icon
التغطية الحية

"مصفّات" دمشق.. شركات يحتكرها النظام وواقعٌ صعب يواجه النساء العاملات

2024.02.23 | 06:59 دمشق

آخر تحديث: 23.02.2024 | 06:59 دمشق

مصفات سيارات
سيدة سورية تعمل في خدمة "مصفّات" السيارات بدمشق (تلفزيون سوريا)
+A
حجم الخط
-A

دفعت الظروف المعيشية السيئة بالنساء السوريات إلى العمل في مهن لم يعتد المجتمع على رؤية النساء فيها، ما عرضّهن بشكل مباشر إلى المضايقات، في ظل حاجتهن للعمل لتأمين لقمة العيش.

ومنذ العام 2021، انتشرت فكرة المواقف المأجورة (المصفّات) للسيارات في المناطق التجارية والخدمية بالعاصمة دمشق، إذ استقطبت الشركة المستثمرة لخدمة "مصفّات" الشباب والشابات بمختلف أعمارهم للعمل مقابل "أجور زهيدة" بوظيفة "قاطع تذاكر".

في حديثها لـ موقع تلفزيون سوريا، تخبرنا خولة (37 عاماً) من سكان منطقة الدويلعة، بأنها بدأت العمل منذ إنشاء خدمة "مصفّات"، ورغم أنّها موظفة مقسم في إحدى مؤسسات حكومة النظام بدوام صباحي، فإنَّ المرتّب "الحكومي" غير الكافي دفعها إلى الالتحاق بهذه الوظيفة الصعبة بالنسبة للنساء.

مصفات سيارات

وعن ظروف العمل تقول خولة: "لم يتقبّل بعض الناس وجود النساء في عمل كهذا، إذ ينظرون إلينا بفوقية رغم كونه عملاً (شريفاً)، ولم يتردد أحد أصحاب السيارات حينما اقتربت منه لقطع التذكرة، بالسخرية مني (صاروا يشغلوا النسوان؟)، لكنني تجاوزت الأمر ولم أعلّق".

ولا يخلو العمل من المضايقات مثل طلب رقم هاتف الموظفة للتعارف أو مغازلتها بكلمات عابرة، إلى جانب الوقوف ساعات طويلة في الشارع لمراقبة السيارات، وهذا يعني تحمل البرد شتاءً والحرارة العالية صيفاً من دون وسائل مُساعدة للموظفات.

أمّا عن المرتبات فهي لا تكفي وحدها للعيش، لكنها جيدة إذا ما كانت مصدر دخل إضافي، تقول خولة: "زادت الشركة لنا المرتبات في الشهرين الأخيرين من 130 ألفاً إلى 186 ألفاً، ويصل دخلي الشهري الكلي مع الوظيفة (الحكومية) إلى ما يقارب 425 ألف ليرة سوريّة".

عمل يناسب الهاربين من الأجواء المغلقة

على الرغم من الأجور القليلة التي يتقاضاها العاملون في هذه الخدمة، فإنّ استمرار بعض الشبان والشابات فيها يأتي لأسباب مختلفة مثل: مرونة ساعات العمل، والقدرة على العمل مساءً بينما يلتزمون بدوامهم الجامعي أو وظيفة أخرى صباحاً، عدم وجود صاحب عمل متسلط عليهم في المكان نفسه، عدم الرغبة في الالتزام بدوام مكتبي أو في مكان مغلق.

مصفات سيارات

ومع أن خولة تشتكي من عدم العدل في توزيع المواقف على الموظفين، فإذا ما وجد المُشرف المسؤول عنهم موظفاً متفانياً وقوي الشخصية يسلّمه مواقف إضافية أو حتى شوارع إضافية ما يعني مجهوداً مضاعفاً، لكنها تستمر بالعمل لشعورها بالحرية، موضحةً: "أشعر بأنني مسيطرة على المواقف، دون أن يتحكم بي أحد".

اعتراض بالجملة على استثمار المواقف

بادر بعض أصحاب المحال التجارية في مناطق الشعلان وشارع الحمرا والحريقة، بتقديم شكوى إلى محافظة دمشق بعد أن فرضت عليهم "مصفّات" دفع 500 ليرة سورية في الساعة مقابل ركن سياراتهم قرب محالهم ومواقع عملهم، ما يعني اضطرارهم إلى دفع مبلغ قد يصل إلى 8 آلاف ليرة سورية يومياً مقابل وقوف سياراتهم فقط.

وقد جاء الرد من "مديرية هندسة المرور" في محافظة دمشق، بأن الخدمة باقية وأنّه بإمكانهم الاستفادة من المرائب "الحكومية" مثل مرآب ساحة المواصلات الطابقي، ومرآب شارع النصر باشتراكات سنوية لتوفير كلفة ركن سياراتهم.

بشر الصبان

وبيّن عضو المكتب التنفيذي لمحافظة دمشق أمين زيدان، مطلع العام الحالي، أنه سيتم رفع تسعيرة الساعة في خدمة "مصفّات" من 500 إلى 1000 ليرة سورية، مع إمكانية زيادتها إلى 1500 ليرة؛ ما يعني زيادة الكلفة على أصحاب المحال التجارية كونهم المتضرّر الأول من هذا الاستثمار.

الشركة المستثمرة وليدة الحرب السورية

استطاعت شركة "الخدمات البرمجية الذكية" الحصول على عقد استثمار لـ3500 موقف مأجور (مصفّ) بقيمة 2.1 مليار ليرة سورية ولمدة 7 سنوات بدءاً من 2021، وبتسهيلات من محافظة دمشق.

تنتشر المواقف المأجورة في الشوارع الرئيسية من دمشق، وفي المناطق التجارية والخدمية، مثل: الشعلان، الحمراء، ساحة المحافظة، باب توما، ساحة القصور، المرجة، شارع خالد بن الوليد، كفرسوسة، المرجة.. وغيرها.

وتُقطع تذكرة لكل سيارة تقف في المواقف المأجورة بقيمة 500 ليرة سورية لكل ساعة، إذ يستخدم الموظفون جهازا خاصا لقطع التذاكر ويتم تسليمه في نهاية اليوم مع "الغلة" للمشرف المسؤول عن منطقتهم، الذي يسّلم بدوره الأجهزة والأموال للشركة الواقع مقرها في ساحة عرنوس وفي البناء نفسه التابع لقسم شرطة عرنوس.

قاطع تذاكر

والشركة أسّسها شادي خوري -كان موظفاً إدارياً في عدد من البنوك في دمشق- خلال سنوات الحرب السورية، عام 2014، وعلى الرغم من أن عدداً كبيراً من الشركات السورية أغلقت أبوابها أو نقلت عملها إلى دول مجاورة، فإن الشركات "المحسوبة على النظام" فرضت وجودها وقوتها في ظل غياب المنافسين وتسهيلات حكومة النظام.

"صلات خفية وتسهيلات مقابل الولاء"

تقدم الشركة خدماتها التقنية للمؤسسات والجهات التابعة أو المحسوبة على حكومة النظام، وبعض الجهات الخاصة مثل: وزارة الأشغال العامة والإسكان، ووزارة التنمية الإدارية، MTN، وزارة الإدارة المحلية... وغيرها.

وأعلنت

شركة الخدمات البرمجية الذكية

" بالتعاون مع مشروع "جريح الوطن" التابع لأسماء الأسد، في العام 2021، عن مئات الوظائف المخصصة لجرحى النظام والقوات الرديفة (ميليشيات الدفاع الوطني وكتائب البعث وغيرها)، إذ تم تقديم 400 فرصة عمل لهم تحت مسمى "قاطع تذاكر"، من أصل العدد الكلي المطلوب وهو 550 وظيفة لصالح خدمة "مصفّات".

ويأتي ذلك كمحاولة من أسماء الأسد في وضع الشركات الخاصة تحت رعايتها، فيما يبدو أنّه تمهيد للاستيلاء على هذه الشركات والاستحواذ عليها لاحقاً.

من جهة أخرى، استطاعت تخفيف عبء الجرحى العسكريين عن كاهل النظام، فبدلاً من صرف التعويضات الشهرية لهم وتقديم المساعدات إلى عائلاتهم، جرى توظيفهم بعقود عمل سنوية وبمرتبات زهيدة، وهو ما أكّده "الخوري" في تصريح سابق له: "مبادرتنا هي بمثابة رد جميل لمن دافع عن الوطن".

واشتُرط التقدم إلى الوظيفة أن تكون نسبة العجز 30-35% بالنسبة لجرحى قوات النظامي، و40-50% بالنسبة لجرحى القوات الرديفة، وأن تتراوح أعمارهم بين 18 و50 عاماً.

ويتكرّر المشهد نفسه مع شركات "الحراسة الأمنية" الخاصة المنتشرة في دمشق والمحسوبة -في معظمها- على أمراء الحرب، إذ قدّم النظام الدعم والتسهيلات لها مقابل تشغيل المتقاعدين والمتسرّحين من عناصره في خدمات الحراسة الأمنية وبمرتبات سنوية لا تتجاوز 800 ألف ليرة سورية مقابل دوام كامل.

وليس غريباً رؤية رجل قارب الستين من عمره يعمل حارساً لأحد البنوك الخاصة (مثل بنك بيبلوس)، المتعاقدة مع شركات الحراسة مثل: شركة المحترفون، الجبل، الشروق... وغيرها.

كريشاتي والإنجازات التقنية "الخلابة"

بعد ابتداعه فكرة الـGPS للباصات العامة وإطلاقه الوعود بإدخال باصات النقل الكهربائية، خلال العام الجاري 2024، احتفل محافظ دمشق طارق كريشاتي بإطلاق شركة "الخدمات البرمجية الذكية" لخدمة "الإعلانات الطرقية بالهولوغرام"، التي تعتمد على تشكيل صور مجسّمات هلامية من خلال صور ثلاثية الأبعاد وباستخدام تقنيات الليزر وألوان الطيف.

اللافت للانتباه هو وجود شعار مشروع "ماروتا سيتي" في حفل إطلاق خدمة "الهولوغرام"، ويعود مشروع "ماروتا سيتي" إلى "شركة الشام القابضة"، وهو المشروع الذي أوضحت عدة تقارير صحفية ارتباطه بالتوسّع الإيراني في العاصمة دمشق برعاية مباشرة من محافظ دمشق السابق عادل العلبي ورجل الأعمال المحسوب على النظام بلال النعال، لكونهما أعضاء في مجلس إدارة الشركة.

ماروتا سيتي

وهذا يعكس فتح أبواب التعاون بين الشركات العائدة إلى المحسوبين على النظام وبوساطة محافظة دمشق، التي تقدّم التسهيلات والمباركات للاستفادة من أمراء الحرب والمستثمرين في تمويل اقتصاد النظام المتهالك تحت مسمى "إعادة إعمار" وإنعاش الاستثمار، وهو ما جاء على لسان "كريشاتي": "المحافظة قدمت وتقدم كل التسهيلات الممكنة في إطارها القانوني لتكون هذه الشركات داعمة وتقدم الرؤية الحضارية والجمالية لدمشق العراقة والتاريخ".