حلب بين فكي النظام وداعش.. أسباب سقوط مدينة حلب بيد النظام (4)

2024.03.09 | 07:02 دمشق

4335
+A
حجم الخط
-A

مع انشغال فصائل الجيش الحر في مواجهة الهجوم الهستيري لقوات النظام وحلفائه ومقارعتهم والتصدي لهم على عدة جبهات، لم يتوقف تنظيم داعش لحظة واحدة عن الغدر بفصائل الثورة وضربها من الخلف والجنبات، بالتزامن مع تقدم قوات النظام على الجبهات الشمالية في الشيخ نجار وكفر صغير وتل شعير في منطقة المسلمية، وكان التخادم الكبير بين النظام وداعميه وداعش لا يخفى على ذي بصيرة.

في خضم تلك المعارك، وبعد التدخل العسكري الروسي بعدة أيام، وفي التاسع من شهر تشرين الأول 2015، تسلل عناصر داعش إلى كلية المشاة العسكرية، التي سُميت باسم قائد عملية تحريرها في الخامس عشر من شهر كانون الأول عام 2012، وقضى فيها (الشهيد العقيد يوسف الجادر أبو الفرات)، وغدروا بمقاتلي الجيش الحر من لواء التوحيد المرابطين فيها، فقتلوا عدداً كبيراً منهم واحتلوها، ليعيدوا تسليمها للنظام وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شهر تشرين الثاني عام 2016.

ثم اتجه التنظيم غرباً وتمكن من السيطرة على سجن الأحداث، وشمالاً حيث سيطر على قرى تل سوسين ومعاريتة وكفر كارص وتل قراح وفافين والمنطقة الحرة ومعمل الإسمنت، وصولاً إلى أطراف بلدة تل جبين لقطع طريق الإمداد على الثوار من الريف الشمالي وبهدف الوصول الى مدينة حريتان والسيطرة عليها، وبالتالي السيطرة على البوابة الشمالية للمدينة ومحاصرتها وقطع كل طرق الإمداد عن الثوار، فتقاطعت أهداف التنظيم مع أهداف النظام، فكلاهما يسعى بكل السبل لحصار الثوار في مدينة حلب والسيطرة عليها.

نتيجة الضغط الكبير الذي شكلته داعش وخطر سيطرتها على الريف الشمالي، ما يعني أن تصبح فصائل الحر بين فكي كماشة النظام وداعش، تم اتخاذ القرار من قبل مجلس الشورى العسكري التابع لغرفة فتح حلب بتوقف المعارك الهجومية ضد النظام والانتقال إلى حالة الدفاع، وحشد القوات للتصدي لتقدم التنظيم الذي يحاول السيطرة على الريف الشمالي والشمالي الغربي، لإطباق الخناق على مدينة حلب التي لم ينس ما ألحقته به من هزائم نكراء.

استنفرت معظم فصائل غرفة عمليات فتح حلب وأرسلت المؤازرات إلى ريف حلب الشمالي لصد هجوم التنظيم الشرس، وهنا لا أبالغ إن قلت إن التنظيم كان يقتحم القرى والبلدات تحت غطاء جوي ومدفعي من قوات النظام والطائرات الحربية الروسية، ويشهد على ذلك كل من عاصر تلك الفترة من المقاتلين وسكان الريف الشمالي وواكب أحداثها، وكنت شاهداً أيضاً على ذلك، فكانت تتناوب الطائرات الحربية والمروحية على قصف كل القرى والبلدات التي يوجد فيها الثوار من دون أن تطلق طلقة واحدة تجاه التنظيم.

دارت معارك ضارية تشتت فيها تركيز قوات الثوار بين عدوين شرسين يفتكان بهم على عدة جبهات، فطيران النظام والطيران الروسي الذي كان يلقي كل أنواع الصواريخ والقنابل الفوسفورية والارتجاجية والبراميل المتفجرة على جبهات حلب المدينة وريفها الجنوبي والشمالي والغربي، ويستهدف خطوط الإمداد وكل شيء يتحرك على الأرض، سانده تنظيم داعش بمفخخاته الانتحارية التي استهدفت تجمعات الجيش الحر ونقاط رباطه، في ظل معارك وصمود وتضحيات ربما يحتاج الحديث عنها وتوصيفها إلى مجلدات، استنزفت فيها الفصائل وأُرهق مقاتلوها وقل عددهم ودُمر كثير من سلاحهم وعتادهم، وارتقى المئات منهم قتلى.

تمكن تنظيم داعش من الزحف باتجاه مدينة مارع والوصول إلى أطرافها الجنوبية والشرقية بعد أن سيطر على البلدات والقرى المجاورة لها، وهي أم القرى والوردية وحساجك وصندف وصولاً إلى سد الشهباء، ضارباً طوقاً حول المدينة، فتحولت فصائل الحر المدعومة من غرفة العمليات المشتركة (الموم)، بما فيها فصائل من محافظة إدلب إلى الشمال لمؤازرة المدينة، فمنها من ثبت وقاتل ومنها من اكتفى بالتصوير والاستعراض وعاد أدراجه من حيث أتى.

وعلى مدار أكثر من ثمانية أشهر دارت معارك ضارية ضد التنظيم الذي فشل في السيطرة على المدينة رغم عشرات المحاولات والعمليات الانتحارية، وبفضل صمود أهلها ومقاتليها والمؤازرين من باقي الفصائل الذين ثبتوا حتى النهاية.

في خضم كل تلك المعارك الطاحنة بين الحر والتنظيم، لم يتوقف النظام عن التقدم باتجاه الريف الشمالي مستعينا بغطاء جوي روسي كثيف والآلاف من عناصر الميليشيات التابعة لإيران وحزب الله، ليتمكن من إنجاز ما أخفق به قبل عام، وفي شهر شباط عام 2016، استطاعت كل تلك القوات احتلال بلدات رتيان وحردتنين والوصول إلى مدينتي نبل والزهراء وفك الحصار عنهما وفصل الريف الشمالي لقسمين، وحرمان فصائل الجيش الحر من مؤازرات ودعم الجزء الشمالي منه (تل رفعت، منغ، اعزاز، مارع، أخترين، ...)، وقطع خطوط الإمداد والإسعاف باتجاه المشافي التركية.

 

234

 

وفي نفس التوقيت الذي كانت فصائل الحر تتصدى لهجوم قوات النظام وتقدمها باتجاه نبل والزهراء، وتحاول إيقاف زحف تنظيم داعش شمالاً وغرباً، تزامن ذلك مع هجوم لقوات حزب الاتحاد الديمقراطي (YPG-YPJ) التابعة لحزب العمال الكردستاني (PKK)، على مدينة تل رفعت والقرى العربية المجاورة لها، وبغطاء جوي كثيف من طيران المحتل الروسي ومساندة قوات النظام والميليشيات الايرانية.

وبعد مقاومة عنيفة من قبل مقاتلي تلك البلدات الذين أقسموا على الثبات والصمود في وجه المحتلين الجدد، وبعد أن شن الطيران الروسي 450 غارة جوية على مدينة تل رفعت دمر معظم أحيائها بشكل كامل، ارتقى خلالها عدد كبير من القادة والمقاتلين، تمكن التنظيم الانفصالي من احتلال 55 بلدة وقرية عربية أبرزها: بلدات مريمين، دير جمال، منغ، تل رفعت، الشيخ عيسى، الزيارة، وصولاً إلى المشفى الوطني في اعزاز، ليصبح الجيش الحر مطوقا بثلاثة أعداء، النظام جنوباً وقسد غرباً، وداعش شرقاً وشمالاً، لتصبح مدينة مارع محاصرة بشكل كامل بعد سقوط قرى وبلدات أم حوش، حربل، احرص وصندف وكلجبرين وكفركلبين وجارز والحمزات صغيرة، وحور النهر، وتل مالد وتلالين وكفرة المحيطة بها من جهة الجنوب والشرق والشمال بيد التنظيم، وقرية الشيخ عيسى ومدينة تل رفعت التي احتلتها القوات الانفصالية الكردية من جهة الغرب.

كثف تنظيم داعش هجماته بشكل جنوني مستميتاً للسيطرة على مدينة مارع المحاصرة، لدرجة استخدامه لغاز الكلور المحرم دولياً، في ظل مقاومة بطولية من أبنائها في معركة عض أصابع وكسر عظم صمد فيها الأبطال، مدنيون وعسكريون، رغم الحصار والأعداد الكبيرة من الجرحى والمصابين، الذين تعذر تقديم الخدمات الطبية والإسعافية لهم، بعد تناوب النظام وداعش على قصف مشفى المدينة الوحيد، هنا قررت فصائل المدينة الانضواء تحت قيادة لواء المعتصم المدعوم من قبل وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، للاستفادة من دعم التحالف الدولي، الذي كان يلقي بالذخيرة والمواد الغذائية للواء من الحوامات عبر المظلات.

كان للتحالف الدولي دور مهم بالضغط على (قسد) لفتح ممر أمن لإدخال بعض المساعدات ونقل الجرحى والمصابين إلى مدينة اعزاز بالتنسيق مع جيش الثوار التابع لقسد بقيادة أبو علي برد، وبقيت مارع محاصرة ومعظم قرى وبلدات ريف حلب الشمالي محتلة من قبل التنظيم، لحين انطلاق عملية درع الفرات في شهر تموز 2016، التي شاركت فيها معظم فصائل الجيش الحر بدعم وإسناد جوي ومدفعي تركي، أدت إلى طرد تنظيم داعش من الريف الشمالي بالكامل وتحرير مدينة الباب في الريف الشرقي في شهر شباط عام 2017.

بعد أن تمكنت قوات النظام من السيطرة على قسم كبير من مدن وبلدات الريف الشمالي، وفك الحصار عن بلدتي نبل والزهراء، وانضمام عدد كبير من شبيحتهما إلى صفوفه، بدأت بتضييق الخناق على مدينة حلب بغية حصارها من خلال عملية عسكرية أطلق عليها اسم " طوفان النصر"، لتكون تلك المرحلة مرحلة حصار حلب الأول، ومن ثم الحصار الثاني والسقوط الأخير للمدينة، وهذه المرحلة هي محور المقال المدينة.