icon
التغطية الحية

معاناة تفوق الألم.. تكاليف علاج الأسنان ترهق كاهل المرضى في إدلب

2023.07.24 | 06:32 دمشق

آخر تحديث: 24.07.2023 | 11:16 دمشق

تكاليف علاج الأسنان المرتفعة تدفع المرضى للبحث عن بدائل - إنترنت
تكاليف علاج الأسنان المرتفعة تدفع المرضى للبحث عن بدائل - إنترنت
+A
حجم الخط
-A

باتت قضية علاج الأسنان في منطقة إدلب مما يثقل كاهل السكان بشكل كبير نتيجة لارتفاع كلفة المواد المستخدمة من قبل الطبيب وأجوره، والتي دفعتهم إلى أن يتحملوا أوجاعهم وآلامهم بتناول حبوب مسكنة ليهدؤوا من آلامهم من حين إلى آخر، في ظل غياب الخدمات اللازمة في العيادات المجانية التي تديرها المنظمات والمؤسسات في العديد من المناطق.

وانعكس غلاء معاينات طب الأسنان والمعالجة الجراحية والتجميلية، بشكل سلبي على شريحة كبيرة من السكان لتغدو معالجتها لدى الكثير منهم أمراً ثانوياً أو مستحيلاً رغم أهميته مقارنة بغيرها من الاحتياجات اليومية.

المرضى يتلوعون بصمت

ومن سوء حظ الفتاة نغم (17 عاماً) التي التقى معها موقع "تلفزيون سوريا" وتسكن بلدة الدانا بريف إدلب الشمالي، أنها تعثرت قبل ستة أشهر داخل منزلها وانكسر لها سنّان أماميان لها، لتتجه إلى الطبيب بهدف إصلاحهما أو ترميمهما ليؤكد لها الطبيب أن الحل الوحيد هو زراعة سنين أماميين، وأن كلفتهما قد تصل إلى 700 دولار أميركي.

يروي والد نغم الذي يعمل حارساً في شركة، أن إصلاح أسنان ابنته بات أمراً أشبه بالمستحيل مقارنة بمرتبه الشهري البالغ 145 دولاراً، لافتاً إلى أنه بحاجة للعمل سنة كاملة لدفع تكاليف العلاج.

ترتدي "ريم" كمامة على فمها كلما خرجت من المنزل منذ وقوع الحادثة، كما تدرس الصف الثالث الثانوي "بكالوريا"، إذ أكّدت لنا أنها تخجل من فتح فمها أمام أصدقائها، خوفاً من التنمر.

ولا يختلف الأمر كثيراً على الشاب أحمد قاسم عكو (27 عاماً) وهو نازح من بلدة الشيخ سعيد جنوبي حلب، ويعيش في مخيم الزهور على أطراف بلدة كللي شمالي إدلب، والذي أكّد لـ"تلفزيون سوريا" أنه يستعمل منذ شهور المسكنات ليخفف من آلام أسنانه لعجزه عن تأمين تكاليف علاج أسنانه كاملةً، لافتاً إلى أن كلفة علاج بعض أسنانه التي تؤلمه فقط هي 150 دولاراً، الأمر الذي وصفه بالأمر المستحيل له مقابل دخله اليومي البالغ 50 ليرة تركية.

ويعمل الشاب "أحمد" عامل مياومة في ورشة تمديد كهرباء منزلية ويتقاضى 50 ليرة تركية و25 أخرى ثمن لتر بنزين، إذ يؤكد أنه يستخدم حبوب المسكن "Relief" الهندية البالغ سعرها 4 ليرات تركية فقط بالإضافة إلى أعواد القرنفل، معتبراً أنها أسرع الحلول، لافتاً إلى أنه يخشى من تهالك أسنانه السليمة في الأيام المقبلة.

3 في المئة من السكان يستطيعون إصلاح أسنانهم

يروي طبيب الأسنان "بدر الدين صرما" لموقع "تلفزيون سوريا"، أن نسبة الأشخاص الذين يستطيعون إصلاح أسنانهم شمالي سوريا تتجاوز 3 بالمئة فقط، بسبب غلاء المواد والأجور المعترف بها، وخاصة مع انعدام فرص العمل وتدهور العملة التركية المستمر والذي انعكس سلباً على سكان الشمال السوري الذي يضم ملايين النازحين.

وأوضح أن كلفة سحب عصب السن الواحد وتركيب حشوة له 15 دولارا أميريكيا، وهو يحتاج إلى جلسات عديدة وخاصة، إذا كان هنالك ثلاثة أضراس بحاجة للترميم عند المريض، الأمر الذي يزيد على المريض أجور تنقلاته أكثر من ثمن الترميم الذي قد يطول أكثر من شهر.

وبالنسبة للتعويضات السنية من تركيب التيجان والجسور والبدلات، يؤكد الدكتور "صرما" البالغ من العمر 58 عاماً، أن أسعارهم تتراوح بحسب العدد والنوعية، إذ يبلغ سعر تاج السن من نوع الزيركون 40 دولارا وأمّا المعدن الصب ثمنه 10 دولارات،  وأمّا سعر تركيب الجسر المؤلف من 3 أضراس على أقل حد فيتراوح سعره على حسب النوعية، إذ يبلغ سعر جسر الخزف (3 قطع) 60 دولاراً، وأمّا جسر الزيركون 120 دولارا، مضيفاً أن هنالك حالات بحاجة إلى 6 قطع، ولذلك قد يصل سعر الجسر إلى 250 دولاراً.

وبالنسبة لأسعار البدلات فيتراوح سعرها بحسب الطبيب من 200 دولار إلى 300 على أقل حد، وأمّا زرع السن فتتفاوت الأسعار على حسب نوع الزرعة وفق قوله، مؤكداً أن ثمن الزرعة يتراوح ما بين 200 دولار إلى 300 للزرعة الواحدة، وفقاً للطبيب "صرما".

عيادات مدعومة ومبادرات خيرية

وعلى إثر التكاليف الباهظة لعلاج الأسنان والكثافة السكانية في الشمال السوري، أسهمت بعض العيادات السنية والمبادرات الطبية المجانية بالتخفيف عن أعباء المرضى ذوي الإمكانات المادية المحدودة، والتي بدورها قدمت ولا تزال تقدم خدمات مجانية للمرضى كـ"القلع والحفر والحشوات العادية والصب"، لكنها تفتقر إلى اليوم للتعويضات السنية، كخدمات التقويم وتركيب التيجان والجسور والبدلات والتصوير البانورامي.

ويتوفر في منطقة إدلب أكبر منشأتين مجانيتين في المنطقة وهما العيادات السنية في كليتي الأسنان بجامعة ماري الخاصة وجامعة إدلب الحكومية، إذ أصبحوا الملاذ الأول لدى آلاف المرضى سواء النازحين والمقيمين في المنطقة في ظل الضائقة الاقتصادية التي يعيشها الشمال السوري.

ويؤكد أحد طلاب السنة الخامسة في كلية الأسنان في جامعة ماري الخاصة بإدلب، فضل عدم ذكر اسمه لـ"تلفزيون سوريا"، أن العيادات السنية في الجامعة يتولى مهامها طلاب السنة الخامسة والسادسة وبإشراف مباشر من أطباء الكلية، معتبراً أن هذه العيادات منحت فرصة مجانية لدى الكثير من السكان بترميم أسنانهم، بالإضافة إلى أنها وفرت فرصا تدريبية منوعة لطلاب الكلية.

يقول الشاب عبد الواحد جويني (30 عاماً)، ويسكن مدينة بنش شمالي إدلب، إن العيادات السنية في جامعة ماري وفّرت عليه قرابة 60 دولاراً، إذ استطاع سحب عصب أضراسه الأربعة ووضع حشوات لها بشكل مجاني.

ولا يختلف الأمر كثيراً على السيدة النازحة فاطمة الحسين (43 عاماً) والتي تسكن مخيم "أهل العز" الواقع على أطراف مدينة كفر تخاريم شمالي إدلب، التي حدثتنا بأنها تتوجه بشكل شبه يومي إلى مركز "إسماعيل جحا الخيري" في المدينة، لإعادة ترميم أسنانها الثلاثة التي هم بحاجة إلى سحب العصب، وتركيب حشوات لهم.

وأجمع ممّن التقى معهم تلفزيون سوريا في إدلب أنهم يعجزون تماماً عن إصلاح أسنانهم بالشكل المطلوب لعدم تناسب أسعار العلاج مع دخلهم اليومي أو الشهري، إذ تتلخص معظم تلك العلاجات على الترميم فقط كـ"سحب العصب والحشوات الدائمة" وسط عجزهم عن الإكمال.

وخلال حديثنا مع الطبيب "صرما" أكّد لنا أنه يعمل في مركز "إسماعيل جحا الخيري" منذ سنوات، وأن المركز يحوي طبيبين يومياً وعلى مدار الأسبوع عدا يوم الجمعة، مشيراً إلى أن نسبة المعاينات والمراجعات اليومية لا تقل عن 50 لـ60 شخصا.

يُقدم المركز السني خدمة مجانية لأهالي مدينة كفر تخاريم والمخيمات المحيطة بها البالغ تعداد سكانها قرابة 100 ألف فرد، ويقتصر عمل المركز على ترميم الأسنان ومنح الصور البانورامية وإجراء بعض العمليات الجراحية للفك، إذ يحوي المركز على طبيب جراح واحد يعمل يوم الأربعاء فقط من كل أسبوع، ومهامه تقتصر على إزالة أكياس الماء من الفك وخلع الأضراس التي بحاجة لطبيب جراح، وفقاً للطبيب "صرما".

الوضع الصحي والاقتصادي

بحسب التقرير السنوي الصادر في 25 من كانون الثاني 2022 عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، فإن سوريا تعاني تهالكاً كبيراً في القطاع الطبي، وإن نسبة كبيرة من المراكز الصحية إمّا خارج الخدمة أو متوقفة جزئياً.

ووفقاً للتقرير الصادر عن المكتب الأممي فإن عدد الأشخاص الذين هم بحاجة لرعاية صحية بلغ قرابة 15 مليون شخص، بالإضافة إلى 6.9 ملايين نازح داخل سوريا و5.6 ملايين لاجئ في الدول المجاورة، حتى صدور التقرير.

كما أن البنية التحتية للخدمات الصحية الأساسية مثل المستشفيات ومراكز الصحة تتطلب إعادة صيانة وتأهيل، بحسب التقرير.

وأسفرت الأوضاع أيضاً في سوريا بعد 12 عاماً من الصراع عن إحداث تأثير مدمر على السكان والاقتصاد، وفقاً لتقرير صادر أيضاً عن مرصد الاقتصاد السوري في 16 حزيران الماضي، والذي أكّد خفض حجم النشاط الاقتصادي إلى النصف بين أعوام 2010 و2019، بسبب ما وصفه بـ"تآكل التماسك الاجتماعي وتدهور الحوكمة وتقسيم البلاد، والذي أسفر عن تدهور فرص كسب العيش والاستنفاد التدريجي لقدرة الأسرة على التكيف.

وسبق أن أكّد تقرير لمؤسسة "الدفاع المدني السوري" في 24 أيار، أن أكثر من 90 في المئة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، من جرّاء التهجير والتدمير الممنهج للبنية التحتية من قبل النظام السوري وحليفه الروسي.