icon
التغطية الحية

نظام الأسد و"نصر دبلوماسي مؤزر" في أبخازيا

2020.10.30 | 06:45 دمشق

5f7afea94c59b7150a48f34e.jpg
إسطنبول ـ هشام شعباني
+A
حجم الخط
-A

شهدت العاصمة السورية دمشق، مطلع تشرين الأول الجاري، افتتاح سفارة "جمهورية أبخازيا" غير المعترف بها دوليًا، في إجراء يتعارض مع قرارات الأمم المتحدة. 

وشارك في حفل افتتاح سفارة أبخازيا، رئيس إدارة مكتب رئيس جمهورية أبخازيا "الخاس اليكسيفيتش"، ووزير خارجيته "داوور كوفيه فاديموفيتش"، إضافة إلى وزير خارجية النظام وليد المعلم.

وسبق افتتاح السفارة، اجتماع للوفد الأبخازي مع مسؤولين في النظام في مقدمتهم بشار الأسد، ورئيس وزرائه حسين عرنوس، إضافة لوليد المعلم، وبحث الجانبان "سبل تطوير العلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري بين البلدين"، إضافة إلى "التوقيع على اتفاقية للإعفاء المتبادل من سمات الدخول لمواطني البلدين من حاملي جوازات السفر الدبلوماسية والرسمية".

وخلال اللقاء، أعرب اليكسيفيتش، رئيس إدارة مكتب رئيس جمهورية أبخازيا غير المعترف بها دوليًا، عن "رغبة الشعب الأبخازي بدعم الشعب السوري في حماية البلاد من الإرهاب الدولي، والحفاظ على سيادته وسلامة أراضيه"، فيما أعرب الأسد عن رغبته في لقاء شخصي مع رئيس أبخازيا أصلان بزانيا، لبحث "آفاق التعاون الثنائي"، معتبرًا أن افتتاح سفارة لأبخازيا في دمشق خطوة "تعطي زخماً كبيراً للعمل المشترك واستكشاف آفاق تعاون جديدة".

اقرأ أيضاً: أبخازيا.. وجهة جديدة يستطيع السوريون الوصول إليها دون فيزا

وبعد إعلان النظام عن التوقيع على اتفاقية للإعفاء المتبادل من سمات الدخول لمواطني البلدين، سارع الشباب السوري في الداخل للبحث في الإنترنت عن معلومات حول هذا الإقليم "الجمهورية" المنشق عن جورجيا بدعم من موسكو، ليكتشف الباحثون أن الإقليم المشار إليه لا يمتلك مطارًا دوليًا، فضلًا عن أنه لا يحظى باعتراف دولي.

 

 

إلى ذلك، سارعت وزارة الخارجية الجورجية إلى توجيه إدانة شديدة اللهجة، لافتتاح "سفارة" لإقليمها الانفصالي في سوريا، معتبرة أن هذه الخطوة غير قانونية و"مجاملة لموسكو عبر اعتراف باستقلال أراضٍ محتلة" وانتهاك صارخ للأعراف والمبادئ الأساسية للقانون الدولي، وقالت كذلك: "نحن واثقون أنه بمجرد انتهاء حكم النظام غير الشرعي الحالي في سوريا وبدء البلاد في طريقها نحو التحول الديمقراطي، ستتم مراجعة هذا القرار غير القانوني وستعود سوريا إلى إطار القانون الدولي القائم على مبادئ السيادة ووحدة التراب الوطني".

كما ذكّر البيان أن جورجيا سبق وقطعت علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا عام 2018، عقب اعتراف نظام بشار الأسد باستقلال أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، اللتين أعلنتا انفصالهما عن تبليسي بدعم عسكري روسي ولم تحظيا باعتراف دولي، واصفًا افتتاح "سفارة أبخازية" بدمشق بـ "اللعبة الروسية".

 

اقرأ أيضا: جورجيا تتهم نظام الأسد بانتهاك سيادة ووحدة أراضيها

 

إجراءات النظام تتعارض مع قرارات الأمم المتحدة

تعتبر الأمم المتحدة والمجتمع الدولي أبخازيا قانونيًا منطقة حكم ذاتي ضمن جورجيا، استنادًا إلى القانون الدولي الذي يقوم على مبدأ دعم سلامة ووحدة التراب الوطني للدول ذات السيادة.

وقد جاء اعترف النظام عام 2018 باستقلال أبخازيا، ليضع البلاد إلى جانب روسيا ونيكاراغوا وفنزويلا وناورو، على قائمة دول تعترف باستقلال كيانات انفصالية، إضافة إلى كيانات انفصالية لا تحظى بأي اعتراف دولي تعترف بأبخازيا هي أوسيتيا الجنوبية (في جورجيا) وترانسنيستريا (في مولدوفا) وأرتساخ (في إقليم قره باغ الأذربيجاني).

وفي الفترة ما بين 1992-1993، خاضت القوات الانفصالية في أبخازيا وبدعم من موسكو، صراعًا مسلحًا ضد جورجيا، مما أدى إلى فقدان تبليسي السيطرة على معظم أبخازيا وتهجير مئات آلاف الجورجيين من المنطقة. وأعلنت أبخازيا استقلالها عن جورجيا عام 1999، وقد قوبل هذا الإعلان برفض من قبل الأمم المتحدة التي أكّدت في أكثر من بيان "التزام جميع الدول الأعضاء بسيادة جورجيا واستقلالها وسلامتها الإقليمية داخل حدودها المعترف بها دوليا" وحددت المبادئ الأساسية لحل الصراع التي تدعو إلى العودة الفورية لجميع المشردين وعدم استئناف الأعمال القتالية.

وفي آب 2008، خاضت القوات الانفصالية في أبخازيا إلى جانب القوات الروسية مجددًا، حربًا ضد القوات الجورجية، أعقب ذلك اعتراف روسي باستقلال أبخازيا، فيما أعلن برلمان جورجيا في الشهر نفسه أن أبخازيا أرض جورجية تحتلها روسيا، متهمًا الانفصاليين الأبخاز بشن حملة تطهير عرقي متعمدة ضد نحو 250 ألف جورجي، وهو ادعاء تدعمه منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.

وفي أواخر تشرين الأول 2008، وقع الرئيس الجورجي السابق "ميخائيل ساكاشفيلي" على تشريع قانون يفرض قيودًا على حرية التنقل والنشاط الاقتصادي للإقليم الانفصالي مع الدول الأجنبية، ويحظر أي نوع من أنواع التبادل التجاري مع الإقليم دون الحصول على تراخيص تتوافق مع التشريعات الجورجية. فيما يرفض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، منح سكان أبخازيا الذين يحملون جوازات سفر روسية تأشيرات دخول، كما دعت دول غربية وحلف شمال الأطلسي روسيا مرارًا إلى سحب الاعتراف بأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية.

وفي عام 2011، أعلنت أبخازيا التي دمرت الحرب اقتصادها، تنظيف البلاد من الألغام التي تمت زراعتها خلال سنوات الحرب، في الوقت الذي تمكنت فيه روسيا من دمج "اقتصاد" أبخازيا مع اقتصادها، وفرضت التعامل بالروبل الروسي، فيما تقوم موسكو بتمويل حوالي نصف ميزانية أبخازيا، إلا أن البلاد لا زالت ترزح تحت وطأة اقتصاد هش وضعف في البنى التحتية التي دمرتها سنوات الحرب.

وبالعودة إلى سوريا، التي ليس من المبالغة وصفها بمهد الحضارات وبوابة البشرية إلى التاريخ، تشهد البلاد سلسلة من "الخطوات الدبلوماسية الحكيمة" التي لا تقل خطورتها عن خطورة ما أحدثته سنوات الحرب ضد الشعب السوري من ضياع للمقدرات الاقتصادية والبشرية، ودمار وخراب وموت لشعب طالما تطلع لحل سياسي يجمع شمل أبنائه الساعين لبناء مستقبل أفضل.

سوريا التي لعبت عبر التاريخ دورًا رائدًا في تطور الحضارة الإنسانية، وشهدت ظهور الزراعة قبل 9 آلاف عام من ميلاد المسيح، واكتشاف صناعة المعادن واستخدام البرونز والنحاس وطفرة في الإدارة والثقافة والدبلوماسية والقانون والاقتصاد منذ قرون ما قبل الميلاد، تتجه اليوم بفضل "خطوات دبلوماسية حكيمة" نحو تبوّء "مكانة مرموقة" في الفلك الروسي، إلى جانب نيكاراغوا وفنزويلا وناورو، وكيانات انفصالية لا تحظى بأي اعتراف دولي مثل أوسيتيا الجنوبية وترانسنيستريا وأرتساخ.

اقرأ أيضا: بإيعاز روسي..النظام يعترف بانفصال منطقتين عن جورجيا

اليوم، وفي الوقت الذي تُعتبرُ فيه سوريا بأشد الحاجة للتمسك بالقانون الدولي من أجل المحافظة على وحدة ترابها الوطني، بعد أن شرذمت "السياسات الحكيمة" هذا التراب إلى مناطق نفوذ شتى، وكذلك التمسك بقرارات الأمم المتحدة التي تؤكّد إدانة الاحتلال الإسرائيلي للجولان السوري وفي مقدمتها القرار /497/ الصادر عن مجلس الأمن الدولي، تتفتق قريحة نظامها على الاعتراف بكيان انفصالي في دولة هي عضوٌ في الأمم المتحدة.

خلاصة القول، إن الإجراءات التي يتخذها النظام والتي تتعارض بشكل صارخ مع قرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية، لا تزيد من الإضرار بسمعة سوريا وحسب، بل قد تنعكس على البلاد بشكل كارثي ليس أكثرها خطورة اعتراف دول ما بكيانات انفصالية على التراب السوري في ضوء حالة عدم الاستقرار التي تشهدها المنطقة، كما قد تضعف موقف سوريا في المستقبل أيضًا تجاه الاستناد إلى قرارات الأمم المتحدة فيما يتعلق بوحدة التراب الوطني السوري بما في ذلك حق استعادة الجولان، الذي بات للأسف حلمًا بعيد المنال.