مونديال قطر والعروبة "الرياضية"

2022.12.13 | 06:26 دمشق

مونديال العرب
+A
حجم الخط
-A

ربما لسنا بحاجة إلى إثبات أن هناك شعوراً عروبياً بفكرة "التضامن" موجود بقوة لدى كل البلدان الناطقة بالضاد، وفكرة التضامن هذه تظهر خلال الأزمات وخلال مواسم الفرحة، وهذا بالضبط تعريف فكرة التضامن بمعناها النفسي وهو الشعور بشعور الآخرين فرحاً وغمة، ولما كان هؤلاء "الآخرون" يتكلمون لغتنا ويشتركون معنا ثقافة وديناً فإنه من واجبنا أن نشعر بالتضامن معهم وأن نعبر عن ذلك.

وفي الحقيقة ظهر هذا المعنى بشكل واضح خلال سنوات الربيع العربي في موجته الأولى في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن، ثم ظهر مجدداً في موجته الثانية في السودان والعراق والجزائر ولبنان، وهو ما طور شكلا من أشكال التضامن العربي حول القضايا المشتركة من مثل التضامن مع فلسطين ضد الاحتلال الإسرائيلي لأراضيها والتنكيل والقتل بحق أبنائها بشكل دائم.

ثم ظهر هذا التضامن مجددا في دعم قطر ضد الحملة الإعلامية والسياسية الأوروبية في استضافة مونديال كرة القدم، لقد وجد العرب بعمومهم تحيزا أوروبيا مسبقا وغير مبرر ضد كأس العالم في قطر، التي وضعت جهدا استثنائيا من أجل إنجاح البطولة على أعلى المستويات وسخّرت إمكانيات يستحيل أن تتكرر في أي كأس عالم مستقبلي أيضاً، ولذلك تضامن العرب بقدر ما يستطيعون وعلى محدودية إمكانياتهم عبر فضاء التواصل الاجتماعي وعبر ما يستطيعون التعبير عنه مع قطر ومع جدارتها في استضافة المونديال بحرفية ومهنية لم نجدها في أي من كؤوس العالم السابقة.

العرب كغيرهم يحبون الانتصارات ويكرهون دوما لصقهم بالهزيمة والفشل، ولذلك أخذ التضامن العروبي مع المغرب أشكالا مختلفة بعضها طريف حقا، وأظهر شكلا من أشكال العروبة الرياضية التي تكشف شكلا من أشكال التضامن الثقافي والاجتماعي العربي

ثم انتقل هذا التضامن الرياضي إذا صحّ التعبير مع الفرق العربية المنافسة في البطولة السعودية وتونس والمغرب وقطر، ولما كان الفريق المغربي الوحيد الذي تأهل من دوري المجموعات بصدارة المجموعة وحقق انتصارات مذهلة ضد بلجيكا وإسبانيا والبرتغال فإنه حاز على نسبة أكبر من هذا الشعور بالتضامن العربي في كأس العالم في الدوحة، فالعرب كغيرهم يحبون الانتصارات ويكرهون دوما لصقهم بالهزيمة والفشل، ولذلك أخذ التضامن العروبي مع المغرب أشكالا مختلفة بعضها طريف حقا، وأظهر شكلا من أشكال العروبة الرياضية التي تكشف شكلا من أشكال التضامن الثقافي والاجتماعي العربي الذي من المهم الحفاظ عليه وتنميته وشكر قطر على دورها المذهل في تعزيزه عبر إضفاء الصفة العربية على المونديال وإظهار هذه الصفة بوصفها نقطة التميز الجديرة في هذا المونديال وهو ما يميزه عن غيره سابقاً.

لكن السؤال هل من الممكن أن ينتقل هذا التضامن العروبي إلى مستويات أخرى من التضامن السياسي على سبيل المثال أو زيادة مستوى التنسيق السياسي والأكاديمي والاقتصادي أيضاً، هل يمكن أن يسهل حركة تنقل المواطنين العرب بين هذه البلدان، هنا للأسف يأتي الجواب بالنفي وهنا الفشل الحقيقي، عدم قدرة الأنظمة السياسية العربية على تطوير هذا الشعور بالتضامن إلى مستويات أخرى تفتح فرصاً للنمو للمواطنين العرب وتعزز حضورهم على المستوى الدولي.

من دون النجاح في تحقيق هذه الخطوة تبقى هذه العروبة الرياضية التي لها جذورها الثقافية والاجتماعية والسياسية مجرد ظاهرة وقتية وهامشية ظرفية، لكن الانتقال بها إلى مستويات أخرى كفيل بالنجاح في تكوين هذا التكتل العروبي الذي يمكن له موازنة مصالح المواطنين العرب على المستوى الاقتصادي والسياسي في ظل تغير التحالفات الدولية وفي ظل ما اكتشفه العرب ذاتهم خلال المونديال وهو الانحياز الأوروبي ضدهم.