icon
التغطية الحية

ميليشيات النظام وإيران تتصارع على "الذهب الأصفر" بدماء أبناء الأرض

2023.03.12 | 13:38 دمشق

الكمأة في سوريا
تكررت عمليات القتل التي تستهدف عمال جمع "الكمأة" في سوريا
تلفزيون سوريا ـ سامي جمعة
+A
حجم الخط
-A

استبشر أهالي بادية الشام بموسم نبات الكمأة هذا العام على عكس الأعوام الماضية، فالإنتاج اليوم أضعاف المواسم السابقة لكن صراع فصائل النظام للاستحواذ على هذه الثروة حرم أهالي المنطقة الاستفادة منها بل دفعوا ثمن هذا الصراع من دماء أبنائهم.

مع تكرار حالات القتل للعاملين في جمع الكمأة حاول موقع تلفزيون سوريا معرفة الأسباب الخفية وراء "المجازر" التي حصلت في السنوات الأخيرة غير تلك التي يسوقها النظام كعادته.

تمكّنّا من الوصول إلى محمد الدهمشي وهو أبناء قرية جحار "شمال غربي مدينة تدمر"، والذي عمل لفترة طويلة في جمع الكماة في موسمها إضافة إلى مهنته الرئيسية مربياً للأغنام، يقول محمد: "إن الفصائل المختلفة التابعة لنظام الأسد قسمت المنطقة فيما بينها أشبه بالتقسيم الأمني، فمثلا منطقة جحار وما يحيط بها من البادية تتبع لمفرزة الأمن العسكري وكذلك فوج مغاوير الصحراء في حين تتبع منطقة الصوانة لأمن الدولة وكذلك يسيطر أمن الدولة على المناطق المتاخمة لمنطقة السبع بيار إلى التنف”.

جمع الكمأة.. من بادية الحماد إلى العراق والأردن

ويستذكر الدهمشي كيف كان أهل البادية ينتظرون الموسم بفارغ الصبر لما يعود عليهم من عوائد تخفف من وطأة الحياة خاصة في سنوات الجفاف، حيث لا تكفي تربية الماشية  وحدها لسد تكاليف الحياة: "كنا في الماضي نعمل على جمع الكمأة في مختلف مناطق بادية الحماد وكنا أحيانا نصل إلى داخل العراق أو الأردن حيث نلتقي دوريات الهجانة الأردنية أو الجمارك العراقية لندرك بأننا ذهبنا بعيدا في البحث، وكنّا نلقى كل الترحيب من الأشقاء في الأردن والعراق، ويطلب منا بمنتهى الأدب العودة إلى داخل الساتر (الحدود)".

ويضيف الدهمشي: "مع اندلاع الثورة السورية لم يتغير علينا شيء سوى عدم تمكننا من قطع الحدود بسهولة كما من قبل، لكن مع منتصف 2015 مع عودة النظام والميليشيات المساندة له لفرض سيطرتها من جديد على البادية بدا واضحا بأن تقسيما أمنيا جغرافيا قسم البادية بين الفروع المختلفة والميليشيات الإيرانية التابعة لهم".

ويلفت الدهمشي إلى أن المسؤول الأمني عن كل منطقة منع عمليات الجمع على الطريقة المعتادة، بل بات كل رئيس قطاع أمني يكلف أحد الأفراد من أبناء المنطقة بالإشراف على عملية جمع الكمأة مقابل أجر يومي للعمال لا يعادل سعر 100 غرام من الكمأة، مع وصول سعر الكيلو الواحد لربع مليون ليرة والأجر اليومي للعامل لا يتجاوز الخمسين ألف ليرة مقطوعة ومكافأة بسيطة تشجيعية تتناسب مع وزن الكمية التي يتمكن من جمعها".

الدهمشي نجا من الموت بأعجوبة وذلك عام 2018 بعد أن طلب منهم المشرف "الشاويش" على الجمع بالتوجه شرقا أكثر من المعتاد حيث وصلوا إلى منطقة تسمى الشيخ سلمان وتبعد نحو خمسين كيلومترا عن مدينة السخنة جهة الشرق، حيث تعرضوا لإطلاق نار مباشر من مجهولين أدت إلى وفاة أحد الأفراد وجرح ثلاثة آخرين".

صراع بين الميليشيات على الكمأة

يؤكد الدهمشي أن من أطلق النار عليهم كانت إحدى الفصائل الإيرانية الموجودة في المنطقة، لأنهم حينذاك حاولوا البحث عن مطلق النار فلم يكن بالمنطقة سوى عناصر من ميليشيا شيعية برفقتهم عمال لجمع الكمأة أيضا، وتم توجيه تهديد غير مباشر لهم حيث قال لهم المشرف عن الجمع وهو من أبناء البادية لكنه يعمل مع العناصر التابعين لإيران “يجب أن يكونوا أكثر حذرا وأن لا يعودوا مجددا إلى هذه المنطقة التي ينشط بها تنظيم داعش ويرتكب المجازر بحق جامعي الكمأة”.

كما تحدثنا إلى إبراهيم الحميدة وهو من أبناء مدينة السخنة ويعيش الآن في مخيم الركبان على الحدود الأردنية السورية، يقول لموقع تلفزيون سوريا: "كان الوضع في السابق أشبه لما هو عليه اليوم من تقسيم أمني لمناطق جمع الكمأة ولكن كانت حالات القتل نادرة لأن السلاح لم يكن منفلتا كما هو الحال اليوم وخصوصا مع انتشار الميليشيات الإيرانية وكانت تسود حالة من التفاهم بين مسؤولي المفارز الأمنية المسؤولة عن بادية الشام".

ويستذكر حميدة قصة المساعد أول (أبو سومر) رئيس مفرزة الأمن العسكري بالسخنة، أواخر تسعينيات القرن المنصرم، فبعد أن جاء أمر نقله إلى درعا، قال لبعض الأهالي الذين ذهبوا ليودعوه: "هالبلد ما بيسمحوا لحدا ينجح" وهو الذي كان يجمع نحو 15 مليون ليرة سورية من موسم الكمأة وحده دون باقي القطاعات".

وكما هو معروف فإن سوق الحاضر في حماة يعتبر بورصة "الذهب الأصفر" كما يطلق عليه بين تجار السوق، ومن خلال حديثنا مع أبو محمد السفاف وهو تاجر من حماة أكد أن الأشخاص الذين يورّدون الكمأة ليسوا من جامعيها وليس لديهم أدنى خبرة بالأنواع المختلفة للنبتة كما هي الحال مع أبناء البادية، والتعامل مع "التجار الجدد" صعب لأنهم لا يعرفون السعر الحقيقي للنبتة وإنما يتشبثون بسعر واحد لا ينم أحيانا عن السعر الحقيقي".

ويؤكد أبو محمد لـموقع تلفزيون سوريا أن الموسم لهذا العام كان وفيرا لكن وجود طرف ثالث وهم عناصر من فروع أمنية مختلفة بين جامعي وتجّار سوق الكمأة جعل هوامش الربح ضيقة جدا.

وتعتبر بادية الشام وتحديدا البادية السورية، الموطن الرئيسي لنمو الكمأة، وتُعرف الكمأة، بأنها تنمو مع اشتداد الرعد وغزارة الأمطار على شكل درنات تشبه حبات البطاطا، على عمق سانتيمترات، ولها علامات ظاهرة، فهي لا أوراق لها، وتنمو بالقرب من النباتات الصحراوية، حيث يبدأ الأهالي بعمليات جمع الكمأة بعد تساقط الأمطار.

ويختم الدهمشي كلامه بالوقوف على الموروث الشعبي من الشعر المرتبط بنبتة الكمأة، ويقول إن أبيات الشعر الآتية التي قيلت قبل عصور تنطبق اليوم أيّما مطابقة مع حالنا:

تانيت درب الغزلان واتنطّر يمروني        مدرن يجون السنه لو بالخلا يخلوني

جمّاي ماني جمّاي درب الجما اندلّيته      والله هواه يعذّب كلّ العمر داريته