icon
التغطية الحية

"مجازر الكمأة".. سوريون فقراء على أرض غنيّة بالرصاص والألغام

2023.02.28 | 17:01 دمشق

جني الكمأة يتحول إلى كارثة في سوريا
سوريون يحصدون فطر "الكمأ" في حقول من الألغام
+A
حجم الخط
-A

منذ سنوات، باتت عاديةً وعابرة أخبار "مجازر الكمأة" التي تضرب السوريين الفقراء في البادية الممتدة من دير الزور في الشمال الشرقي إلى صحراء السويداء في الجنوب، أولئك الذين تنفجر بهم الألغام من تحت أرضٍ يعرفون أنّها غنية أيضاً بـ"فطر الكمأة"، وأنّ السعي وراء لقمة العيش في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، تستحق عناء البحث في رحلةٍ محفوفةٍ بالمخاطر حدّ الموت، عن ذلك الفطر البرّي.

و"موسم الكمأة" الذي ينتظره السوريون الفقراء كلّ عام، يبدأ مع حلول فصل الشتاء وهطول الأمطار، خاصةً خلال كانون الثاني وشباط، حيث يجوبون البادية ويضربون أرضها بحثاً عن الكمأة ثم بيعها، باعتبارها مصدرَ دخلٍ يسدّ بعض احتياجاتهم في ظل الأوضاع المعيشية القاسية.

لكن منذ عام 2018، باتت عملية البحث عن "الكمأة" محفوفةً بالمخاطر، إذ شهدت العديد من مناطق جنيها في دير الزور والرقة والسويداء والريف الشرقي من حلب وحماة، انفجار العديد من الألغام وذخائر مخلّفات الحرب، التي أودت بحياة العشرات من عمّال جني الكمأ، فضلاً عن مقتل وإصابة بعضهم برصاص قوات النظام والميليشيات الإيرانية المنتشرة في المنطقة.

95 قتيلاً  خلال شهر شباط

وبحسب تقارير إخبارية، قتل 95 مدنياً وأصيب 15 آخرون، بانفجار ألغام ورصاص ميليشيات إيران، منذ مطلع شباط الجاري، وذلك خلال عملية بحث الضحايا عن فطر "الكمأة" في مناطق متفرّقة من البادية السورية.

وأمس الإثنين، قتل 10 أشخاص وأصيب 12 آخرون، بانفجار لغمين خلال بحثهم عن فطر الكمأة في قرية المستريحة بمنطقة سلمية شرقي حماة، حيث قالت وسائل إعلام النظام السوري، إنّ اللغمين من مخلّفات تنظيم الدولة (داعش).

ويوم الأحد الفائت، قضى خمسة شبّان بانفجار ألغام خلال بحثهم عن فطر الكمأة، ثلاثة منهم في بادية الكشمة شرقي دير الزور، وشقيقان في بادية السويداء.

ورصد موقع تلفزيون سوريا بعض حوادث انفجار الألغام بعمّال جني فطر الكمأة، التي تكرّرت بشكل يومي تقريباً، منذ مطلع شباط، في مناطق متفرّقة من البادية السورية، وكانت وفق الآتي:

  • 6 شباط | أصيب شاب بانفجار لغم أرضي قرب منطقة حليحلة بريف السخنة في بادية حمص.
  • 11 شباط | أصيب طفل في بادية الشعفة شرقي دير الزور.
  • 14 شباط| مقتل ثلاثة شبّان بانفجار لغم في بادية الكشمة شرقي دير الزور.
  • 25 شباط| مقتل طفل وإصابة رجل بانفجار لغم في منطقة الشولا جنوبي دير الزور.
  • 26 شباط| مقتل ثلاثة شبّان بانفجار لغم في بادية الكشمة شرقي دير الزور.
  • 27 شباط| مقتل 10 مدنيين بينهم امرأة وإصابة 14 آخرين بانفجار لغم شرقي حماة.

عناصر النظام يبحثون عن "الكمأة"

في ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي تعاني منها معظم المحافظات السورية، يعدّ موسم جني فطر الكمأة "فرصة لا تعوّض"، حتّى بالنسبة لـ عناصر قوات النظام وميليشياتها، التي تتعرّض لهجماتٍ من خلايا تنظيم الدولة (داعش) المنتشرة في المنطقة.

وبحسب ناشطين، قتل وأصيب العديد من عناصر قوات النظام وميليشياتها، خلال شهر شباط، بانفجار ألغام وهجمات لـ تنظيم الدولة (داعش)، في مناطق متفرّقة من شمالي وشرقي سوريا.

وذكر "المرصد السوري"، أنّ ستة عناصر من ميليشيا "الدفاع الوطني" - ينحدرون من منطقة السفيرة شرقي حلب - قتلوا بكمينٍ نصبته خلايا "داعش"، يوم 19 شباط، وذلك خلال جمع العناصر لـ"الكمأة" في منطقة توينان بريف الرقة.

وفي 26 شباط، أصيب 4 عناصر من قوات النظام بانفجار لغمٍ أرضي، خلال بحثهم عن "الكمأة" في بادية الزباري شرقي دير الزور، كما عُثر على جثةِ عنصر من "النظام" مقتولاً في أثناء جمعه "الكمأة" في منطقة شعيب الذكر غربي الطبقة في ريف الرقة الغربي.

وأشار "المرصد" إلى أنّ العديد من جامعي الكمأة "يعملون لـ مصلحة رجال أعمال مقرّبين من قوات النظام السوري وميليشيات موالية لها"، مردفةً: "ربما يكون هذا السبب هو دافع تنظيم الدولة لاستهدافهم".

ويوم الجمعة الفائت (18 شباط)، أعلنت وسائل إعلام النظام السوري، عن هجومٍ لـ"داعش" أودى بحياة عشرات الأشخاص في بادية تدمر شرقي حمص، وذلك خلال جمعهم فطر الكمأة، إلّا أنّ ناشطين سوريين وشبكات إخبارية محليّة، اتهموا الميليشيات الإيرانية بارتكاب "مجزرة جامعي الكمأة" في المنطقة.

وسبق أن أفادت شبكات إخبارية محلية، مطلع العام 2021، بأنّ عائلة كاملة قتلت برصاص مجهولين - يرجّح أنهم تابعون لـ ميليشيات إيران - في منطقة مسكنة شرقي حلب، خلال بحث العائلة عن فطر الكمأ.

اقرأ أيضاً: ميليشيات إيران تقتل عائلة تبحث عن الكمأ شرقي حلب

وفي الفترة نفسها، أفادت شبكات إخبارية محليّة بأنّ ميليشيات إيران المنتشرة شرقي سوريا، أطلقت الرصاص على مدنيين كانوا يبحثون عن "الكمأ" في بادية البشري بريف دير الزور.

يذكر أنّ موسمي عام 2020 - 2021، حملا بعض المخاوف لدى الأهالي شرقي سوريا من الخروج إلى البادية السورية، وذلك خشية من هجمات "انتقامية" كانت تنفّذها الميليشيات الإيرانية بحق جامعي فطر الكمأة ورعاة الأغنام في المنطقة، كما أنّها كانت بالاشتراك مع "الفرقة الرابعة" التابعة للنظام، تصادر ما جنوه الأهالي من الكمأ، وتبيعه في الأسواق.

تنافس على "الكمأة"

أفادت مصادر محلية لـ موقع تلفزيون سوريا، بأنّ منطقة البادية السوريّة باتت، مؤخّراً، تشهد تنافساً على حصاد "الكمأة" بين عناصر "داعش" وقوات النظام والميليشيات الإيرانية، نتيجة سعرها المرتفع.

وأوضحت المصادر، أنّ هذا التنافس هو السبب في الاعتداء - أحياناً - على المدنيين الذين تمكّنوا من الحصول على الكمأة، مشيرةً إلى حملات دهم واعتقال تشنها ميليشيا "الدفاع الوطني" والميليشيات الإيرانية، وتصادر خلالها كميات كبيرة من "الكمأة" التي جناها الأهالي، فضلاً عن هجمات مماثلة لـ"داعش" تستهدف في الغالب، عمّالاً يتبعون للميليشيات.

وذكرت "شبكة تدمر الإخبارية" على صفحتها في "فيس بوك"، أنّ تنظيم الدولة شنّ، منتصف شباط الجاري، هجوماً على ورشات جني فطر الكمأة في البادية السوريّة، ما أدّى إلى مقتل وجرح نحو 30 شخصاً، واعتقال نحو 170 آخرين، بينهم عناصر من "النظام" وميليشيا "الدفاع الوطني".

وأوضحت الشبكة، أنّ الهجوم جاء بعد تعرّض أحد عناصر "الدفاع الوطني" لـ درّاجة نارية يقودها عنصر من "داعش" في بادية تدمر، ما دفع "التنظيم" إلى شنِّ هجومٍ على ورشات العمّال، واعتقال نحو 170 شخصاً، وإضرام النيران بأربع شاحنات كانت تقلّ العمّال، كما استولوا على شاحنة خامسة بكامل حملها من "الكمأ"، قبل أن يُفرج لاحقاً عن معظم مَن اعتقلهم، عقب تأكّده من عدم تبعيتهم لأي جهة، محتفظاً بمن يُرجّح أنّه على صلة بالميليشيات التابعة للنظام وإيران.

"الكمأة" ورحلة البحث عنها

رغم كل حوادث القتل والاستهداف التي شهدتها مواطن "الكمأة" (تعدّ دير الزور المصدر الرئيسي)، إلّا أنّ ذلك لم يمنع السوريين الفقراء من الخروج دائماً للبحث عنها في البادية، والسبب - وفق المصادر - سعرها المرتفع الذي يدفع البعض في ظل الظروف المعيشية الصعبة إلى المغامرة في "رحلة موت" للحصول على القليل منها وبيعها في الأسواق.

اقرأ أيضاً: حين تكون الكمأة حمراء قانية بلون الدم

والكمأ أو الكمأة أو "الچماية (بلهجة المنطقة الشرقية)" أو "بنت الرعد" أو "الفقع" والعديد من التسميات، كلّها تُطلق على فطر برّي ينبت في المحميات الطبيعة البعيدة عن عمليات الحراثة والبذار، ويرتبط وجوده بفصل الشتاء، على أن يكون غزير الأمطار وشديد البرق والرعد، لـ يكون موسمه وفيراً.

وأغلب مَن يبحث عن الكمأة يهدف إلى بيعها لا لاستهلاكها الشخصي، نظراً إلى ارتفاع أسعارها، والذي وصل في العاصمة دمشق إلى نحو 250 ألف ليرةٍ سوريّة للكيلو الواحد، ويقل السعر أو يزيد بحسب نوع الكمأة التي تصنّف إلى أكثر من 30 نوعاً بحسب حجمها ولونها، أبزرها: "الحرقة (كمأة سمراء اللون وصغيرة الحجم)، والهبري، والأسود، والزبيدي (لونها فتح وحجمها كبير)، والشيوخ".

ولأنّ خطر انفجار الألغام ومخلّفات الحرب في البادية السورية يثير رعب الباحثين عن الكمأة، يتحرّك الباحثون أو عمّال جنيها بحذرٍ شديد، وبعضهم يحملون أسلحةً فردية بهدف حماية أنفسهم من بعض الهجمات التي قد يشنّها لصوص وقطّاع طرق، لكن حمل السلاح - وإن كان للحماية الذاتية - في مناطق سيطرة "قسد" أو قوات النظام تعرّض بعضهم للاعتقال بتهمة الانتماء لـ"خلايا داعش"، في حين يؤكّد ناشطون أنّ الهدف الفعلي من ذلك، هو مصادرة كلّ كميات الكمأة التي جنوها وتكون بحوزتهم.

نصف سكّان سوريا معرّضون لـ خطر الألغام

نشر مكتب برنامج الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، منتصف العام 2022، تقريراً تحت عنوان: "الذخائر المتفجرة في سوريا: التأثير والعمل المطلوب"، قال فيه إنّ نصف سكان سوريا معرضون لخطر المتفجرات.

وأشار التقرير إلى أنّ نحو 50% من المقيمين داخل سوريا مهددون بالتعرض لانفجار نحو 300 ألف ذخيرة متفجرة فشلت في الانفجار خلال الحرب التي استمرت لـ11 عاماً.

وذكرت الشبكة السورية لـ حقوق الإنسان في تقريرها الصادر بمناسبة "اليوم الدولي للتوعية بخطر الألغام"، مطلع نيسان 2022، إن سوريا من أسوأ دول العالم في كمية الألغام المزروعة والمجهولة الموقع، مشيرة إلى مقتل 2829 مدنياً - بينهم 699 طفلاً - وإصابة آلاف آخرين، منذ آذار 2011.

اقرأ أيضاً: سوريا الأسوأ عالمياً بكمية الألغام المزروعة منذ 2011

وفي بيانٍ سابق، حمّل "المرصد الأورومتوسطي لـ حقوق الإنسان"، النظام السوري، المسؤولية في تحييد خطر الألغام في المناطق التي يسيطر عليها، إذ يقع على عاتقه التأكّد من خلو المناطق السكنية والمزارع والطرق وجميع المرافق من الألغام، ووضع إشارات تحذيرية واضحة في المواقع التي يُعتقد بوجودها، خصوصاً في المناطق التي شهدت عمليات عسكرية.