من عين العرب بدأت خسارة دير الزور.. المعركة التي كفروني من أجلها ( 2 )

2023.09.29 | 06:39 دمشق

آخر تحديث: 29.09.2023 | 06:39 دمشق

من عين العرب بدأت خسارة دير الزور.. المعركة التي كفروني من أجلها ( 2 )
+A
حجم الخط
-A

ما إن انتشر خبر قيام فصائل من الجيش الحر بالذهاب إلى عين العرب نصرةً لأهلها في مواجهة تنظيم داعش، حتى كانت ردة فعل جماهير الثورة كما توقعت بالضبط، فقبل دخولي إلى الاجتماع الأخير وكان برفقتي مدير مكتبي آنذاك ياسر الحجي، ولم يكن يعلم سبب حضوري الاجتماع، فقلت له "يا أبا أمير سأتخذ الآن قراراً سينسف كل ما بنيته خلال السنوات الثلاث الماضية من سمعة وشهرة ومحبة الناس، التي ستتحول إلى جحيم من الشتائم والكراهية والتخوين، وينسون القصير ومعارك حلب وريفها ويعتبرونني كافراً مرتداً خائناً لله والوطن"، طلب مني بإلحاح شديد ألا أفعل ذلك، ولكني اتخذت قراري عن قناعة كاملة بأن واجبنا كجيش حر الدفاع عن أي مدينة سورية يتعرض أهلها للظلم والجور، والانتصار لهم بغض النظر عن انتمائهم العرقي أو الطائفي، وقلت له بأن الناس سيشتمونني في البداية ولكن لابد أنهم سيدركون لاحقاً بأنني محق وقراري صائب.

وبعد أن تم تكليفي بالمهمة من قبل قادة الفصائل السبع، ذهبت في اليوم الثاني إلى عين العرب يرافقني مستشاري للشؤون الكردية فقط، وكان حينها بسام حاجي مصطفى، واجتمعنا مع القائد العسكري العام هناك محمود الرش، ورئيس مكتبهم السياسي الراحل عمر علوش، وأمليت عليهم شروط الواثق بأن قادة الفصائل الموقعين على الاتفاق رجال لا يتراجعون عن مواقفهم عند أول زوبعة مزاودات وفتاوى من أصحاب اللحى المزيفة بتحريم المشاركة في تلك المعركة، وأعلمتهم بأننا سنشكل غرفة عمليات مشتركة معهم ومع قوات البيشمركة العراقية التي دخلت المدينة بعد دخولنا بيومين، تكون قيادتها للجيش الحر، فعددنا الافتراضي يفوق عددهم بأربع أضعاف وكذلك سلاحنا وعتادنا، فحينها لم يكن عددهم يتجاوز \250 إلى 300\ مقاتل ولم يكونوا يملكون سوى بعض بنادق كلاشنكوف وقواذف (أ ر ب ج) وبعض الرشاشات.

الفصائل المدعومة من غرفة العمليات المشتركة (الموم) التي تقودها الولايات المتحدة، تلقت تحذيراً من مندوب أميركا أنه في حال إرسال مقاتلين إلى عين العرب سيُعاقبون بحرمانهم من الدعم المالي والعسكري المقدم لهم من الغرفة

خرجت من عين العرب وإذ بحملة غير مسبوقة من التخوين والتكفير والشتائم ليس فقط من التنظيمات الإسلاموية وأتباعها بل من جمهور الثورة ومشايخها وفصائل محسوبة عليها، ولعله ما كان مؤلماً أكثر تنكر بعض قادة الفصائل الموقعة على إرسال القوات للاتفاق، ومنهم من أصدر بيانات رفض واستنكار المشاركة، وأذكر على سبيل المثال لا الحصر جيش المجاهدين الذي صدرت عنه ثلاثة تصريحات لثلاثة قادة فيه تنفي نيتها المشاركة وإرسال مقاتلين، وكانت حجة بعضهم أن شرعيي الفصائل لم يقبلوا وحرموا ذلك، وكان المضحك موقف قائد المجلس العسكري في حلب وكان آنذاك العميد زاهر الساكت والذي لا يملك أي سلطة على أي قائد أو مقاتل في حلب، ولم يؤخذ رأيه أصلاً بقوله: "وهل فقدت عقلي حتى أُرسل قوات إلى عين العرب"، نعم هذه الحقيقة الجلية أن قرار الفصائل العسكري والسياسي كان بيد الشرعيين ولم يكونوا يبصرون أبعد من أنوفهم.

الحقيقة الأخرى والأخطر والتي يحتاج تفسيرها إلى الكثير من التعمق والتبصر بحقيقة كل ما جرى، وهي أن الفصائل المدعومة من غرفة العمليات المشتركة (الموم) التي تقودها الولايات المتحدة، تلقت تحذيراً من مندوب أميركا أنه في حال إرسال مقاتلين إلى عين العرب سيُعاقبون بحرمانهم من الدعم المالي والعسكري المقدم لهم من الغرفة.

في اليوم الثالث وأنا أتواصل وأتباحث مع قادة الفصائل لتجهيز المقاتلين فالوقت يمر بسرعة، ويجب أن تدخل قواتنا قبل أن تصل قوات البيشمركة القادمة من العراق، بدأ التخادم جلياً واضحاً بين إخوة المنهج والتنسيق والتعاون بينهم، ولا أدري من الذي أوعز لها، فقد شنت جبهة النصرة هجوماً كاسحاً على جبهة ثوار سوريا التي كان قائدها جمال معروف وكان من أكثر المتحمسين لإرسال ضعف العدد المطلوب منه بكامل سلاحهم الثقيل والمتوسط، وقضت عليها واستولت على سلاحها وعتادها ومقارها وشردت عناصرها، وبدأت بالتحرش المباشر بحركة حزم لابتلاعها،  ففهمت الفصائل الأخرى الرسالة وامتنعت عن إرسال أي مقاتل، سوى فيلق الشام فقد أرسل \42\ مقاتلاً بما فيهم قادة مجموعات، تمكنوا من تجميعهم من عناصر الخدمة وسائقي القادة، بالإضافة إلى ثمانية مقاتلين من جيش الإسلام موجودين في الشمال السوري.

بعد ما يقارب الأسبوع من المداولات وفي مساء التاسع والعشرين من شهر تشرين الأول \ أكتوبر\ 2014، تمكنا من إحضار المقاتلين مع سلاحهم الخفيف وعدة عربات بيك آب بعضها مركب عليها رشاشات دوشكا، ومرافقتي الشخصية وعددهم عشرة مقاتلين مع سلاحهم الخفيف وعربتي بيك أب مركب عليهما مضادات إحداها دوشكا والآخر 14،5 مم، وذهبنا إلى مكان التجمع في المعبر العسكري في بلدة أطمة الحدودية، وتم نقل المقاتلين والسلاح والعتاد عبر حافلات تركية إلى المعبر الحدودي مع عين العرب.

كان وصولنا فجر الثلاثين من شهر تشرين الأول، نزل المقاتلون من الحافلات عند المعبر التركي، فتوجهنا بسرعة إلى المعبر السوري فالمفروض أن ندخل المدينة قبل طلوع الضوء، حاولت القوات الكردية إعاقة دخولنا عندما رأوا قوتنا صغيرة، وحصل إطلاق نار من داخل المعبر، ما جعل مقاتلينا يترددون في الدخول، وهم الخائفون أصلاً من عواقب مشاركتهم في هذه المعركة ومن انتقام الفصائل الإسلاموية منهم، اقتنعوا مني على استحياء عندما شاهدوني في مقدمتهم، إلا عناصر جيش الإسلام الثمانية فقد تركوا سلاحهم لزملائهم وعادوا أدراجهم من حيث أتوا.

الصدمة التي مُنينا بها سواء من جانب قوات حزب الاتحاد الديمقراطي أو من جانب الفصائل الإسلاموية والكيانات الرسمية للمعارضة السورية، فهي جميعها تؤكد بأن تنظيم داعش لم يكن مقطوعاً من شجرة في ذلك الحين

تمكنا من الدخول بعد اتصالات وجدالات ولكن الوضع لم يكن مريحاً، فدخولنا لم يكن مرحباً به من قبل قادة حزب الاتحاد الديمقراطي وهذا ما صرح به قائدهم صالح مسلم، وكان واضحاً انزعاج فريق العمل في إدارة الرئيس باراك أوباما من مشاركتنا، فلو فعلاً شاركنا بكامل القوات المتفق عليها فربما نتمكن من إفشال المخطط المرسوم، وهذا ما كنا نرمي له، ولكن بكل أسف سار المخطط كما هو مرسوم نتيجة تخاذل قادة الفصائل بعدم إرسالهم القوات المتفق عليها نتيجة خوفهم على مناصبهم وانعدام الأفق والرؤيا لدى أغلبهم، بالإضافة إلى عدم وجود غطاء سياسي لهذه المشاركة فالكيانات السياسية التي يُفترض أنها تمثل الثورة (الائتلاف وكان رئيسه آنذاك هادي البحرة، والحكومة المؤقتة برئاسة أحمد الطعمة) أخذوا وضعية المزهرية وكأنهم غير معنيين بما يحصل وكأن داعش هاجمت مدينة في قارة أخرى وليست مدينة سورية وأهلها سوريون، ولم يكتفوا بالصمت بل أوعزوا لأبواقهم الإعلامية للانضمام إلى جوقة المتهجمين والمخونين لنا، وكان رأس حربتهم إعلامي وزارة العدل في حكومة الطعمة، الذي كان معتقلاً من قبل لدى تنظيم داعش في مشفى العيون بحلب، وقد أنقذناه من بين أيديهم قبل أن ينفذوا فيه حكم الإعدام في بداية عام 2014، في تطبيق حرفي لمتلازمة استوكهولم، بالإضافة إلى حملة إعلامية كبيرة قادها ضدنا الإعلامي في قناة الحوار موسى العمر المعروف بمناصرته لتنظيمي داعش والقاعدة (جبهة النصرة).

لا ريب أن الصدمة التي مُنينا بها سواء من جانب قوات حزب الاتحاد الديمقراطي أو من جانب الفصائل الإسلاموية والكيانات الرسمية للمعارضة السورية، فهي جميعها تؤكد بأن تنظيم داعش لم يكن مقطوعاً من شجرة في ذلك الحين، كما تأكد أن انتشاره السريع في السيطرة على أقسام كبيرة من الجغرافيا السورية لم يكن ليحصل لولا التنسيق المباشر وغير المباشر مع أطراف محلية ودولية، الأمر الذي بدا لنا وكأننا في ورطة من الأمر، أو كأن أحداً نصب لنا فخّاً لنقع فيه، فكيف كان الخروج من ذلك الفخ؟ هذا ما سيكون موضوع المادة القادمة بعون الله.