من جديد.. علاقة الأسد وحماس

2023.08.15 | 10:46 دمشق

من جديد.. علاقة الأسد وحماس
+A
حجم الخط
-A

بعد عقد من الجفاء والخصومة المعلنة، طفا تقارب الأسد وحماس على السطح منذ نحو العام إلا أن المسار لم يكن مثل التوقعات، فعلى الرغم من زيارة وفد قيادي من حماس لسوريا ولقائها مع الأسد في مشهد ظهر وكأنه طي لصفحة الماضي بكل ما حملت. لكن ومنذ بضعة أيام خرج الأسد بتصريح لـ "سكاي نيوز عربية" هاجم فيه حماس قائلا بأن "موقف حماس منّا كان مزيجاً من الغدر والنفاق".

منذ عام، لم يكن التقارب بين حماس والأسد خارج السياق، بل كان جزءا من مشاهد طي صفحة الربيع العربي الأخيرة وعودة عقارب الساعة الى الوراء، في لحظة تسارعت فيها عملية تقارب العرب مع النظام السوري. في حينها حسمت حماس خيارها وقرارها بالالتحام مع محور المقاومة الذي تتزعمه إيران.

بالنسبة لحماس، فهي ترى بأنها فصيل أصغر من دولة وأكبر من حزب أو جماعة، ويقع على عاتقها مسؤولية كبيرة في فلسطين. تعتبر حماس بأنها المسؤول المباشر الأول عن الحفاظ على القضية الفلسطينية وتمثيل الشعب الفلسطيني المقاوم. هذه المسؤولية بنظر حماس تفرض عليها عدم الانكسار أو التراجع وتفرض عليها تأمين الدعم السياسي الدولي اللازم لقضيتها، وبالتالي نسج التحالفات المناسبة. يترتب كذلك على حماس تكاليف مادية وعسكرية باهظة تحتاج من يدعمها فيها وهذه لا تكون إلا عبر دول، في ظل التضييق على داعمي المقاومة في الوطن العربي والعالم.

من هذا المنطلق ومع تراجع الربيع العربي وتقارب غالبية دول الخليج مع إسرائيل، وتضييق إيران على حماس في جوانب عديدة نظرا لموقفها الداعم للثورة السورية، رأت حماس بأن المنطقة تتجه أكثر فأكثر للانفصال بين مشروعين، الأول تقوده إسرائيل والثاني إيران. ومن منطلق مصلحة فلسطين والقضية رأت حماس ضرورة رص الصف مع إيران ومحاولة الانصهار في المحور المعنون بمقاومة الاحتلال الإسرائيلي.

بقيت العثرة الوحيدة أمام حماس للاندماج الكلي في محور المقاومة هي علاقتها مع الأسد، فبعد شد وجذب داخلي ولمدة طويلة قررت حماس إعادة العلاقة مع الأسد خاصة أن التقارب العربي مع الأسد وإسرائيل في آن ظهر في أكثر من مكان

هذا الانصهار في المحور والتنسيق تجلى في تكثيف زيارات قيادة حماس إلى لبنان، بل محاولة مساعدة الحزب على إنجاز بعض الملفات اللبنانية من خلال علاقة حماس مع بعض القوى اللبنانية. في الاتجاه نفسه انتشر مصطلح "وحدة الساحات" والذي تمت ترجمته إعلاميا في مجموعة فيديوهات مشتركة بين فصائل فلسطينية وإيرانية كانت حماس وحزب الله أعمدتها الأهم.

بقيت العثرة الوحيدة أمام حماس للاندماج الكلي في محور المقاومة هي علاقتها مع الأسد، فبعد شد وجذب داخلي ولمدة طويلة قررت حماس إعادة العلاقة مع الأسد خاصة أن التقارب العربي مع الأسد وإسرائيل في آن ظهر في أكثر من مكان. اعتبرت حماس عندها أن اللحظة ملائمة لإعادة العلاقة مع الأسد كون الخطر الإسرائيلي في تصاعد، ولتوقع حماس عدم تلقي اللوم لوجود أجواء عامة في اتجاه إعادة العلاقات مع الأسد من دول هي أكثر فاعلية وأهمية من حماس في المنطقة.

وقعت حماس هنا في مشكلتين أساسيتين، الأولى هي نظرة بشار الأسد للمسألة، والثانية هي عدم الاهتمام "بالتخريجة" الإعلامية للحدث. بالنسبة للأسد فإنه لا يقارب الموضوع الفلسطيني بالطريقة نفسها التي تقاربه فيها حماس بالتأكيد ولا حتى تلك التي تقاربه بها إيران. فاهتمام الأسد الرئيس هو سوريا وكيف يمكن تعزيز حكمه فيها. فالموضوع الفلسطيني لا يعتبر ضمن أولوياته وبالتالي فتقاربه مع حماس لا يعنيه كثيرا إلا من بوابة إرضاء إيران. ليس فقط لا يعني الأسد الموضوع الفلسطيني، بل أبعد من ذلك، فإن مصلحة الأسد مع إسرائيل أكبر من تلك التي تجمعه بحماس. في ظل النزاعات القائمة على الأراضي السورية وتسليم الأسد من سنوات لخسارة السيادة على البلد، يحاول الأسد كسب أكبر قدر من المصالح على الأراضي السورية من خلال تعزيز علاقاتها مع القوى الفاعلة في سوريا. لذلك وبناء عليه، يعتبر الأسد أن استخدام حماس كورقة للتقرب من إسرائيل أفيد من التقارب مع حماس نفسها وهو ما لم تحسب حسابه الحركة.

بالنسبة لحماس وبعد هذه التصريحات من الأسد فقد وجدت نفسها في مأزق بين الرد وبالتالي تعميق الخلاف مع الأسد، وهو ما لا تريده وبين عدم الرد وبالتالي الظهور بمظهر الضعف

إضافة إلى ذلك، فإن حماس لم توفق في تقديم الخبر لجمهورها وخاصة للمتعاطفين معها ومع الثورة السورية في آن، فلم تجهز الأرضية بالطريقة اللازمة ولم تقدم تقاربها مع الأسد بحكمة بل بشيء من اللامبالاة بردود الفعل الشعبية. على المقلب الآخر، بعد أن تسرب الخبر وذاع وظهرت ردود الفعل الشعبية القاسية سارعت حماس لمحاولة معالجة ذيول الحادثة من خلال حملة كبيرة من اللقاءات الشعبية والرسمية وغير الرسمية لشرح وجهة نظرها لكل الأطراف المحبة. نجحت هذا اللقاءات في إطفاء جزء من آثار التقارب السلبية إلا أن التأخر وعمق جرح الجمهور مع الأسد أدى بطبيعة الحال لعدم تقبل شريحة أخرى منه لهذا التقارب.

اليوم وبعد تراجع التقارب الأسدي مع العرب وتركيا يعود الأسد لتقديم أوراق اعتماده لإسرائيل. بالنسبة لحماس وبعد هذه التصريحات من الأسد فقد وجدت نفسها في مأزق بين الرد وبالتالي تعميق الخلاف مع الأسد، وهو ما لا تريده وبين عدم الرد وبالتالي الظهور بمظهر الضعف. فضلت حماس القنوات الدبلوماسية فسارع حزب الله لمحاولة أخذ الأمر على عاتقه والتوسط مع الأسد لإيجاد مخرج للأزمة.

أحد عناصر القوة لحماس والتي لا يمكن التخلي عنها والتي تعتبر عامود المشروع استراتيجيا، هي الحاضنة الشعبية العالمية كحركة نضالية ضد الاحتلال. إن هذه الطهارة تلوثها الواقعية السياسية لذلك يقع على عاتق حماس أن تخطوا بحساسية عالية بين ألغام الضرورة والاستراتيجية والمصلحة إن من ناحية التصرفات أو الأقوال في ظروف لا تحسد عليها.