icon
التغطية الحية

مرضى العيون.. الحرب والغلاء يضاعفان حالات فقدان البصر في الشمال السوري

2024.01.22 | 17:55 دمشق

آخر تحديث: 23.01.2024 | 10:09 دمشق

مرضى العيون.. الحرب والغلاء يضاعفان حالات فقدان البصر في الشمال السوري
طفلة سورية تبصر النور بعد عملية نقل قرنية لها في تركيا (تلفزيون سوريا)
تلفزيون سوريا - رامة ديب
+A
حجم الخط
-A

كثُرَت في الآونة الأخيرة مناشدات من الشّمال السوري لتغطية تكاليف عمليات عينيّة؛ وفق مدّة زمنيّة محدّدة وربّما لأكثر من عمليّة متتالية حتى يكتمل العلاج.

"لو فيني أعطي ابني عيني مابقصِّر" على لسان أبو أحمد (اسم مستعار)، والد أحد المرضى والَّذي يروي لـ موقع تلفزيون سوريا ما مرّوا به، خلال الأشهر الأخيرة، بعد تشخيص الألم الَّذي أصاب ابنه أحمد واحتياجه خلال مدَّة محددة للعمليَّة وإلَّا سسيفقد بصره، لتبدأ رحلة البحث عن كافلٍ لتكاليف العمليَّة، فتكفَّلت جهة بالعمليَّة الأولى، وبعض الأشخاص تكفّلوا بنفقات العلاج وثمن الأدويَّة.

أيمن جمالو -طبيب عيون في شمال غربي سوريا- أخبرنا خلال حديثه عن انتشار أمراض العيون عالمياً بسبب الاعتماد الزائد على الهواتف الذَّكية بالعموم: أنّ أخطر ما يواجه المرضى في الشَّمال السوري، هو عمليات قطع الزجاجي الخلفي أو انفصال الشَّبكيَّة، سواء كان بسبب إصابات الحرب، أو شظايا داخل العين، أو مرض السُّكري..

وقال: "انفصالات الشَّبكيَّة كانت عمليات روتينيَّة قبل الثَّورة والحرب، وكانت ناتجة عن حالات عفويَّة ومرض السُّكري، أمَّا الآن أصبح لدينا جزء ثالث وجزء مهم جداً هو الإصابات التي تسبّب انفصالات الشَّبكيَّة أو نزف ضمن الزجاجي أو إصابات رضيَّة قويَّة على مستوى طبقات العين".

ندى (اسم مستعار) شابَّة تعرَّضت لحادث منذ عدَّة سنوات وأثَّر على إحدى عينيها ولم تتلقَ العلاج في الوقت المناسب ففقدت الرؤية بها.

أجرت عمليَّة بعد فترة، وقالت لـ موقع تلفزيون سوريا: "لم أستفد شيئا من العمليَّة، وأهلي لم يتمكّنوا من معالجتي فوراً حين أصبت، بسبب عدم القدرة على تغطية التَّكاليف،..، الآن بسبب عامل الزمن بدأ ضرر مختلف في عيني كارتفاع ضغطها،..، تحتاج عمليَّة ثانيَّة لكن ليس لدينا قدرة على التَّكاليف".

قصة مشابهة لما عاشته ندى ترويها لنا أم خالد (اسم مستعار) عن ابنها، قائلةً: "بدأ بمشاهدة غير واضحة بعينه (مثل عنكبوت) بحسب وصفها، ذهب إلى المشفى وأخبروه عن عمليَّة مستعجلة بسبب انفصال الشَّبكيَّة بكلفة عالية خارج استطاعتهم".

وبدأت أم خالد بالتَّواصل مع منظمات/ جهات/ أشخاص لتغطيَّة التَّكلفة -ففي حال عدم إجرائها في أسرع وقت ممكن سيؤدي ذلك إلى خسارة بصر العين المصابة، وسيؤثِّر على العين الثَّانية بحسب التَّشخيص الطبيِّ، وقد توصّلت إلى أحد الفرق -واستجابوا بشكلٍ فوري- وأُجريت له العمليَّة "الأولى".

مرضى العيون والمشافي الخاصة

أخبرنا الطبيب "جمالو" عن سبب سعي بعض المرضى لإجراء عمليات العيون في مستشفيات خاصًّة بينما المستشفيات المجانيَّة متوفِّرة، قائلاً: "للأسف كلفة عمليات القطع الزجاجي باهظة جداً بسبب المواد المستخدمة فيها والأجهزة الَّتي تُستعمل فيها، هذه العمليات مُكلفة، وتأمينها ليس بالسَّهل، موجودة في المحرّر بالقطاعات المجانيَّة ولكن بسبب الضغط الكبير على هذه المشافي بارك اللَّه فيهم، لا يستطيعون تغطية جميع حالات القطع الزجاحي".

وأضاف: "لذلك نضطر أن نجري بعض العمليات بالقطَّاع الخاص والكلف كبيرة -يعني وسطياً بين 800 الى 1000 دولار حسب الحالة تزيد أو تنقص-"، مردفاً: "من المؤكَّد يوجد مرضى لا يستطيعون تلقَّي العلاج في المشافي المجانيَّة بسبب الازدحام الشَّديد فيها، وفي المشافي الخاصَّة الكلفة باهظة نسبيّّاً".

وبحسب "جمالو" فإنّ عامل الزمن هو الأكثر أهميَّة في هكذا نوع من العمليات، ففي الحالات الأخرى كالماء الأبيض مثلاً لا بأس بالانتظار شهرين أو ثلاثة، "أمَّا عمليات القطع الزجاجي أو انفصال الشَّبكيَّة فهي من العمليات الملحَّة والتي يجب أن تُجرى بالسرعة الممكنة"، وفق تعبيره.

وهذا مايدفع بعض مرضى العيون إلى إجرائها إمَّا على نفقتهم الخاصَّة أو تتكفّل بذلك جمعيات ومنظمات، وفي حال عدم توفر الكلفة، فالبعض من المرضى لا يستطيعون إجراء العملية.

وبالنسبة لـ"أم خالد"، فعندما اقترب موعد العمليّة الثانيّة بعد أشهر -والَّتي لابدَّ منها- عاودوا الاتصال بالفريق الَّذي غطى كلفة الأولى وتكفَّل بالثانيَّة، لكنَّه لم يغطّها بسبب توقّف دعم/ إغلاق هذا القسم لديهم، وفق "أم خالد"، لتبحث مجدّداً مع ابنها عن التَّغطية الماليَّة مرة ثانية ولكن لم يجدوا فاستندانوا مبلغاً ليس بالقليل، والعمليَّة والعلاج لم ينجحا.

سألنا الطبيب "جمالو" عمّا إذا كان ما عاشه السوريون بعد الثورة من أنواع قصفٍ واعتقالات؛ له دور في زيادة هذه الأمراض؟ أجاب: "أُضيف على هذه الأمراض زرع القرنيَّة الَّذي يكون سببه رضيِّ، مثلاً بعض الجروح القرنيَّة التي تنتهى بندب تؤدي إلى زرع قرنيّة، الإهمال قليلاً في بعض العلاجات، قرحات قرنيَّة لم تُعالج بشكل صحيح أو تأخرَّ الأهل بعلاجها تؤدي لندبة قرنيَّة أيضاً، وبالتَّالي زرع قرنيَّة".

واعتبر "جمالو" أنّ عملية زرع القرنيّة هي التحدي الثاني في الشمال السوري ضمن عمليات العيون موضحاً: "في الأصل لدينا انتشار لمرض شائع جداً بمنطقتنا اسمه (القرنيَّة المخروطيَّة)، فإن كان في مراحله الأولى يعالج بعمليَّة تصليب القرنيَّة، أمَّا في المراحل المتقدِّمة أكثر يحتاج زرع قرنيَّة، وللأسف كلفتها باهظة جداً، -الكلفة كاملة للمريض 4 آلاف دولار- وحتَّى هذه العمليَّة لا يمكن تأمينها في المستشفيات المجانيَّة، فهي من الحالات المستعصيَّة جداً وللأسف منتشرة جداً".

القصف بالكيماوي وتأثيره على العين

قال الطبيب جمالو: "القصف العنقودي والصاروخي يُحدِث شظايا داخل العين، القصف الكيماوي يمكن أن يؤثر على القرنيَّة في مراحل متقدِّمة، فيتحول إلى أذى بالقرنيَّة (قرحات قرنيَّة)، وبالتَّالي يحتاج لاحقاً إلى زرع قرنيَّة".

أيضاً، فإنّ المعتقلين نتيجة ظروف التَّعذيب يتعرّضون لرضوض في العين ويحتاجون إلى تدخلات جراحيَّة، سواء انفصالات شبكيَّة، أو خلع جسم بلوري، أو جرح بالقرنيَّة، كثيراً ما شاهدنا حالات من المعتقلين والمعتقلات المعذبّين والمعذّبات داخل السُّجون، احتاجوا إلى تدخلات جراحيَّة عينيَّة بعد إطلاق سراحهم.

وبحسب "جمالو" فإنّ عمليتي "القطع الزجاجي وزراعة القرنيَّة" هما عمليتان أساسيتان ومكلفتان، ويُضاف إلى ذلك، عمليات المياه البيضاء، الحول، تصليب القرنيَّة..

ما عاشه "أبو أحمد" لا يختلف كثيراً عمّا عاشته "أم خالد" في تأمين العلاج لولديهما المريضين، حين آن موعد العمليَّة الثانيَّة، وواصل أحمد وعائلته البحث عن كلفة العملية حتّى تمّ ذلك، والآن هو في فترة استكمال العلاج والعناية والرَّاحة اللازمة للمساعدة بنجاح العمليتين والعلاج بعدهما.

ما هي النَّتائج في حال عدم استكمال العلاج؟

قال الطبيب "جمالو": "النَّتائج يمكن أن تقود إلى العمى للأسف، ففي بعض الحالات سواء كان انفصال الشَّبكيَّة، أوالقرنيَّة في مراحل متقدمة، إضافةً لأنّ بعض الأمراض في الأصل لم يوجد لها علاج إلى الآن عالمياً، على سبيل المثال التهاب الشَّبكة الصباغي الَّذي هو منتشر  بكثرة، وكل العلاجات الموجودة له -حتَّى الآن- تجريبيَّة".

وهذه النَّتائج غير المرغوبة مع تشخيص الإصابة كانت صدمة لـ"أحمد" عندما علم أنَّه بحاجة عمليَّة مستعجلة، وأخبرنا عن ما مرَّ به: "انفصال بالشبكية ويوجد تكلفة للعمليّة كبيرة، أجريت العمليَّة الأولى ولكنني بقيت بحالة صدمة، يوجد سيلكون في عيني وأحتاج لعمليَّة ثانيَّة،..، أجريتها وما زلت قلقاً من أن تفصل الشبكية وأن يحصل فقدان للبصر، والحمد لله على كلٍّ حال، وأتأمل من اللَّه أن تنجح وأتعافى ولا أتمنى لأي شخص أن يعيش فقدان البصر".

"أحمد" يتمنّى كذلك أن يكون هنالك مساحة اهتمام أوسع لمرضى العيون لتّغطية التّكاليف ليس فقط للعمليات بل ما يتبع ذلك من علاج أيضاً، فبحسب تعبيره: "يوجد صعوبة في تأمين تكاليف العلاج بعد العمليات كثمن القطرات وكشفية الطبيب ومصاريف الطريق، كذلك خلال فترات العلاج الضروريَّة كالبقاء لفترة من دون حراك، وبالتَّالي عدم المقدرة على العمل أو الكسب خلال تلك الفترة".

هذه القصص وغيرها، فيها الكثير من التفاصيل والأحداث التي تشير إلى احتمالية تعرّض أي شخص لفقدان عضو أو حاسّة أساسية قد تغيّر حياته وحياة عائلته بشكل جذري أو جزئي، ومن أبرز الاحتياجات التي يواجهها عموم المرضى في الشمال السوري حالياً، هي عدم القدرة المالية على تكاليف العلاج بشكل كافٍ وشامل.