من وراء الكواليس.. ماذا تريد الولايات المتحدة من سوريا؟

2019.06.11 | 00:06 دمشق

+A
حجم الخط
-A

يكشف لنا الملف السوري ودائرة النار الدوليّة حوله_ عمق الصراع وآليته المتناقضة ومشهده المتقلب، لذلك من الصعوبة بمكان وفي مرحلة أوّليّة_ أن نجزم "بماهية التنافس والصراع" ولكن يمكننا تحديد عدة معايير تشير إلى سيناريو أقرب إلى الحصول من غيره، فالولايات المتحدة الأمريكية تنظر للمشهد الإقليمي أو الدولي بنظرة "زعيم عالمي" ولسان الحال: تركيا تجاذبت وتقاطعت مع روسيا بصفقة S400، وإيران تشاكلت مع "أمريكا" في تجاوز الخط الأحمر "باعتدائها" على السفن الأمريكية في الخليج عن طريق عملائها!

وبالعودة إلى التصعيد الثنائي على إدلب وحماة، وبعد الهزائم التي تكبّدها نظام الأسد وحليفه الروسي خلال الأسبوعين الأخيرين، وخسارة النظام السوري _العشرات من جنوده أُجبِر الروس على الانسحاب من عدة نقاط، والنتيجة كانت الرد بأن زادت حدّة الهجمات الجوية على تلك المناطق المحررة، ففي يوم واحد فقط "الجمعة 7 حزيران " أكثر من 100 طلعة جوية من الطائرات الروسية والأسدية، أسفرت عن استشهاد مئات المدنيين في إدلب، فضلاً عن الخسائر الكبيرة في ممتلكاتهم، وفي  هذه الأثناء توحدت الفصائل الثورية في غرفة عمليات مشتركة، معلنة عن انطلاق المرحلة الثانية من العملية العسكرية باسم " الفتح المبين" والتي شملت مناطق جديدة بحسب ما جاء في بيان "للجبهة الوطنية للتحرير" في التاريخ نفسه.

وعلى أثر ما حققه الثوار من نجاحات تعتبر محدودة ولكن مميزة، أكد القيادي في جيش العزة "سامر الصالح" أنّ الروس ونظام الأسد يهددون عناصرهم بالقتل في حال تراجعهم عن كفر نبودة أو مناطق جديدة، وتوالت الأنباء عن مصادر داخل قوات الأسد والروس أنّ هناك حالة من التخبط والقلق أصابت ضباط الطرفين، الأمر الذي جعل من سكان القرى التي يسيطر عليها نظام الأسد للنزوح _وهم بالآلاف_ باتجاه مناطق العشارنة وريف حماة الغربي.

 

الموقف الأمريكي وازدواجيته المتناقضة!

قال المبعوث الرئاسي الأمريكي "جيمس جيفري" للشأن السوري في لقائه مع قناة الغد_ نحن غاضبون جداً من الهجوم الحالي من قِبل قوات النظام المدعومة من روسيا على منطقة إدلب، وإنّ الاستراتيجية الأمريكية تمثلت في سوريا بإعادة تنشيط العملية السياسية عبر الأمم المتحدة ومبعوثها "غير بيترسون" وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي 2254، كما أكد "جيفري" أنّ الوجود العسكري الأمريكي في سوريا "هدفه" تحقيق الهزيمة التامة لتنظيم داعش، وضمان الاستقرار في شمال شرق سوريا ومنطقة "التنف" بوصفها استراتيجية، وأردف قائلاً نحن على اتصال دائم بالمبعوث الأممي "غير بيترسون" ومع مجلس الأمن الدولي ومع الروس وكذلك مع  الأتراك حلفائنا_ كون الأتراك قد انخرطوا تماماً في الشأن السوري_ ويشير جيفري خلال حديثه بأنّ الجهود تتركز بين الولايات المتحدة الأمريكية والأتراك حول إقناع الروسي بوقف اطلاق النار، ولكنهم لا يريدون تغيير النظام السوري وليسوا معنيين بتغيير بذلك ويتابع "نحن معنيون بتغيير سلوك النظام فقط! " وعن الوجود الإيراني في سوريا كان ردّه يجب أن يخرج الإيرانيون وميليشياتهم جميعاً من سوريا_ مُؤكداً أنّ الولايات المتحدة تدعم العمليات الإسرائيلية ضدّ الأهداف الإيرانية في سوريا 100%، واستعرض جيفري: أنّ بلاده تسعى إلى بناء "منطقة آمنة" بين تركيا والأكراد السوريين وسيكون حلاً مناسباً تنسحب بموجبه وحدات حماية الشعب الكردية وأسلحتها الثقيلة.

نقلت مواقع الأخبار عن صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية بأنّ هناك اجتماعاً ثلاثياً مرتقباً سيؤسس لصفقة ثلاثية تعترف بموجبها تل أبيب وواشنطن بشرعية نظام الأسد

ومن جانب آخر نقلت مواقع الأخبار عن صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية بأنّ هناك اجتماعاً ثلاثياً مرتقباً سيؤسس لصفقة ثلاثية تعترف بموجبها تل أبيب وواشنطن بشرعية نظام الأسد، مقابل أن تعمل "موسكو" على الحد من النفوذ الإيراني في سوريا، وعليه ستقلص واشنطن بموجب الصفقة العقوبات المفروضة على روسيا!

وعلى ضوء ما سبق نشرت صحيفة "ذا ناشيونال" الأمريكية تصريحات لمسؤولين أمريكيين ينفون نفياً قطعياً وجود صفقة سلام واعتراف بشرعية نظام الأسد، كما وقال جميس جيفري: بأنّ الولايات المتحدة الأمريكية "هدفها" تهيئة الجو في سوريا لعملية انتقال ديمقراطية بحيث يقرر الشعب السوري مصير الأسد!

 هذا وكشفت مجلة "الفورين بوليسي" الأمريكية عن قرار اتخذه البنتاغون مع اقتراب استقبال تركيا لبطاريات S 400 _ أي إذا مضت قدماً في الصفقة مع روسيا، حيث علّقت أمريكا مشاركة 34 طالباً تركياً في التدريبات على المقاتلات الأمريكية التي كانت مقررة بين 20 يونيو/ حزيران من هذا الشهر و14 نوفمبر/ تشرين الثاني _وفقاً لوثيقة البنتاغون ومضمونها الآتي: لن يحدث التدريب على المقاتلات الأمريكية لأننا سنعلّق قدرة تركيا على الانضمام لمشتري برنامج إف_35 ولم تعد هناك متطلبات لكسب الطلاب الأتراك المهارات اللازمة لاستخدام المقاتلات، إذاً إنّ شراء تركيا ل S400 سيعيق قدرة تركيا على الحفاظ على التعاون مع الولايات المتحدة وحلف الناتو، مما يقوض الأهداف الاقتصادية التنموية لتركيا.

 

من وراء الكواليس _ الولايات المتحدة الأمريكية ماذا تريد؟

تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بسياسة "الكيل بمكيالين" وقانون "الشدّ والجذب" والضرب بيد من حديد، فالاتفاق التركي الروسي بشأن صفقة S400 قد أثار غضبها، من زاوية الاستفراد بالصفقات ومن تشكيل تحالف "روسي تركي" يسرح ويمرح في المنطقة، فلا يسمح لأي فاعل دولي بشكل منفرد أو ثنائي أن يسيطر ولو على جزء من الشرق الأوسط، فضيقت أمريكا على الأتراك بأن جمّدت القرار المتعلق بصفقة F_35 وتحاول سحب كُلّاً من _روسيا وتركيا_ لاتفاقات "جنيف" الأولى بعد فشل مباحثات أستانا_سوتشي، ومسألة "تشكيل الدستور" متعلقة بتنفيذ قرار مجلس الأمن 2254، كما لوحت الولايات المتحدة لروسيا عن صفقة جديدة _ستتضح معالمها_ في اجتماعٍ ثلاثي سَيُعقد في القدس والذي يجمع الدول (أمريكا وإسرائيل وروسيا).

جميعنا يعلم إذا خرجت إيران سقط الأسد كما ستضمن "أمريكا" فشل الصفقة المشتركة بين الروس والأتراك!

الولايات المتحدة وَعَدت روسيا بتخفيف العقوبات الاقتصادية عليها شريطة التعاون مع الولايات المتحدة لإخراج إيران من سوريا، وجميعنا يعلم _إذا خرجت إيران سقط الأسد كما ستضمن "أمريكا" فشل الصفقة المشتركة بين الروس والأتراك! فعندها ربما ترضى الولايات المتحدة وبالسّعر الذي تريده هي_ في شراء صفقة S400 من تركيا، وبناءً على _استجابة تركيا لتحركات أمريكا_ سيُفَعَل قرار تدريب الأتراك على المقاتلات الأمريكية وصفقة F_35، وفيما يخص صفقة السلام والاعتراف بشرعية الأسد أعتقد من المستحيل أن يعترف المجتمع الدولي بشرعية "مجرم الحرب"، خصوصاً بعد مرور ثماني سنوات على مطالبة الشعب بإسقاطه ورفع العقوبات عليه ومحاسبته في المحاكم الدولية لارتكابه جرائم حرب واستخدام الأسلحة الكيماوية بحقّ المدنيين السوريين، وهذا ليس بالأماني ولكن السياسة الأمريكية تضبط تمدد الدول بأكملها وتضعها تحت شروطها، وبالنسبة لخبر الاجتماع الثلاثي (أمريكا وإسرائيل وروسيا) المزمع عقده في "القدس" قريباً، سيتمحور الحديث عن إيران وأنشطتها النووية والصاروخية والعقوبات عليها، وعن الإجراءات المتاحة والممكنة لطرد الإيرانيين من سوريا، فالملف السوري شائك وسيتناول الاجتماع الحديث عن جانب يهم "روسيا" وهو جزئية "إعادة الإعمار" وحول المساهمات والشّراكات الدولية، على الرغم من مواقف الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية بأنّه_ لن يتحقق الإعمار بوجود رأس النظام السوري! لا بدّ من رحيل الأسد! أخيراً لا روسيا تستطيع أن تتحدى "أمريكا" ولا تركيا التي تحسن الظن في كل مرّة بروسيا، ويا خبر اليوم بفلوس بكرا يبقى ببلاش!