من سيرة آل الأسد: المتمرد القديم الجديد

2023.11.20 | 06:43 دمشق

ؤءر
+A
حجم الخط
-A

لم تحدد العائلة الحاكمة في سوريا أسماء أبنائها وبناتها الظاهرين في الصورة الشهيرة المرفقة لكن بعض الأفراد أفصحوا، فعرفنا أن الحاضرين من الجيل الأسدي الثاني هم من سلالة حافظ ورفعت وأخيهم غير الشقيق محمد الذي تظهر أرملته، غندورة إسكندر، بالحجاب في أقصى يمين الصورة، وابنه الأصغر، يحيى، في المكان الذي لم يستمر فيه طويلاً، متقدماً على الأرض بين عمه الرئيس وزوجته أنيسة مخلوف.

كان محمد الأسد قد توفي بالسرطان في عام 1976 وهو في منتصف الخمسينات. وقرر حافظ تربية أولاده الستة بشكل مباشر.

وقد التصقت البنات الأربع بعمّهن الراعي ونشأن على الولاء له ولابنه بشار من بعده. فشقّت إحداهن، روعة، الطريق لزوجها، يوسف أحمد، ليصبح وزيراً للنقل ثم وزير دولة لشؤون القصر الجمهوري. وتوفي عضواً مؤثراً في القيادة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي. وأصبحت شقيقتها، عليا، رئيسة فرع دمشق لنقابة الصيادلة لسنوات، وتولت رئاسة مجلس إدارة المؤسسة العامة السورية للتأمين قبل عدة أعوام.

لكن هذا لم يكن حظ الأسد من ابني أخيه الذكَرين. فقد استغل أكبرهما، علي، فرصة إيفاده لدراسة الطب في إحدى دول شرق أوروبا ليستوطن هناك ويتزوج أجنبية ويتابع مسيرته المهنية من دون اعتبار لقرابته وما يمكن أن يحصّله منها في سوريا. أما يحيى، وهو مدار حديثنا، فقد تطوّع في الجيش وانخرط في مناكفات لا تنتهي مع ابن عمه باسل الذي كان يتمتع بشخصية مهيمنة داخل المنزل الرئاسي وخارجه.

ورغم فارق مؤثر في العمر بين يحيى (مواليد 1966) وباسل (1962) فقد دخل الفتَيان في منافسة أقران سرعان ما اشتدت وقسا عودها عندما أصبحا شابين. ولم يعد يمكن تجاهلها في أوائل التسعينات إذ تحولت إلى اشتباك بالرصاص أصاب فيه يحيى أحد عناصر مرافقة ابن عمه المعتد بنفسه كوريث قادم، فأمر سرية دبابات من الكتيبة التي كان يقودها من الحرس الجمهوري بأن تدعس سيارة BMW مفروزة ليحيى من القصر الجمهوري ومماثلة لسيارة باسل الذي صوّر المشهد وأرسله لابن عمه متوعداً بوضعه فيها ودعسه معها في المرة القادمة!

ما كان يمكن حله في ذلك الوقت، بتواري يحيى وخروجه من البلاد مدة وتدخل أخواته وترطيب الخواطر، تصلّب مع وفاة باسل المفاجئة بحادث سير في مطلع عام 1994، فقد رعى حافظ الأسد خصومات ابنه الأثير كأنها جزء من وصية. وهكذا وجد يحيى نفسه مطروداً من جنّة عمه، ضابطاً هامشياً في الجيش، سواء حين تولى رئاسة إحدى شعب التجنيد بدمشق أو عندما انتقل إلى اللاذقية ليكمل خدمته ويتقاعد في عام 2011 برتبة عقيد.

 

يحيى الأسد
يحيى الأسد

 

في ما خلا دائرته القريبة لم يكن يحيى معروفاً، إذ لم يشتهر بالفساد أو التشبيح على سنّة أكثر أفراد العائلة. ورغم محافظته على شعور الاستخفاف بابن عمه بشار إلا أنه لم يتخذ موقفاً معلناً إلا قبل عدة أشهر. فبالتوازي مع اشتداد الأزمة المعيشية وظهور بوادر التململ في الساحل في الصيف الفائت أنشأ صفحته على فيسبوك التي أوضحت موقفه الصارم من بشار، «الجبان.. البخيل.. الكذاب.. xxx» كما يصفه، داعياً إياه إلى الرحيل، مرحباً بحراك «ثوار السويداء ودرعا» مؤخراً، متسائلاً «وين أبطال العلويين؟».

منذ أسبوعين صعّد يحيى أداءه بانتقاله إلى بث فيديوهات قصيرة لم تُعرف على نطاق واسع رغم جرأتها، وذلك بسبب حداثة الصفحة وضعفها من جهة أولى، وعدم اشتهار صاحبها بالدرجة الكافية، ونتيجة الاضطراب الذي أظهرته الفيديوهات حين تترحّم على حافظ الأسد وتتهم زوجته أنيسة بقتله بالتلاعب بالأدوية التي كان يتلقاها للعلاج، بالتعاون مع ابنتهما بشرى وزوجها آصف شوكت، مما بدا أوهاماً سرعان ما عززها يحيى بالقول إن المرأتين خططتا لقتل بشار نفسه، إثر خلافهما معه في مرحلة لاحقة، لولا معارضة الصهر.

 

 

لكن غرابة هذه الأفكار ومحدودية انتشارها لم تمنع الجهات الأمنية من التحرك باتجاه منزل صاحبها في حيّ الصليبة باللاذقية وبيته في القرداحة ومصادرة بعض البنادق والقنابل منهما، مما عدّه يحيى أسلحة تهدف إلى الدفاع عن النفس فقط، خاصة مع اتهامه ابن عمه بشار بالسعي إلى تصفيته وتحديه أن يستطيع ذلك. بالتوازي مع تبرؤ الدائرة العائلية الصغيرة من الضابط المتقاعد المتمرد «خائن الوطن ناكر الجميل»، وإعلانها ولاءها للسلالة الحاكمة بسادتها وسيداتها.

ربما لن تثمر فيديوهات يحيى إلا عن اعتقاله بلا شوشرة. لكن ظهور الاعتراض من داخل المحيط الضيّق، بعناوين سكن معروفة في اللاذقية والقرداحة، والسخرية التي أبداها يحيى تجاه ابن عمه الذي يعرفه جيداً؛ أمور ذات دلالة. بالذات لأن أصواتاً كهذه تتجرأ على القول في العلن ما بات تداوله شائعاً بصوت خافت في أوساط العلويين من التسليم بحماقة بشار وقلة كفاءته وجشعه وانسداد أفق الحل أو الانفراج على يديه.

لكن جثة النظام تبقى مسنودة بقوة الأمن والعطالة وغياب البديل المقنع لهم إلى الآن، وستظل واقفة كخيال المآتة المهترئ حتى يُستكمل نعشها العسير الذي تبيّن للسوريين أنه يحتاج إلى مسامير كثيرة...