الرياضيين، ولا توجد إحصائية رسمية، لكن التقديرات تشير إلى أن الأسد قتل أكثر من 400 رياضي، منذ انطلاقة الثورة في 2011، أبرزهم إياد قويدر، جهاد قصاب، لؤي العمر، وزكريا يوسف، في حين لا يمكن إحصاء عدد المعتقلين الرياضيين.