حرب غير مسبوقة في الشمال والجنوب.. أسباب وتداعيات سقوط مدينة حلب بيد النظام (3)

2024.02.08 | 07:25 دمشق

cx d
+A
حجم الخط
-A

بعد دحر قوات النظام والميليشيات الإيرانية عن بلدتي رتيان وحردتنين في شهر شباط 2015، ومقتل عدد كبير من قادتهم وعناصرهم، ارتفعت معنويات قادة ومقاتلي فصائل الجيش الحر وزادت ثقتهم بقدرتهم على استعادة المناطق التي سلبها النظام، بل وطرده من كامل المدينة وتحريرها، بحسب ما أعلنت غرفة عمليات فتح حلب التي تشكلت في شهر نيسان من العام نفسه، وضمت أغلب فصائل حلب وريفها.

كانت البداية من معركة جمعية الزهراء التي كانت تهدف إلى السيطرة على مبنى المخابرات الجوية، أحد أهم رموز القمع والإجرام ومسالخ التعذيب والتنكيل بالثوار والمعارضين، وكذلك السيطرة على كتيبة مدفعية الزهراء غربي حلب، التي تعتبر أحد الحصون المنيعة الحامية لقوات النظام في مدينة حلب، والتي لطالما قضت مضاجع أبناء الريفين الغربي والشمالي، فلم يكد يمر يوم دون أن تفتك صواريخها وقذائف مدفعيتها وهاوناتها بالأطفال والنساء والشيوخ، مخلفةً الموت والرعب والدمار، وتحريرها كان سيسهل عملية السيطرة على أكاديمية الأسد للهندسة العسكرية، التي تعتبر بوابة حلب الغربية، ما يعني إبعاد شبح الحصار عن مدينة حلب؛ إلا أن جميع محاولات الاقتحام لم تكلل بالنجاح وخسرت الفصائل المئات من الشهداء من قادة ومقاتلين.

لم تتوقف المعارك الضارية بين فصائل الثورة وقوات النظام والميليشيات الموالية له خلال تلك الفترة، وجرت عشرات المحاولات لاستعادة السيطرة على بلدة باشكوي في الريف الشمالي، والتي تكمن أهميتها أنها مجاورة لبلدتي نبل والزهراء الشيعيتين، بالإضافة إلى عدة محاولات بهدف تحرير اللواء \80\ المجاور لمطار حلب الدولي ومطار النيرب العسكري، والذي استعادت قوات النظام السيطرة عليه في شهر تشرين الثاني 2013 بعد أن حرره الجيش الحر في شهر شباط من العام نفسه، بجانب عشرات المعارك العنيفة جداً في ريف حلب الجنوبي لتحرير بلدة خناصر الاستراتيجية والسيطرة على طريق أثريا - حلب الذي يعتبر الشريان الحيوي لقوات النظام.

خاضت فصائل الثورة في تلك الفترة معارك بطولية على كل الجبهات استنزفت فيها قوات النظام وكبدته خسائر كبيرة، سواء في جبهات المدينة أو جبهات الريفين الغربي والشمالي، أنهكت فيها قوات النظام والميليشيات المساندة له التي لولا التدخل العسكري الروسي المباشر في نهاية شهر أيلول عام 2015، ومساندة تنظيم داعش لها لأوشكت على السقوط، وكان الثمن أيضا باهظاً بالنسبة لفصائل الثورة التي خسرت الكثير من قوتها وسلاحها وعتادها في تلك الملاحم، حتى سمي ذاك العام بعام الحزن لريف حلب الشمالي، الذي كان له النصيب الأكبر من الشهداء القادة، أذكر منهم: قائد لواء أحفاد عمر حمزة منصور أوسو ابن بلدة حيان، وقائد الفوج الثامن في لواء التوحيد أحمد إبراهيم طحان ابن بلدة رتيان، ومحمد الأعور أبو اصطيف ابن مدينة عندان.

التدخل العسكري الروسي الذي كثف ضرباته الجوية والصاروخية بشكل عنيف على مواقع فصائل الجيش الحر وعلى كل خطوط التماس مع قوات النظام، بالإضافة إلى استهداف مراكز المدن والبلدات في هجوم بربري وحشي لم تسلم منه المشافي والأفران والأسواق وحتى مقر مجلس محافظة حلب كان له نصيب من صواريخه المدمرة، تزامن هذا التدخل العسكري مع بدء تحرك كبير لتنظيم الدولة (داعش) باتجاه مناطق سيطرة الثوار، متربصاً بهم أي لحظة ضعف أو انشغال لينقض عليهم ويغرز خنجر حقده المسموم في قلب الثورة ، منسحباً من جبهات وخطوط تماس مع قوات النظام يزيد طولها على 100 كم، معللاً ذلك لعناصره أن "محاربة المرتدين أولى من محاربة الكفار"، وبالطبع فصائل الجيش الحر بنظره جميعها من المرتدين.

كانت بداية التدخل العسكري الروسي في حلب من ريفه الجنوبي، حيث أمّن الروس غطاء جوياً وصاروخياً غير مسبوق لقوات النظام وميليشيا حزب الله اللبناني وفصائل زينبيون وفاطميون وميليشيات أخرى تتبع للحرس الثوري الإيراني، في حملة عسكرية برية كبيرة يقودها اللواء حسين همداني، وهو قائد القوات الإيرانية في سوريا ونائب قائد فيلق القدس قاسم سليماني، مدججة بكل أنواع الأسلحة الثقيلة وبغطاء جوي كثيف جداً من طائرات الاستطلاع والطائرات الحربية الروسية، في حملة تدمير ممنهج لم تعرفها الجبهات من قبل، ولم يألف مقاتلو الجيش الحر نوعاً كهذا من المعارك سابقاً.

تداعت فصائل الثورة من المدينة والريف ولاحقاً فصائل من "جيش الفتح"، بالإضافة إلى مقاتلي المنطقة للدفاع عنها وصد الهجوم، فالهدف من الحملة العسكرية كان واضحاً وهو السيطرة على بلدات خان طومان والحميرة وخلصة وزيتان وبرنة، وصولاً إلى تلة العيس الاستراتيجية الحاكمة والمشرفة على الطريق الدولي حلب- دمشق، الذي وضعت قوات النظام نصب عينيها السيطرة عليه والاتجاه غرباً لاستعادة السيطرة على مدينة إدلب.

رغم الخلل الكبير في ميزان القوة وجغرافية المنطقة التي لا تساعد طبيعة تضاريسها السهلية على المناورة العسكرية والتخفي، وتساقط الصواريخ والقنابل كالمطر على المقاتلين، وتدمير كل البيوت والمزارع التي يمكن الاحتماء بها؛ صمد أولئك الأبطال ما يقارب الثلاثة أشهر، خاضوا فيها أشرس المعارك وأعنفها، مسطرين بطولات يصعب وصفها ببضع صفحات، كبّدوا فيها القوات المهاجمة خسائر كبيرة وقتلوا المئات منهم، وكان على رأس هؤلاء قائد الحملة الجنرال حسين همداني، وقائد ميليشيا الفاتحين التابعة للحرس الثوري الإيراني جواد الله كرمي، وأكثر من خمسة عشر من قادة حزب الله اللبناني قُتلوا في قرية زيتان (مسقط رأسي)، ومع ذلك لم يتمكن الحزب الذي دمر القرية ونبش قبورها من العثور على جثث هؤلاء القتلى، بالمقابل كانت التضحيات كبيرة من الثوار، فارتقى الكثير من قادة الثوار هنا أيضاً، أذكر منهم قائد كتائب ثوار الشام، ابن محافظة درعا المقدم الدكتور المهندس محمد الخطيب أبا عبد الرحمن، والقائد العسكري للكتائب، ابن مدينة مورك النقيب عبد الواحد جمعة، والقائد الميداني أحمد خانطوماني، والقيادي في حركة نور الدين الزنكي ابن مدينة عندان إسماعيل ناصيف، والقائد الميداني في جيش الإسلام محمد حزوري المكنى بأبي أيوب السفيرة، والعشرات بل المئات الذين لا يسعفني المقام أن أتشرف بتسطير أسمائهم الخالدة في قلوب ووجدان كل السوريين الأحرار.

في المقال القادم حديث تفصيلي عن معارك الشمال التي واجه فيها الثوار ثلاثة أعداء تكالبوا عليهم، وهم النظام وحلفاؤه، وداعش وحزب العمال الكردستاني، وهي معارك تاريخية بكل معنى الكلمة.