icon
التغطية الحية

مظاهرات بسقف الثورة.. السويداء تعيد تعريف بشار الأسد كأزمة سورية لا كأمر واقع

2023.08.24 | 17:14 دمشق

آخر تحديث: 24.08.2023 | 18:09 دمشق

مظاهرات السويداء - تلفزيون سوريا
مظاهرات السويداء - تلفزيون سوريا
إسطنبول - عبد الناصر القادري
+A
حجم الخط
-A

لا يمكن المرور بما يجري في محافظة السويداء جنوبي سوريا دون التوقف عندها، لما تحمله من تغيرات كبيرة من ناحية الخطاب الشعبي وحجم الانتشار وسقف المطالب المرفوعة، فنحن أمام مظاهرات غير مسبوقة في السويداء تنادي بإسقاط النظام السوري ورموزه، ويتم حرق صور بشار الأسد وإغلاق مقر حزب البعث.

قد تكون المعطيات التي دفعت سكان محافظة السويداء لديها مشتركات وتباينات مع بدايات الثورة السورية، إلا أن رفع شعارات الثورة السورية المؤكدة على الحرية والكرامة والمواطنة ووحدة الشعب السوري ونبذ الطائفية، في الوقت الذي تشهد مناطق سيطرة النظام السوري فيه انهياراً اقتصادياً وأزمات معيشية لا تطاق، يشير إلى تغيرات مهمة في الشارع السوري.

ورغم أن السويداء لم تنخرط بشكل مباشر في الثورة السورية مقارنة بمدن قريبة مثل درعا وريف دمشق، إلا أن آلاف الناشطين شاركوا في الثورة السورية وحاولوا أن يكون لهم صوت ببدايات الثورة عبر نقاط تظاهر محدودة أو نشاطات مدنية معينة.

وكان للمحافظة حراكات شعبية عديدة، إلا أنها لم تكن بهذا الزخم والتنظيم ونقاط الانتشار وتحمل مطالب جديدة وصلت إلى حد إسقاط النظام الذي يعد من أعلى المحرمات بالنسبة لقوات المخابرات في نظام بشار الأسد.

جيل جديد

هناك أجيال جديدة وعت في السويداء خلال العقد الماضي، فعندما بدأت الثورة السورية عام 2011، كانت نسبة غير قليلة من أطفال المحافظة ضمن واقع جديد لا يعرفون عنه شيئاً، وقد عاشوا وكبروا الآن ضمن ظروف استثنائية وتغيرات سياسية واقتصادية متراجعة يومياً نحو الأسوأ، خصوصاً بما يخص التجنيد الإجباري وتأمين المستلزمات اليومية.

كل ذلك مع الاحتقان الشعبي المتراكم على مدار 13 عاماً، بالإضافة إلى فشل النظام السوري في تحسين أي وضع اقتصادي أو أمني، دفع الناس إلى الشوارع وإعلان العصيان المدني والإضراب العام بعد زيادة على الرواتب بنسبة 100% قيمة لا تذكر ولا تكفي الموظف الحكومي ثمن وجبة غداء لعائلته مشفوعة بقرارات ترفع سعر الوقود والمحروقات بنسبة تتجاوز 300%.

وعلى مدار 5 أيام ما زالت المظاهرات تملأ شوارع السويداء، بالإضافة إلى التي خرجت في درعا والمظاهرات الطيارة في عدة أحياء من مدينة حلب شمالي سوريا، في مناطق جميعها واقعة تحت سيطرة قوات النظام السوري.

وقال الصحفي حمزة المختار من داخل محافظة السويداء لموقع "تلفزيون سوريا"، إن "الجيل الجديد هو من يقود الحراك الشعبي في السويداء اليوم، شباب العشرينيات هم من يقودون المظاهرات، وهم من يرددون أغاني القاشوش وعبد الباسط الساروت في ساحات السويداء ومدنها وقراها".

هل حسمت السويداء أمرها؟

ووصلت عدد نقاط التظاهر في عموم السويداء إلى أكثر من 40 نقطة، في أول عدد يذكر بنقاط التظاهر أيام الجمع الحاشدة بين عامي 2011 - 2013، وتركزت المظاهرات في مركز المدينة ساحة السير أو يطلق عليها (ساحة الكرامة) حالياً، وفي قرى "الغارية والمزرعة والصورة والثعلة والحقف وبكا وذيبين ومردك وبريكة وصميد والخرسا وملح وغيرها.

وأحصى موقع "الراصد" المحلي في محافظة السويداء 48 نقطة احتجاجية حتى الآن في عموم المحافظة بين صباحية ومسائية، ضمّ بعضها أكثر من قرية متجاورة، متوقعاً انضمام المزيد من القرى إلى حركة الاحتجاجات.

ولليوم الخامس على التوالي ما زال الطريق الرئيسي السويداء - دمشق مقطوعاً من قبل المتظاهرين، ولا يسمحون إلا بمرور سيارات الإسعاف والحالات الطارئة.

وأنهى المتظاهرون الوجود الكامل للنظام وقواته في السويداء وأغلقوا معظم شعب حزب البعث ومؤسسات الدولة، وأصبح التظاهر هو العنوان العريض والأساس مع لافتات تحمل أبعاداً سياسية.

ويبدو أن السويداء أعادت تعريف بشار الأسد كأزمة سوريا الأساسية وليس سلطة الأمر الواقع التي فرضت بالحرب بقوة إيران وبطش روسيا وغياب الدور الدولي، نحن أمام تغيرات سياسية طالت بشار الأسد شخصياً إلى درجة المطالبة بإعدامه.

والجديد في مظاهرات السويداء هذه المرة أنها حصلت على تأييد مباشر من "مشايخ العقل" ما أعطاها غطاءً شرعياً وما يشبه الدعوة العامة لمشاركة الجميع، خصوصاً إذا ما نظرنا للترابط الاجتماعي والعائلي الذي يولي أهمية كبيرة لرأي مشايخ السويداء.

وأيّد شيخ عقل الطائفة الدرزية في السويداء حكمت سلمان الهجري مطالب المتظاهرين، معبّراً "عن قلقه العميق إزاء الأوضاع الحالية وداعياً إلى التحرّك من أجل تحقيق التغيير والعدالة".

وبحسب موقع "الراصد"، فإن محافظ السويداء (التابع للنظام السوري) بسام بارسيك، أنهى مساء الأربعاء زيارة للشيخ حكمت الهجري، حيث جاء المحافظ قادماً من دمشق في وساطة يطلب فيها التهدئة مع عرض لمجموعة من الحلول.

ونقل الموقع عن مصادر قولها إن الهجري أوضح أن "المسألة لا تحتاج لوساطات ولا اتصالات"، وأن "مطالب الشارع معروفة ولا داعي لشرحها، ولن يكون هناك أي تواصل مع أحد قبل تحقيق مطالب الشارع". ووفق الموقع، فإن زيارة بارسيك باءت بالفشل عشية استعداد الشيخ الهجري لاستقبال وفود دينية.

وسجلت محافظة السويداء انضمام شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز، حمود الحناوي، إلى الاحتجاجات. وقد أكد في كلمة له وسط حشد من المحتجين على حق الناس بالمطالبة بحقوقها، داعياً الشعب السوري إلى الوقوف صفاً واحداً ضد الاستبداد.

من جانبهم، رفض "محامو السويداء الأحرار"، في بيان لهم، بيان نقابة المحامين التابعة للنظام الصادر قبل يومين عن فرع السويداء، وقالوا إنه "لا يُمثّلهم كمُحامين أحرار، ولا يُمثل طُموح أهالي السويداء".

ورأى البيان أن "المطالبة بإقالة الحكومة باعتبارها جارت بقراراتها على الشعب، كلامُ بعيدٌ عن الواقع، إذ إنّه، ومنذ أكثر من نصف قرن، تعاقبت على سوريا في ظلّ النظام السوري القائم عشرات الحكومات، وهي من فشلٍ إلى فشل! ونحنُ نرى أنّ الفشل هو بمن يَرسم سياستها العامة وفق الدستور، والذي هو رئيس الجمهوريّة، الحاكم المُطلق لجميع الصلاحيّات التّنفيذيّة والتّشريعيّة والقضائيّة والأمنيّة".

وطالب البيان "بالتّغيير السياسي الجذري للنظام القائم، وإنهاء حُكم السلطة الأمنيّة الاستبداديّة، والمُطالبة بخروج جميع الاحتلالات، جميعها دون استثناء، فليس هُناك مُحتلّ يُطلق عليه حليف بعد اليوم". وطالبوا "بإحلال حُكم دولة مبدأ سيادة القانون التي تُعلي من شأن الحريّة والكرامة والحقوق الطبيعية والسياسية للشعب السوري".

مطالب سياسية بسقف مرتفع

وقال الصحفي حمزة المختار إن "الأوضاع الميدانية في السويداء ذاهبة نحو زخم أكبر وانتشار أوسع وتضاعف الأعداد خصوصاً بعد تأييد مشيخة العقل لهذه المظاهرات على الرغم بمعرفتها المسبقة بمطالب هذه الاحتجاجات فهي مطالب سياسية ولم تعد مطلبية معيشية، نتحدث عن حل سياسي وقرار 2254".

وأضاف المختار لموقع "تلفزيون سوريا" أن حالة الثورة في السويداء يتم تأييدها من قبل جميع المحافظات السورية، رغم أنه لا يخلو الأمر من أصوات هنا وهناك من أنها ثورة جياع، وهذا أمر طبيعي ووجهات نظر لأصحابها، ولكن السويداء هي جزء لا يتجزأ من سوريا والشعب السوري".

وأكّد المختار على "وجود فئة رمادية ضخمة في السويداء، وهذه الفئة ما تزال تخشى بطش النظام خصوصاً هذه الاحتجاجات جديدة على السويداء، ونحاول كناشطين سحب هذه الفئة الرمادية لساحة الكرامة ثم رفع علم الثورة السورية مع تبني كامل شعاراتها".

وشدد الصحفي على أن "النظام السوري لا يملك أي شيء على الأرض، ولا يستطيع أبداً المواجهة الأمنية، واعتقال أي شاب من السويداء في دمشق يتم احتجاز ضباط من قبل النظام للإفراج عنهم فوراً، وهذا منذ خمس سنوات فكيف الآن مع حجم الغضب".

وأشار إلى أن الفصائل العسكرية في السويداء لم تستنزف عسكرياً، وهي حاضرة وجاهزة، وسبق أن أيدت حركة رجال الكرامة، وأي تدخل عسكري من النظام سيكون عليه رد قاس وشديد".

ولا يمكن توقع رد النظام "من الممكن تفجير سيارة هنا، محاولة استخدام ورقة داعش، لكن من المستبعد استخدام أي ورقة أمنية"، بحسب المختار.

ولفت إلى أنه لا يتوقع خروج مظاهرات في دمشق أو ريفها في جبل الشيخ أو صحنايا بسبب القبضة الأمنية الشديدة على المنطقة هناك.

حركة رجال الكرامة

وضمن محاولات بعض شيوخ السويداء، لتحييد المحافظة عن أتون حرب أشعلها النظام السوري بدعم روسي إيراني، تأسست حركة "رجال الكرامة" عام 2013 على يد الشيخ وحيد البلعوس (أبو فهد)، (واحد من أبرز شيوخ الطائفة الدرزية في سوريا) بهدف معارضة شباب السويداء في جيش النظام السوري.

أوجعت الحركة رأس النظام السوري خصوصاً مع تشكيلها لجناح مسلح في العديد من قرى ومدن السويداء ومدن أخرى بريف دمشق، ما دفع النظام لاغتيال زعيمها وحيد البلعوس في 4 أيلول 2015 عبر تفجير سيارته بمنطقة عين المرج في الطريق من ظهر الجبل إلى السويداء مع مجموعة من الشخصيات الدرزية.

وبعد اغتيال الشيخ وحيد البلعوس عام 2015 ترأس الحركة الشيخ رأفت البلعوس بفترةٍ عانت فيها الحركة من ضمورٍ في نشاطها قبل أن يُعْلن رسمياً عن تخلي رأفت البلعوس عن زعامة الحركة بسبب ظروفه الصحية ليتولى بعده القيادة الشيخ أبو حسن يحيى الحجار في 6 شباط 2017 ولازال زعيماً للحركة حتّى الآن.

وفي مقابلة حصرية لتلفزيون سوريا مع "ليث البلعوس" نجل وحيد البلعوس في عام 2022، اتهم فيه النظام بتمويل عصابات مسلحة لتخريب محافظة السويداء ونسيجها الاجتماعي، مؤكداً بالإثباتات أن النظام السوري وأجهزته الأمنية والمليشيات الطائفية متورطة بدماء أبناء السويداء.

وقال البلعوس: إن لدى النظام السوري خط مخدرات يريد أن يحميه، وهو يمر من السويداء إلى الأردن ومنه إلى الخليج العربي، ومن يقف ضد هذا الطريق، يتم اتهامه بأنه غير وطني.

وشدد على أن النظام السوري يزعم أنه يحمي الأقليات لذلك لا يرسل قوات عسكرية إلى السويداء ويقوم بتجنيد أبناء المحافظة ضد بعضهم بعضا ليظهر أمام المجتمع الدولي أنه يحمي الأقليات.