معالم خطة الجولاني لتطويق الاحتجاجات

2024.04.21 | 05:03 دمشق

آخر تحديث: 21.04.2024 | 05:03 دمشق

الجولاني
+A
حجم الخط
-A

استطاع أنصار زعيم «هيئة تحرير الشام» إقناع شريف أبو عبد الهادي بمدى جديتهم أخيراً. وكان الرجل، الذي دأب على الخطابة في التجمعات المعارضة لأبي محمد الجولاني وجهازه الأمني، قد تعرض لاحتكاك متعمد ممن يُعتقد بانتسابهم إلى هذا الجهاز قبل أسابيع. لكنه ظهر إثر ذلك في مقطع مصور يستهين بما حدث، طالباً من الذين أبدوا تعاطفهم معه أن يوجّهوا مناصرتهم إلى المعتقلين الذين يعانون من التعذيب في سجون «الهيئة». وفي الأسبوع الماضي تم احتجازه، على يد «الشرطة» ظاهرياً، بتهمة تحرش فبركت على عجل فلم تصمد لساعات. وأخيراً ضاق ذرع خصومه الحانقين به فاجتمعت ثلة منهم وأقدمت على تحطيم سيارته وطعنه بالسكاكين وضربه بالعصيّ إلى درجة نقله إلى العناية المشددة، قبل توجهه إلى التظاهرة في يوم الجمعة الفائت الذي أطلق عليه المحتجون اسم «الإصلاح يبدأ برحيل الجولاني».

ويبدو أن هذا التصعيد واحد من حزمة إجراءات متناوبة قرر زعيم «الهيئة»، وفريقه المقرّب، اعتمادها لمواجهة الحراك الرامي إلى تنحيته وتفكيك جهازه الأمني ومحاسبتهما. وبالاستقراء يمكن تحديد هذه الأساليب بالنقاط الآتية:

  1. إجراء إصلاحات متوسطة الجدية لا تطول جذور الوضع القائم. فلا تمس قيادة الجولاني ولا تحل «جهاز الأمن العام» ولا تسائلهما عما مضى، ورغم ذلك تقدم تنازلات ليست سهلة على زعامة معجبة برأيها. كتوسيع «مجلس الشورى العام» وجعل عضويته بانتخابات تقرر أن تكون مبكرة، وتحويل «جهاز الأمن العام» إلى إدارة تتبع لوزارة الداخلية في «حكومة الإنقاذ» مع ما يُفترض أن ينتج عن ذلك من شفافية، وإلغاء أو خفض بعض الرسوم.
  2. تحريك بعض الشخصيات المحلية المؤيدة للجولاني في نقاط التظاهر الفاعلة. وغالباً ما يخرج هؤلاء «الوجهاء» ببيان يحث على الإصلاح ويطلب الصبر على خطواته، ويستنكر إقدام بعض الغرباء عن البلدة على التظاهر فيها لشق الصف وزرع «الفتنة». ولدعم مكانة هؤلاء عيّنوا في لجان تلقي الشكاوى أو أتيح لهم التوسط لإخراج بعض السجناء من أبناء مناطقهم بعد كفالتهم، أو زيارة آخرين ممن كان «جهاز الأمن العام» لا يعترف بوجودهم عنده أو لا يسمح لذويهم برؤيتهم ولا بمعرفة أخبارهم.
  3. محاولة استمالة بعض رموز الحراك بطريقة الجولاني الأثيرة باللقاءات الفردية والتفاوض من وراء الكواليس. لكن يبدو أن محاولاته هذه لم تثمر حتى الآن لأن سمعته المتلاعبة صارت تسبقه إلى اللقاءات أو تمنع الاجتماع به أصلاً، لا سيما أن عدداً من متصدري الاحتجاجات هم ممن عرفوه سابقاً وعاملوه من مواقع مختلفة، ولا يحتفظون من أثر تلك التجارب بذكرى طيبة.
  4. التشكيك في أهلية الحراك ووحدة رؤيته ودوافع المشاركين فيه. وذلك بردّه إلى ضغائن تحتفظ بها مجموعات وفصائل تجاه «هيئة تحرير الشام»، مثل «حزب التحرير» و«جيش الأحرار» و«تجمع دمشق»، أو إلى أفراد من فلول فصائل «مفككة» على يد «الهيئة»، وإلى «حظوظ نفس» تعتمل في صدور بعض القادة والمسؤولين السابقين بعد إقالتهم أو انشقاقهم. واتهام هؤلاء بنقص الخبرة. فضلاً عن تسليط الضوء على تباين مرجعيات ناشطي الحراك مما يصعب معه اتفاقهم على رجل واحد كبديل.
  5. القول إن المتظاهرين يستهدفون «المجاهدين»؛ أي الجناح العسكري في «الهيئة»، ممن «يرابطون على الثغور» ويخاطرون بأرواحهم لتظل المنطقة آمنة من هجوم قوات النظام. وإن الحراك يسعى لهدم «المؤسسات» القائمة؛ أي «حكومة الإنقاذ» وهياكل أخرى. وفي هذا السياق حرص المحتجون على إيضاح أن خصومهم هم الجولاني وأمنيوه على وجه الحصر، وأنهم ما خرجوا إلا حميّة للعسكريين بعدما أصابهم ما كان قد طال سواهم من تعذيب وإهانة في السجون الأمنية. ومن جهة أخرى يصرّ المتحدثون باسم الحراك السلمي على احترام البنى الإدارية القائمة والحفاظ عليها بعد تخليصها من قبضة الزعيم وتسلط أعوانه. بل إن الحراك، خلافاً لخطأ إعلامي شائع، لم يرفع شعاراً ضد «الهيئة» نفسها. كما بيّن بعض ممثليه، في أكثر من مناسبة، أن قيادة الجولاني لها هو شأنها الداخلي، وأن اعتراضهم هو على استئثاره العام بالتحكم بالمناطق المحررة الواقعة في إدلب وريف حلب.
  6. تنشيط ماكينة الإعلام الرديف. ففي حين ينشر الإعلام الرسمي أخبار اجتماعات التخطيط للإصلاح وورشاته التي يُراد لها أن تظهر على قدم وساق، حافلة بصور رجال يبدون محترمين؛ أوكلت إلى مجموعة من الحسابات ذات الشعبية على وسائل التواصل، وتشرف عليها أسماء مستعارة، مهمة تشويه الخصوم بأقذع الطرق التي بلغت حد إطلاق تلميحات جنسية في حق النساء اللواتي يتظاهرن، والتساؤل عن «النخوة» الغائبة عن رجالهن حين يسمحون لهن بذلك أو حتى يباركون فعلهن.
  7. التهديد بالقمع ثم استخدامه. سبق للجولاني أن لوّح باستعمال القوة حفاظاً على «المكتسبات» التي حققتها المنطقة وحماية لها من «الفوضى». لكن هذا الخيار ليس سهلاً حتى على طاغية متوفز، لأسباب أولها الهزة التي أصابت هيبة جهازه الأمني ووقوع أعماله تحت الأضواء الكاشفة، وليس آخرها ما يبديه الحراك من تضامن بين مختلف تياراته وفي مناطقه العديدة، وبينهما اعتبارات شعبية وفصائلية وأهلية وتوازنات جعلت «شحط» الخصوم مسألة معقدة لا كالأيام الخوالي. ولذلك تصاعدت الاعتداءات على المتظاهرين هنا وهناك، عبر أعضاء من جهاز الأمن بملابس مدنية أو من خلال «قوات رديفة»، بذريعة «التصرفات الفردية» أو وقوع مشاجرة نتجت عن استفزاز المتظاهرين للسكان. وكانت الطعنات الخطرة التي أصابت شريف أبو عبد الهادي أحدث هذه الحالات.

وفي الإطار الذي يغلّف ذلك كله يراهن الجولاني على الوقت لعله يفضي إلى نجاح هذه الأساليب أو بعضها، أو يدفع معارضيه إلى الإحساس بالإحباط وعدم الجدوى. وقد دلت تقارير ظهرت من بيته الداخلي على أنه يراقب التظاهرات بدقة وحذر؛ نقاطاً وأعداداً ونوعية مشاركين، بأعين «الرصّاد» الذين جنّدهم «جهاز الأمن العام» عوضاً عن المخبرين أو «العواينية» في نظام الأسد.